الاحتفالات مطلوبة.. لكن اجتماع أهل الخبرة والتجارب الرائدة على مائدة الحوار يفيد المهنة وأهلها حباً فى مصر رائدة الفن والإعلام فى العالمين العربى والافريقى والآسيوى أيضاً وكيف لا وهى صاحبة الحضارة العريقة ومصدر الإلهام بهذا المفهوم رحب مجموعة من رموز الدراما بالتواجد حول مائدة اجتماع لمناقشة أحوالنا الدرامية ووضع تصورات لدراما الجمهورية الجديدة تأخذ بيد الوطن والمواطن إلى حين حلمنا الكبير بأن تكون «أم الدنيا قد الدنيا» ولك أن تتصور ماذا يعنى اجتماع الأكابر: محمد صبحي، محمد فاضل، عمر عبدالعزيز، أحمد ماهر، نهال عنبر، حسين نوح، أحمد عوض.. كل فى تخصصه.. وكان الاتفاق بين الجميع تحت مظلة مركز آتون الثقافى الذى يديره زميلنا الكاتب الصحفى فتحى محمود.. وكان حضور الكاتبة والاعلامية الدكتورة هبة عبدالعزيز اضافة مهمة لهذا الحشد الذى التقى لكى يتم تبادل الأفكار فى أجواء من الحب والحفاوة حيث جرى تكريم هؤلاء على ما قدموه لمصر.. وقد اضيف إليهم اسم الكاتب المبدع الراحل عاطف بشاي.
البدايات موجودة والحضور قائم.. لكن المرحلة التى يعيشها العالم وما يدور فيه من أحداث ليست بعيدة عن بلادنا ويكفى أن ننظر إلى غزة وإلى سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان.. لكى نقدر ونفخر بأن قوة شعبنا العظيم فى جيشه الأعظم وهو ما يعرفه جيدا العدو قبل الصديق.. ولأن الدراما هى ديوان العرب والمسلسل المصرى سواء الإذاعى ثم التليفزيونى بعد انطلاق الارسال فى يوليو 1960 كان رائدا وطرق أبواب العواصم العربية بقوة إلى جانب ما قدمته السينما حتى أصبحت صورة مصر وحياة أهلها وشوارعها وفنونها وآدابها موجودة فى كل بيت عربى من المحيط إلى الخليج وتكلم الأستاذ محمد فاضل وكيف كان يتقاضى أربعة جنيهات عن الحلقة الواحدة من مسلسله التليفزيوني»القاهرة والناس» بحلقاته الممتدة التى وصلت إلى 84 فى أوائل الارسال وصعوبات المونتاج والالتزام بالتصوير الداخلى والديكورات على حساب التصوير الخارجى ولهذا تم تقديم بعض المسلسلات بكاميرا السينما.. هذا العمل الذى سبق المسلسلات الأمريكية من حيث عدد الحلقات وأسلوبه الذى جمع بين أحداث وأخبار المجتمع وانعكاسها على بيت مصرى بسيط وكان سببا فى نجومية أشرف عبدالغفور ونور الشريف.. وتناوب كتابته مصطفى كامل وعاصم توفيق وهما من أوائل أجيال التأليف الدرامى للتليفزيون مع كرم النجار وفيصل ندا وأمينة الصاوى وعبدالفتاح مصطفى وجلال الغزالى وفتحية العسال ووفية خيري.
محمد صبحى الفنان الملتزم أكد ان الاهتمام بدراما التاريخ والسير الذاتية لعظماء مصر فى مختلف المجالات لم يعد ترفا بل ضرورة لرسم النماذج المشرفة أمام الشباب وانعاش ذاكرة الأمة بأمجادها.. وأكد صبحى أن بلادنا فيها مواهب فذة فى التأليف والإخراج والتمثيل يجب استثمارها والعملية الفنية عندما تبدأ من النص وهو أساس المشروع.. تستقيم الأمور بعد ذلك بوجود المخرج الفاهم واختياره لطاقم العمل المناسب الذى يوفر ربع الميزانية فى أمور كثيرة يمكن الاستغناء عنها..
