على الرغم من غموض رؤية الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، حول السياسة الخارجية لواشنطن، لا سيما منطقة الشرق الأوسط المشتعلة بالحروب، إلا أنه يمكن التكهن بملامحمها فى ظل بعض التحركات الأمريكية الحالية، واستناداً إلى تشكيل الإدارة الجديدة التى خرجت إلى النور بعد أيام قليلة من فوزه بالانتخابات الرئاسية فى أوائل هذا الشهر.
فى أول خطاب جماهيرى له بعد صعوده للبيت الأبيض، وعد ترامب مجدداً بالعمل على ايقاف الحروب فى الشرق الأوسط قائلاً: «هذا يجب أن يتوقف».
جاء ذلك خلال حدث أقيم أمس فى مقر إقامته فى منتجع «مارالاجو» بولاية فلوريدا للاحتفال بفوزه فى الانتخابات.
من خلال هذه التصريحات والتى سبقتها، بدا واضحاً أن الرئيس المنتخب يمتلك خطة للتعامل مع هذين الملفين، والتى تستند فى الأساس إلى تحقيق الرؤية الاسرائيلية التى تشمل ضمان أمن الدولة اليهودية فى المقام الأول.
تشير التوقعات إلى حصول اسرائيل على دعم لا محدود من الإدارة الأمريكية ، فبحسب القناة «12» الإسرائيلية، صرح ترامب من منتجع فلوريدا أنه سيقوم بإلغاء كافة القيود والتأخيرات على نقل الأسلحة والمعدات القتالية لتل أبيب.
كما أكد فى عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن أى قيود أو تأخيرات أميركية فى التسلح سيتم إلغاؤها على الفور.
علاوة على ذلك، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف بشدة بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، فى تعبير يظهر مدى ثقة الحكومة اليمينية المتطرفة بأن أن مصالحهم ستتعزز بشكل أفضل من عهد إدارة الرئيس جو بايدن، المنتهية ولايته، بحسب تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
كما تشير الصحيفة الأمريكية أن طريقة تشكيل الإدارة الجديدة، توحى أن ترامب لن يتوانى عن تقديم الهدايا الثمينة لإسرائيل.
من بين الأشخاص الذى اختارهم ترامب، مايك هاكابي، الذى عينه سفيرا لواشنطن فى إسرائيل. ويعد هاكابى من المؤيدين للاستيطان، فهو يرفض استخدام كلمة مستوطنات، ويصر أن إسم الضفة الغربية هو يهودا والسامرة.
وفى أول مقابلة له مع وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ الإعلان عن ترشيحه، أشار هاكابى إلى أن «الإدارة المقبلة ستدعم تحركات حكومة تل أبيب لضم الضفة الغربية.
أيضا بيت هيجسيث، المرشح لمنصب وزير الدفاع، كان قد دعا فى وقت سابق إلى بناء معبد يهودى فى موقع المسجد الأقصى فى القدس، وأثناء عمله كمذيع فى قناة «فوكس نيوز»، سخر من المؤيدين للفلسطينيين» داخل إدارة بايدن.
ولا تختلف إليز ستيفانيك، المرشحة لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، عن هاكابى و هيجسيث، فهى معروفة بتأييدها الصريح لإسرائيل، وتجلى ذلك خلال استجوابها لرؤساء الجامعات الأميركية، فى الكونجرس لتسامحهم مع الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل داخل حرم جامعاتهم.
لذلك ليس بعيداً عن ستيفانيك تهديدها باستمرار التمويل الأميركى لبعض الوكالات أو البرامج التى لديها الجرأة على انتقاد إسرائيل.
وبالنسبة لإيران، من المرجح أيضاً أن تسلك إدارة ترامب سلوكاً أشد عنفاً، وهنا ليس المقصود تحركات عسكرية، بل اجراءات اقتصادية، حيث يشير الخبراء والمحللين السياسيين إلى أنه سيتم تشديد العقوبات الاقتصادية على طهران حال عدم التوصل لاتفاق مع طهران.
