هناك عوامل كثيرة تجعلنا نسلّط الضوء على هذا العالم ذى العبقرية المصرية الخالصة، الذى لن تنساه مصر وهو صاحب موسوعة «شخصية مصر»، فقد كان نموذجاً مميزاً للعالم الراهب زاهد المناصب، بعلمه الموسوعى جسَّد شخصية الوطن «المكان والزمان»، سبح بين عوالم الجغرافيا والتاريخ وسافر مع عبق الزمان عبر مشوار حياته وهو واحد من المثقفين الكبار الذين وظفوا أبحاثهم ودراساتهم من أجل خدمة قضايا الوطن.. ومن يتعمق فى كتاباته، يجده صاحب تنبؤات سياسية وعلمية مهمة، وكان له رسالة عاش لها ومن أجلها وكيف نعمل معاً لنجعلها تتقدم للأمام، رغم أنه أصدر كتابه «شخصية مصر» الجزء الأول بعد هزيمة يونيو 67 على أساس أن النكسة ليست نهاية العالم، وكان يذهب بخياله وسط ظلام نكسة يونيو ويقول إنها ليست نهاية حرب، لكنها نهاية معركة.. هذه الشخصية «الخجولة» فى الحياة عندما تكتب وأثناء الكتابة، لا تنسى ذاكرة القارئ المصرى أن كتابه الأول صدر بعنوان «شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان» وكان وقت النشر وسط أزمة النكسة قمة عبقرية المؤلف، فهو قبل كل شيء ابن طين الأرض الطيبة، ولد فى قرية ناى القريبة من قليوب ونوي، ومنها انطلقت عبقريته وحمل لقب شاعر الجغرافيا عاشق الوطن، حتى رسالته للدكتوراة حملت موضوعا قريبا من مولده وهو عن «سكان الدلتا قديماً وحديثاً».
فهو عالم الجغرافيا وفيلسوف الفكر الجغرافى الذى كتب موسوعته بلغة أدبية بليغة تكتشف وانت تقرأ سطورها مصطلحاته وتعبيراته أنك أمام عالم يزن الكلمة بشعر وحصافة اللغة، وعاشق الوطن فقد كان الأكثر فهماً بين أقرانه الأكثر فهماً للوطن مصر، وتعمق فى فكرها فقد كشف الجينات المصرية مبكراً ومزج بين عبقرية المكان وبين العلاقة والأرض والبحر والنهر، ورسم فى موسوعته أن النيل لحن الحضارة وموسيقى التاريخ الذى نعبر فيه عن هويتنا، ولمَ لا ومصر تقع على أبوالبحار ويمر وسطها أبوالأنهار، فى سبيكة حضارية رسمت لنفسها بوصلة ميزان فى هذه البقعة الغالية، وفك طلاسم كثيرة بفكره الراقى عن المواطن والهوية والموقع فى ثلاثية الوطن.
سيرة الدكتور جمال حمدان تؤكد أن مصر لم تعرف الكراهية لأحد، ولم تعرف العنصرية أو التعصب الجنسي، ونجح فى إيصال فكرته بأن أى شعوب تقترب منها تذوب فيها بفضل التفاعل الكيميائى النادر وتمتلك قوة إرادة عجيبة وكذلك قدرة على امتصاص الصدمات على مر العصور، وبرؤية واضحة حول فكره نجد أنه نجح فى تجاوز التضاريس الفكرية الجغرافية من واقع مؤلفاته من جغرافية المدن ودراسات العالم العربى والمدنية العربية والتكوين الثقافي، وكتابه «القاهرة وبترول العرب» الذى صدر عام 1964، و»أفريقيا الجديدة» و»العالم الإسلامى المعاصر» و»بين أوروبا وآسيا» وعام 1975 صدر كتابه المهم الذى تزامن مع إعادة فتح القناة بعد انتصارات أكتوبر وهو الكتاب الذى تنبأ فيه بقناة السويس الجديدة قبل أن يهجع لموسوعته الشهيرة التى استغرقت 10 سنوات أنتجها فى 4آلاف صفحة.
