واختار ناصر أميرًا للانتقام والدهاء.. حقق الانتصار
ونعود للتاريخ.. لذاكرة الأيام التى تروى قصة شعب.. قصة شعب واجه فى 5 يونيو 1967 أكبر مؤامرة استهدفت تحجيم قدراته وعرقلة مشروعه القومى.. قصة شعب كان يقوده جمال عبدالناصر الفتى الذهبى الذى وقف ضد الاستعمار وأمم القناة واستعاد سيادة مصر على مواردها وأراضيها.. قصة شعب استيقظ ليجد أن زعيمه الخالد.. زعيمه الذى كان رمزًا للثورة.. ورمزًا للقوة.. هذا الزعيم أصابه اليأس.. هذا الزعيم الذى يريد أن يتحمل مسئولية النكسة وأن يتنحى ويتخلى عن المسئولية لقائد آخر.. هذا الزعيم أصابه التعب فقرر أن ينسحب من الميدان.
ولكنه شعب مصر.. ابحث دائمًا عن القوة الكامنة فى أعماق المصريين لتعرف وتدرك سر الخلود.. سر العظمة.. سر الصمود.. فشعب مصر العظيم لم يقبل أن يرى الانكسار فى عيون الرجل.. الذى أحبه.. شعب مصر لم يرض بأن ناصر القوة.. ناصر الأمل.. ناصر مصر ينسحب من الميدان.. شعب مصر عن بكرة أبيه رجالاً ونساء شيوخًا وأطفالاً وشبابًا.. عمالاً وفلاحين.. طلبة ومثقفين شعب مصر بكل طوائفه خرج إلى شوارع مصر.. خرج فى استفتاء جماعى رهيب يجدد الثقة فى ناصر.. ويقول لرئيسه.. لا تذهب.. ابق معنا.. سنحقق معا الانتصار.
> > >
والذين يحاولون تشويه التاريخ يقولون إنها كانت مظاهرات مدبرة وأنها كانت من ترتيب التنظيم السياسى المسيطر والمتمثل فى الاتحاد الاشتراكى وأن هذه الجماهير لم تتحرك وحدها.. كل شىء كما يقولون كان مخططًا ومعدًا سلفًا.
وفى كلامهم هذا افتراء ما بعده افتراء وتشويه للحقيقة ما بعده تشويه.. فالملايين التى خرجت لم يكن هناك من يقدر على تحريكها.. والمشاعر التى كانت ملتهبة كانت صادرة ونابعة من الأعماق.. وعندما خرجنا لم يحركنا أحد.. كنا نرفض الهزيمة.. كنا نرى النصر قادمًا ما دام ناصر موجودًا.. ولو كان ناصر قد طلب منا عبور البحر لعبرناه معه.. كان عبدالناصر هو محور حياتنا.. هو نور طريقنا.. لم يكن ناصر فى حاجة إلى أجهزة تحرك الجماهير.. كانت صورة ناصر وهو يعلن التنحى كفيلة بأن تحرك الحجر.. كنا مع ناصر على ثقة من أنه وحده القادر على النصر.. وكنا ندرك أننا مع ناصر نملك كل شىء.. وبدون ناصر سنفقد كل شىء.. هذا الزعيم الخالد استولى على كل جوارحنا فمنحاه كل الثقة وكل الحب وكنا نفخر بأننا من بلد ناصر.. ويكفينا وجود ناصر لكى نتمكن من استعادة الأرض ومن النصر.
وصحيح أن منظمات الشباب والاتحاد الاشتراكى كانوا فى المظاهرات مع الجماهير ولكن الجماهير هى التى حركت الجميع بتلقائية وبرسالة مؤداها شعب مصر لا يقبل الهزيمة.
> > >
والشعب هو البطل.. الشعب بعد نكسة يونيو 1967 الذى تحمل كل شىء كان شعارنا.. لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. وكان مشروعنا القومى هو إزالة آثار العدوان.. وتحمل شعب مصر.. تحمل التقشف.. والحد الأدنى من المتطلبات الحياتية.. وتحمل تأجيل كل مشروعات الخدمات وتحسين المرافق تحمل كل شىء فى سبيل أن تعود الكرامة والكبرياء الوطنى وأن يمحو عار الهزيمة وأن تعود الأرض.. تحمل أن يبقى خيرة شبابه فى الخنادق سنوات وسنوات فى انتظار قرار المعركة.. ورفض أن يتقبل العزاء فى شهداء يونيو إلى أن يأخذ بالثأر ويقتص من القاتل.