وفقاً لما صرح به ترامب خلال حملته الانتخابية، يريد إبرام اتفاقاً موسعاً مع إيران بحيث يشمل البرنامج النووي، والصواريخ الباليستية، وحلفائها فى الشرق الأوسط.
من ناحيتها، أبدت طهران استعدادها لفتح المفاوضات فى ظل الجهود الرامية لوقف إطلاق النار فى غزة، وبشرط عدم التفاوض تحت الضغط والترهيب.
ويمكن اعتبار ذلك تحولاً استراتيجياً فى السياسة الإيرانية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل بعد فوز ترامب، خاصة أن هناك أنباء عن تأجيل تنفيذ عملية «الوعد الصادق 3» ردا على الضربة الاسرائيلية الأخيرة على الأراضى الإيرانية.
هذا الموقف يتماشى مع ما قاله مستشار المرشد الإيرانى على لاريجاني، قبل أيام بأن بلاده ستتخذ قرار سليم بشأن الرد على هجومها، داعيا إلى عدم الانجرار إلى ما وصفه بالفخ الإسرائيلي.
وعلى صعيد الملف النووي، رحّب وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجي، بأى جهود للوصول إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فى إشارة إلى استعداد طهران للتعاون.
كما كشف مسؤول إيرانى كبير لـ»رويترز» عن أن إيران ستبعث برسالة إلى ثلاث قوى أوروبية عن طريق المدير العام للوكالة، رافاييل جروسي، بشأن جديتها فى حل الخلاف النووى مع الغرب.
وقبيل زيارته إلى طهران، أكد جروسي، على ضرورة إيجاد حلول دبلوماسية للأزمة النووية. وكشفت مصادر أن المبادرة التى يحملها جروسى تهدف إلى خفض النزاع فى المنطقة مقابل تخفيف العقوبات.
فى ظل المعطيات الحالية، تبدو إيران مستعدة للتفاوض حول الملف النووي، لكن بشرط أن يحدث ذلك على أساس مبدأ «رابح-رابح»، فضلاً عن عدم ربط الملف النووى بقضايا أخرى مثل حلفاءها فى المنطقة (حزب الله والحوثيون وغيرهم).
ومن غير المعلوم حتى الآن، كيف سيتعامل ترامب مع هذه الأمور التى يمكن أن تعطل حدوث اتفاق، كما هناك غموض حول الاتفاق النووى والمطالب الأمريكية والاسرائيلية بشأن قدرة إيران الباليستية.
وعلى الصعيد اللبناني، أبلغ ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، دعمه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى لبنان، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال».
وأشارت هيئة البث الاسرائيلية أن ترامب خلال اجتماعه مع وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، أعرب عن أمله فى إنجاز تسوية مع لبنان قبل وصوله للبيت الأبيض.
ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإن واشنطن قدمت مقترحا يقضى بانسحاب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطانى وانتشار الجيش اللبنانى فى الجنوب ومنعه الحزب من إعادة إقامة مواقع بالمنطقة ومنع نقل السلاح عبر سوريا إلى الحزب.
لكن إسرائيل تريد الاحتفاظ بحق مهاجمة حزب الله فى لبنان حتى بعد الاتفاق، وهو ما يرفضه لبنان بشدة ويعطل التفاوض، حيث يعد ذلك نقطة شائكة تقف دون اتمام التسوية. يشدد الحزب أن الاتفاق يجب أن يكون مبنيا على أمرين، هما وقف العدوان، وحماية السيادة اللبنانية بشكل كامل غير منقوص.
فى نفس السياق، كشف مصدران سياسيان لبنانيان كبيران أن السفيرة الأميركية ليزا جونسون، التقت رئيس البرلمان اللبنانى نبيه برى – المكلف من حزب الله بالتفاوض- هى مسودة لجلب الملاحظات من الجانب اللبناني، بينما لم يتمكن أى من المصدرين من تقديم تفاصيل عن بنود المقترح.
وتتركز مبادرات الهدنة حتى الآن حول آليات لتطبيق أفضل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذى أنهى الحرب بين حزب الله وإسرائيل فى عام 2006، وينص على أن جنوب لبنان يجب أن يكون خاليا من الأسلحة التى لا تنتمى إلى الدولة اللبنانية.