راهب الجغرافيا
من هنا أجد أن الدكتور جمال حمدان راهب مصر فى علم الجغرافيا والسكان والعلوم الاجتماعية، واستطاع من خلال صومعته أو شقته الصغيرة بشارع أمين الرافعى وأنتج فى عزلته الاختيارية أروع موسوعات العلم عن مصر الجغرافيا والوطن والزمان والمكان.
الحديث عن جمال حمدان، هو حديث عن عالم جمع بين الدقة العلمية والبلاغة اللفظية، فقد حوّل الجغرافيا من علم جامد إلى مادة مشوقة بلغة حديثة وليست تراثية يأنف منها القارئ سريعاً، حوّلها إلى علم نابض حي، بلغة سلسلة للقارئ.. بالتأكيد لأبناء جيلى الذين كانوا يبحثون عن د.جمال حمدان ليقدم دوراً حقيقياً عن الجغرافيا والعلم، كل من التقاه من كبار مثقفينا أكدوا أن د.جمال حمدان أحد القلائل الذين لمسوا روح مصر الدفينة، وقدَّمها كما يجب كعاشق وحالم فى أبعاد كثيرة تشكل دولة بحضارتها، كان يضع حب مصر كعاشق يريد لها المكان والموقع الذى يليق بعمق الـ 7 آلاف عام، وكان ظهور د.حمدان ثورة فى علم الجغرافيا وجعل مصر الدولة والخريطة والمكان والزمان بجعل نشاطها يتسرب إلى الملايين من القراء وأنا منهم للإقبال على إنتاجه من صومعته وعزلته الاختيارية فى القاهرة، ولا ينكر الدارسون أن الدكتور جمال حمدان فيلسوف الجغرافيا علم جماهيري، فمعه تنفذ بين السطور إلى روح المكان، وقدَّم تعريفاً واسعاً للجغرافيا تقود إلى الانتماء وتصنع الوعى بما يمتلكه من نظرة استراتيجية للبُعد الاجتماعى والعلوم الاجتماعية بأسلوب متفرد قلما تجده ينفذ بك إلى جوهر الإيثار.
فمعه تبحر بسفينة الجغرافيا وبشراع المسارات المائية على سفن حديثة وبلغة أكثر قرباً من القارئ، وهذا سر بقاء موسوعته حديثاً علمياً يتمدد تتناقله الأجيال، فقد رأى المستقبل من خلال الجغرافيا وهو من قال: الامبريالية الأمريكية خدعت شعوب العالم الثالث، فى انها تحارب الاستعمار القديم وأثبتت الأيام عكس ذلك وباتت زعيمة للثورة المضادة وليست مع تحرير العالم الثالث- من وجهة نظر د.جمال حمدان- وعندما أصدر كتابه «اليهودية والصهيونية» وترصدته اسرائيل عندما أصدر كتابه عقب النكسة 1967 «اليهود انثروبولوجيا» وطوَّره بعد ذلك كانت اسرائيل تترقب العالم الجديد الذى ربط مصير شرقنا الأوسط بمصير فلسطين واسرائيل وكذلك عالمنا العربي، وتنبأ حمدان بأن العالم اليوم مع انحسار الاستعمار القديم ما بين دموية نازية وعنصرية جنوب أفريقيا وهو استعمار محكوم عليه بالانتحار والموت، وقد اختفت مسودة كتابه «اليهودية والصهيونية» بالموت «حرقاً» فى الحادث الذى حزن بسببه أبناء مصر وجيرانه بشارع أمين الرافعي، ومازال حادث وفاته غامضاً حتى جيرانه الذين غادروا المكان فور وقوع الحادث الذى قيد بسبب إعداد كوب الشاى على «البوتاجاز»!