وإذا كان عبدالناصر لم يكتب له أن يشهد الانتصار وإذا كان ناصر لم يعبر مع جنوده القناة إلى سيناء ليرفع علم مصر فإن ناصر مصر قضى أعظم ثلاث سنوات له فى الحكم وهو يحقق المعجزة.. معجزة بكل المقاييس لإعادة بناء جيش حديث على أسس عصرية.. معجزة لإعادة الثقة إلى المقاتل المصرى بأن فى مقدوره الانتصار.. معجزة فى إقناع العالم بأن مصر لم تمت.. وأن النصر آت لا ريب فيه.
وكأن ناصر كان يرى ما لم نره.. كأن ناصر كان يدرك أن هناك هبة إلهية ستقود شعبه إلى الانتصار.. كأن ناصر كان يقرأ الغيب عندما اختار محمد أنور السادات لكى يكون نائبًا له فى رئاسة مصر فأصبح النائب رئيسًا بعد وفاة ناصر وكان وجوده على رأس السلطة أكبر خديعة إستراتيجية للعدو الذى اعتقد أن سادات مصر لن يكون قادرًا على الحرب فإذا به يواجه أميرًا للدهاء وأميرًا للمهارة وأميرًا للإنتقام.. وانتقم السادات لناصر.. انتقم لشهداء مصر.. انتقم لكبرياء شعب مصر.. وأعاد الأرض والكرامة.. وحقق ما كان يتمناه ناصر.. وما طالبت به الجماهير التى خرجت فى 9 و 10 يونيو ترفض تنحى ناصر.. وتطالبه بالثأر.
> > >
وعندما نستعيد ذكريات هذه الأيام التى تروى ملحمة من الحب بين ناصر وشعبه أستعيد معكم كلمات أغنية رددتها الملايين بعنوان يا جمال يا حبيب الملايين.. أغنية كتبها شاعر من وحى جنازة عبدالناصر.. شاعر اسمه عبدالرحمن عرنوس وانتشرت كلماتها كالنار فى الهشيم فى كل مكان.. أغنية تقول.. الوداع يا جمال يا حبيب الملايين ثورتك ثورة كفاح عشتها طول السنين، أنت عايش فى قلوبنا يا جمال الملايين، الوداع يا فقير يا ابن الفقير أنت نوارة بلدنا واحنا شفنا الحنين.. يا جمال أنت قلة ميه صافية تسقى كل العطشانين.. يا جمال أنت قنديل الغلابة تهدى كل المحرومين.. يا جمال أنت ريحة ذكية فى قلوب الفلاحين.. يا جمال أنت جمعت بعزيمتك.. النفوس الغضبانين.. يا جمال سنكافح سنكافح رغم كل الحاقدين.. يا جمال سنقاتل سنقاتل.. الوداع يا حبيب الملايين.
> > >
وحين نكتب ما نكتبه اليوم من ذاكرة التاريخ فإننا نتحدث عن شعب هو نفس الشعب.. عن أرض هى نفس الأرض.. وعن قيادة وطنية استمعت لنداء الشعب.. الأرض أرضنا عن أبونا وجدنا.. ولا تفريط فى الأرض التى ارتوت بدماء الشهداء.. لا مساس بالأرض التى مات فى سبيلها ناصر ومعه آلاف من الشهداء ولا قبول بكل محاولات الإلتفاف على الانتصار الذى حققه السادات.. وشعب مصر دائمًا وأبدًا هو البطل.
> > >
وأخيرًا:
اللهم اجعلنى فى المكان الذى تعلم أنه مكانى.
لا برغباتى، ولا أحلامى، ولا سعى خطواتى، ولا اجتهادى ولكن بحس تدبيرك وقضائك واختيارك لى.