وضرب محمد فاضل مثالا لذلك عندما كان فى لندن ووجد ان وجبة الغداء لجميع العاملين فى المسلسل واحدة ومن أراد أن يختار غيرها عليه أن يدفع ثمنها من جيبه.. وعندما يجتمع فريق العمل على مائدة واحدة ينعكس البعد الإنسانى على المشروع الفنى كله.. وكان هذا ما تحققه بروفات الطاولة قبل الشروع فى تصوير المسلسل للتعارف والتفاهم والمناقشة التى تفيد التفاصيل الدقيقة لكل مشهد وهو ما جعل الأعمال القديمة تعيش إلى وقتنا الحالى رغم الفارق الهائل بين إمكانات الماضى المحدودة والتطور التكنولوجى المرعب فى أساليب الشغل هذه الأيام.
وفى ظل وجود المنصات كنافذة مهمة لعرض الأعمال الفنية واحتياجها لكل جديد باستمرار وجب البحث عن قصص وروايات أدبية تغذى الدراما وهى أيضاً موجودة بوفرة فى كتاب من أجيال عديدة.. وهذا ما أشار إليه أحمد ماهر الذى يرى دائما ان الغد سيأتى حتما وفيه نرى أجمل الأعمال التى لم نشاهدها من قبل.. خاصة إذا ارتبطت الدراما بطموحات وظروف الوطن والمواطن بحيث يضع الخبراء رءوس موضوعات يتم تقديمها إلى كتاب السيناريو لتحويلها إلى مسلسلات وأفلام.. وليست هذه بدعة وأمريكا وهى صاحبة أكبر نشاط فى العالم تفعل ذلك من خلال الاستوديوهات الكبرى الموجودة هناك.
أين المهرجانات؟
تتذكر نهال عنبر كيف كان مهرجان الإذاعة والتليفزيون حدثاً فنياً على مستوى العالم العربى بحضور النجوم والتنافس بين الأعمال فى كافة المحاور وهو ما يشجع المبدع أن يقدم أفضل ما عنده.
قال حسين نوح كمنتج وكاتب ان الإعلان مصدر مهم للدخل لكن تنظيمه قبل العمل وألا يتجاوز زمنه مدة معينة يخدم الفن ويحقق الإيراد الأفضل وهذا ما دعا الكاتب أحمد عوض إلى عودة قطاع الانتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامى إلى الميدان مرة أخري.. إلى جانب الشركات الخاصة أو بالتعاون معها وتذكر أيام إنتاج سنبل ورحلة المليون وكان أجره وقتها لا يتجاوز 140 جنيها فى الحلقة ومدتها 45 دقيقة.. وكيف جمع العمل بين الضحك والترفيه والمعنى العظيم للطموح والكفاح بدليل ان الجمهور من الشباب يشاهده حتى وقتنا هذا أما المخرج عمر عبدالعزيز رئيس اتحاد النقابات الفنية فقال ان السعى للإنتاج المشترك مع الدول العربية قد يكون وسيلة مهمة لضخ موارد جديدة والذهاب إلى أماكن مدهشة وتقديم شخصيات ونماذج تثير شغف المتفرج والفن يسبق السياسة دائما وفى كل رحلة نلتقى فيها مع النقابات العربية يطالبون بذلك والإرادة موجودة والحماس أيضاً وهذا ما نأمله قريبا وكانت آخر زيارة قام بها عبدالعزيز إلى كردستان العراق ولفتت الدكتورة هبة عبدالعزيز الأنظار إلى ضرورة اكتمال السيناريو قبل التصوير وإتاحة فرصة أكبر للمبدع الخلاق كما كان يكتب أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبدالرحمن ويسرى الجندى ومحسن زايد وبشير الديك ومحمد جلال عبدالقوى أطال الله فى عمره ونحن ننتظر منه الكثير بكل الشوق والترحاب.. وإذا كانت القراءة قد تراجعت فإن الصورة الموجودة فى الدراما والمحتوى الموجود على مواقع التواصل قد بلغ ذروة الانتشار والتأثير.