لكن السؤال: من سرَّب إلى دوائر الموساد أن الدكتور جمال حمدان يعد كتابه عن «اليهود والصهيونية» يضاف إلى كتابه الأول «اليهود انثروبولوجيا»، والمتأمل فى د.جمال حمدان واهتمامه بموقع مصر الجغرافى بتقنين عبقرية ووطنية الرجل وقراءاته الاستراتيجية لأحداث قوامها الجغرافيا ورؤية سياسية لخريطة مصر فى رأس الحسم العربى وجهازه الأساسى وإدراك أهمية الموقع من محمد على إلى الرئيس السيسى والشعارات التى أثيرت وترددت على مدى السنين ومنها شعار «مصر للمصريين»، ورفض حمدان فى قراءاته عزل مصر ووحدة وادى النيل ووصل فى موسوعته إلى أن العروبة مصير مصر، وهو ما فشلت جماعة الارهاب الضالة فى فهمه، حيث لم يكن هناك مجال للتفريط فى حدود الوطن فى الفترة من 2012 إلى 30/6/2013 حيث كان يحكمهم ما يدعونه كذباً «التنظيم الدولى للجماعة» التى لا تؤمن بالمواطنة أو الهوية من هنا عشقنا وأحببنا جغرافية د.جمال حمدان المؤمن بالدولة المصرية محوريتها وتاريخها.
جمال حمدان الذى خرج من عزلته الاختيارية بعد حادث غامض قيد ضد مجهول فى 17 ابريل عام 1993 وخلال هذه العزلة لم يخترقها إلا أعداد محدودة سمح لها بدخول عالمه الخاص حتى ان الأستاذ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذى لم يتعود أن يذهب إلى أحد دون موعد مسبق ومحدد ذهب إليه فى صومعته الاختيارية، ولم يتجاسر أن يطرق الباب، واكتفى برسالة رقيقة يبلغه أنه عاد إلى القاهرة.
أوراقه الخاصة
ما تقوله أوراقه الخاصة فى 28 مايو 1979 بالعالم الراحل والموجودة فى أوراقه ببيت السنارى التابع لمكتبة الاسكندرية، وليس هذا فقط، بل أوراق من محبيه وهم نخبة ثقافية كانت لها علاقة وطيدة به وكذلك الكاتب الكبير أنيس منصور وخطابات كثيرة بينهم، أيضا أصدقاؤه الأديب يوسف القعيد ولويس عوض وجابر عصفور.
أزمة اسرائيل التى كرهت جمال حمدان، أنه يرى أنها «مسخ» اصطناعى وربما تسرب إلى الدكتور جمال حمدان نصيحة من محب عبر وسيط أمين طالبه بالكف عن الكتابة عن الصهيونية، وذلك قبل مؤتمر مدريد الذى كان يتحدث فى محوره الرئيسى حول شخصية حمدان.
اللافت، أنه بعد وفاته قال الكاتب الكبير الذى كان يلتقيه دوماً لأحد المقربين للدكتور حمدان حول لغز الوفاة: انت متوقع أن د.جمال حمدان كان ممكن يموت موتة غير كده؟!، حيث الأوراق تشير إلى أن الحدث ظاهرياً حريق كما سجله مفتش صحة الجيزة د.يوسف الجندى اختناق «حريق»، وقبل إصدار كتابه عن الصهيونية.. والحقيقة أن موته نهاية مأساوية لكل المصريين قيدت ضد المجرم «المجهول».
عموماً، الحديث عن جمال حمدان يظل حياً ويتجدد، ومن يقلب فى بيت السفارى عبر أوراقه سيخرج بجديد دائماً ربما لم يكشف بعد، ولم تبح به جدران شقته الصغيرة فى شارع أمين الرافعى التى حملت مسروقاته الغامضة إلى اليوم ونحن نكتب الآن لنتذكر عالماً وطنياً يمر الآن نحو 32 عاماً على رحيله وعلى مولده 97 عاماً، لرجل عالم عاش مخلصاً لما آمن به، الرافض للعنف وتيار الجماعة الاسلامية وانتقد عملياتهم الإرهابية فى العقود الثلاثة التى سبقت وفاته.
النشأة
ولد جمال محمود صالح حمدان فى قرية «ناي» وهى واحدة من قرى القليوبية مركز قليوب، وهى من القرى القديمة التى تعود إلى أيام السلطان الناصر صلاح الدين، وهى قريبة من قرى رمادا ونوى وطنان.. فى فبراير 1928 وتنحدر أسرته من أسرة بنى حمدان العربية بجزيرة العرب ونزحت إلى مصر مع الفتح الإسلامي، كان والده أزهرياً ويعمل مدرساً للغة العربية فى مدرسة شبرا، وكعادة الأسر المصرية ألحقه والده بالكُتاب ثم مدرسة شبرا التى حصل منها على الابتدائية بين ٧ اخوة، اهتم والدهم بتحفيظه القرآن الكريم وتجويده، ومن هنا كان قد امتلك ناصية اللغة العربية.
التحق بمدرسة التوفيقية للحصول على الثانوية العامة، حصل على شهادة الثقافة عام 1943 والثانوية 1944 وجاء ترتيبه السادس على القطر المصري.
دخل الجامعة عبر كلية الآداب واختار قسم الجغرافيا وكان متفوقاً وحاز على أعلى تقدير فى القسم طوال سنوات الدراسة حتى أنهى دراساته الجامعية 1948 وعُين معيداً بالكلية، وفى عام 1949 وفدته الجامعة فى منحة تعليمية فى انجلترا والتحق بجامعة ريدنخ التى حصل فيها على الدكتوراة عام 1953 فى موضوع «سكان وسط الدلتا قديماً وحديثاً»، وبعد العودة من انجلترا التحق بالجامعة وأصدر خلال الفترة الأولى ٣ دراسات عن جغرافيا المدن والعالم العربى ومدينة الخرطوم العاصمة المثلثة.
ومع التفوق منح جائزة الدولة التشجيعية عام 1959 وكان منحه الجائزة مثار انتباه زملائه إلى عبقريته المبكرة وتفوقه الأكاديمي، وفى عام 1963 استقال من الجامعة معترضاً على تخطيه فى الترقية.
30 عاماً فى صومعته
منذ استقالته من الجامعة وحتى وفاته 3 عقود، تفرغ د.جمال حمدان لمؤلفاته وكتبه وتميزه فيما يصدره عبر المطابع، فهو انقطع عن الجامعة لكنه لم يتوقف عن التأليف وإصدار الكتب فى عالم الجغرافيا السياسية والعلوم الاجتماعية مازجاً فى علاقة الانسان والطبيعة بين المكان والزمان.
تميز خلال هذه الفترة بكتاباته المتعمقة حول مجريات الأحداث بدءاً من عدم الانحياز والكتلة الشرقية فى ذلك الوقت حزب «وارسو» والناتو حلف شمال الأطلسي.
«اليهود أنثروبولوجيا»
كان كتابه «اليهود انثربولوجيا» الكتاب الذى أصدره عقب النكسة عام 1967 وهو الكتاب الذى أثار حفيظة اليهود، وفند فيه ادعاءات اليهود بالانتماء إلى فلسطين وأتقن فى دراساته مع «أرثر يونيسلر» مؤلف كتاب «القبيلة الثالثة عشرة» الذى صدر عام 1976.
شخصية مصر
أحدث د.جمال حمدان انقلاباً معرفياً وزلزالاً ثقافياً بإصداره مؤلفه القيم «شخصية مصر.. دراسة عبقرية المكان»، الذى تفرغ لإنجازه فى 10 سنوات ليصدر فى ٤ مجلدات، وصدر عام 1984، إضافة إلى إصدار 29 كتاباً و79 بحثاً ومقالة.
علاقة الجغرافيا بالحياة
تعتمد وترتكز فلسفة د.جمال حمدان على أن له رؤية فى الجغرافيا مكانياً وزمانياً، وأن الجغرافيا كعلم وصفى لا تقف عند حدود المواقع والتضاريس، بل انها علم يمزج بين العلوم المختلفة، وأن من يتقنها ويتفهمها يتعرف على كل نمط وكل شيء فى الحياة، والمكان محل الدراسة، وأن الجغرافيا كما يقول فى كتابه «شخصية مصر» أيقونة مؤلفاته وعصير فكره: إن الجغرافيا هى علم بناء الأرض وأن التعرف على قيمة الجغرافيا يقود للتعرف على شخصيات الإقليم أو الشخصية الإقليمية التى تعيش بين علم وفلسفة الجغرافيا التى تربط بين الإنسان والطبيعة فى المكان والزمان.
رؤية للمكان
كانت له نظرة ثاقبة فى التحليلات عن المكان والزمان، ومن هنا كانت نبوءاته بتفكك الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية عام 1968 بعد أحداث تشكيل سلوفاكيا وتحقق ذلك عام 1989 عندما حدث بدء ما يمكن أن نسميه زلزال الانهيار وتباعد دول الكتلة الشرقية عن الاتحاد السوفيتى السابق الذى انفرط عقده نفسه عام 1991.
لكن لفت «جمال» نظر علماء العالم، خاصة اسرائيل بعد صدوره لكتابه «اليهود انثروبولوجيا»، الذى تناول فيه اليهود المعاصرين وحقيقة انهم لا ينتمون إلى فلسطين، وفند هذه المزاعم وانهم ليسوا أحفاد اليهود الذين خرجوا من مصر فى التاريخ السحيق، وأن هؤلاء ينتمون إلى امبراطورية «الخرز التتارية» فى القرن الثامن الميلادي، وكما قلنا فى السطور السابقة أكد دراسته بعد ذلك «ارثربونيسلر» فى كتابه عام 76 «القبيلة الثالثة عشر» لفت إليه علماء الصهيونية إلى أن هناك عالماً مصرياً يغوص عبر الجغرافيا فى فكر الصهيونية ومن هنا تنبهوا إلى أن هذا العالم خطر على اسرائيل، وفى أكثر من دائرة من دوائر الجامعات الاسرائيلية كانوا يشيرون إليه أن العالم الذى ينبش فى القديم وقد عبّر بعض مسئوليهم عن ذلك أكثر من مرة، ومن هنا نصح حمدان أن يصمت قليلاً فى اشارة إلى أن هناك خطرا عليه لأن إسرائيل تعتبر دراساته الخطر الأكبر عليها لأنها تكشف اكاذيبها وحقيقة ادعاءاتها بحقها فى أرض فلسطين.
لغزة الوفاة وسر الجار
عندما مات الدكتور جمال، اكتشف أهله وأسرته بحضور د.صبحى عبدالحكيم أثناء استعراض رؤية الطب الشرعى أنه ضُرب بآلة حادة- ملحق خاص لمجلة «الهلال» العدد 4795- على رأسه من الخلف، يقود ذلك إلى لغز تأجير شقة تعلو شقته لأجنبيين وطلبت أسرته من المستشار هشام سرايا المحامى العام لنيابات أمن الدولة وقتها إعادة فتح التحقيق فى أسباب وفاته، وكما يقول المثل العامى «لا يوجد دخان من غير نار»، ولم يتم فتح باب التحقيق، ولو فتح لأحدث دوياً كبيراً.. صحيح كتب فى تقرير وفاته أن الجانى «مجهول».
كان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذى ارتبط به العبقرى جمال حمدان، الذى كان أيضا على صلة بجمال عبدالناصر وليس جديداً إذا قلت إن مقدمة كتاب هيكل المثير «خريف الغضب» كلها كانت عن جمال حمدان، ويعتبر هيكل أن حمدان عبقرى القرن العشرين والطهطاوى عبقرى القرن الـ 19.
يقفز أمامى هنا من هو المتهم باغتياله، بلا تردد هو الموساد وكل أبناء جيلى يقولون ذلك، ومن واقع مكان السكن أن جارى د.جمال الأجنبيين رجل وامرأة اختفيا فور الوفاة «يوم اغتياله»!
كان هيكل وحمدان وأحمد بهاء الدين يلتقون مرة كل شهر، ولفت د.جمال حمدان الانتباه بحديث أدلى به لإحدى الصحف ذكر فيه إنجازه «كتابة» لـ 3 كتب احداها عن «اليهود والصهيونية»، وعقب الحديث استأجر الضيفان الشقة بجواره ليراقبا تحركاته، فالرجل دائرة علاقاته كانت مميزة بينهم رفعت المحجوب وعبدالحميد حمروش.
بالطبع حادث الوفاة قال إنه توفى يوم السبت 22 ابريل عام 1993 فى شقته بشارع أمين الرافعى المتفرع من حى هارون بالدقي.
يقول الكاتب يوسف القعيد إن حريق الشقة تحوطه علامات استفهام كثيرة ومازالت بلا اجابة حقيقية على من قتل د.جمال حمدان.. ويتذكر العقيد لقاءهما الأول يوم الاثنين نحو السادسة مساء عند كشك مدبولي، وبعد التلاوة جاء إعلان وفاة الرئيس عبدالناصر ووقع البيان علينا كالصاعقة وساعتها تعارفنا.
الرئيس وجمال حمدان
يقول الكاتب الصحفى يوسف القعيد فى مجلد خاص حول الدكتور جمال حمدان إن الرئيس عبدالفتاح السيسى قال فى حديث صحفى لرؤساء تحرير الصحف القومية فهمى عنبة رئيس تحرير «الجمهورية» ومحمد عبدالهادى رئيس تحرير «الأهرام» والراحل ياسر رزق رئيس تحرير «الأخبار» إنه يقرأ الآن كتاب «شخصية مصر» لجمال حمدان بمجلداته، مذكراً أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث عن د.جمال حمدان فى خطابه الذى ألقاه فى افتتاح قناة السويس الجديدة، وسيظل اسم جمال حمدان بموسوعته خالداً فى التاريخ الوطنى المصرى بجوار نجيب محفوظ وأحمد زويل وعلى مصطفى مشرفة وسميرة موسى وغيرهم من رموز مصر الكبار والعظام، وقد كانت إعادة إصدار موسوعته من جديد لكى يعرف أجيال الشباب حاليا طبيعة الشخصية التى كانت وراء تأليف موسوعة «شخصية مصر» بأبعادها المختلفة، خاصة أن الجيل الحالى لم يعاصر المؤلف، وللتذكير بإشراقة شمس جمال حمدان وهذا بلا شك يسهم فى تنمية الفكر والإدراك، وأن الدولة لا تنسى أبناءها المخلصين، ولن ينسى الجيل الحالى أنه فى معرض القاهرة الدولى للكتاب جاء اختيار د.جمال حمدان شخصية العام فى تلك السنة تكريما جديدا للمفكر والعالم والانسان من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى كرمه معنوياً بعد سنوات الغياب، عندما ذكره فى حفل وطنى بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة قبل أكثر من 10 سنوات، مما يعكس التقدير من القيادة لإبراز كل جديد وجميل فى الروح المصرية التى كادت تغيب عن حياتنا فى السنة السوداء التى تولت الجماعة الارهابية مقاليد الحكم، ود.جمال حمدان ليس غريباً عن طين هذا الوطن من ولادته فى قرية «ناي» بالقليوبية، وتخرج موسوعته لتحمل اسمه لكل خبراء العلوم الإنسانية والجغرافيا فى العالم.
قالوا عن جمال حمدان
كامل زهيري:
إنه سلالة نادرة يتميز بالرصانة الفكرية بين المثقفين وله عين بصرية يولى بها مصر إضافة إلى قلم مفكر يكتب عن أحلامه فى شخصية مصر بروعة وبلاغة.
السيد ياسين:
لا يقل تأثيره فى ميدان العلوم الاجتماعية عن تأثير مؤرخ فرنسا الشهير «بروديل» مؤسسة مدرسة الحوسبات، الذى أحدث ثورة فى علم التاريخ، تماماً مثلما د.جمال حمدان أكبر ثورة فى علم الجغرافيا.