يكاد لا يمر يوم واحد الا ونحن نسمع أو نقرأ عن خبر القبض على عصابة تقوم بالاتجار فى المخدرات فى صعيد البلاد أو إحباط عملية تهريب مخدرات على حدود البلاد ولم تعد وزارة الداخلية بمفردها هى التى تقوم بتلك المواجهات بل إن قوات حرس الحدود أيضاً أصبحت توجه العديد من الضربات القوية لمهربى المخدرات براً وبحراً.
إن المتابع لخريطة انتشار المخدرات خلال الأعوام الأخيرة يلاحظ أن ثمة تطوراً قد طرأ على مجال المكافحة خاصة وانه طوال تلك الفترة تعاقب على سوق المخدرات العديد من الأنواع سواء المزروعة أو المستحدثة والمصنعة حيث بدأت بزراعة الأفيون وبعد انحسار انتشاره بفضل جهود رجال المكافحة اتجه البعض الى تجارة الحشيش ومن بعده الهيروين والكوكايين الى أن ظهرت المخدرات التخليقية مثل الأستروكس والشابو والآيس والفودو وغيرها وللأسف الشديد فان الفئة المستهدفة دائماً لتلك الأنواع هى الشباب بل وأحياناً الصبية الذين لم تتجاوز أعمارهم 12 عاماً ولعل من أسباب انتشار تلك المخدرات التخليقية أن سعرها أقل من الأنواع الأخرى بالاضافة الى سهولة تصنيعها باستخدام مواد سامة تعرض الشباب لمخاطر كبيرة وتسبب الادمان بشدة كما تسبب الاصابة بالهلوسة وتليف فى خلايا المخ وهانحن نرى على صفحات التواصل الاجتماعى فى هذه الأيام العديد من الشباب وهم يترنحون فى الطرقات والشوارع دون أى تركيز أو وعى بالشكل الذى يجعلهم يلجئون الى استخدام السلاح الأبيض والاعتداء على المارة فى الشوارع التى يتواجد بها هؤلاء المدمنون.
ان الاحصائيات اليومية للمخدرات التى يتم ضبطها بأشكالها المختلفة يشير إلى أن بلادنا أصبحت مستهدفة أكثر من أى وقت آخر وهو الأمر الذى يستلزم منا جميعاً أن نتكاتف لمواجهة تلك الجرائم بكافة أشكالها وأنواعها.
ظهرت مؤخراً أشكال جديدة من حالات الادمان التى تؤثر على خلايا المخ دون أن يكون ذلك بسبب تعاطى المخدرات وهى ما أطلق عليها «المخدرات الرقمية» وهى عبارة عن مقاطع صوتية بترددات معينة تؤثر على العقل بنفس الطريقة التى تسببها المخدرات العادية أو المخلقة .. وتأتى خطورة هذه النوعية انه يتم سماعها باستخدام سماعات الرأس حيث ترسل ترددات مختلفة إلى كل أذن على حدة حيث يترتب على الفرق بين الترددين حدوث تغيير فى نشاط الدماغ ما يسبب الشعور بالنشوة أو الاسترخاء أو حتى الهلوسة وهى حالات مشابهة لتأثير المخدرات التقليدية.. وتتمثل خطورة هذه النوعية أنها سريعة الانتشار بين الشباب والمراهقين وذلك لسهولة الوصول اليها عبر الانترنت بدون أى تكلفة مالية وتسبب بالفعل حالة من الادمان من كثرة اللجوء والاستماع اليها بشكل مفرط بحثاً عن الهروب من الواقع كما تعتبر وسيلة آمنة للادمان دون أن يتعرض مستخدموها لأى ملاحقات أمنية.. وهنا يأتى دور الأسرة تحديداً فى متابعة ما يستمع اليه الأطفال والمراهقون من موسيقى تذهب بعقولهم وشعورهم مع تعزيز الأنشطة البديلة مثل الانخراط فى أنشطة رياضية أو فنية تشبع احتياجاتهم النفسية بطرق ايجابية.
هكذا نرى تلك الجهود المضنية التى تبذلها الدولة والتى يجب أن تتعاون معها العائلات والأسر المصرية فى مواجهة واحدة من أشرس الحروب التى تكافحها الدولة والتى تستهدف تدمير شبابنا بالعديد من الطرق والاغراءات المختلفة والهدف منها واضح وهو تفريغ الدولة من سواعدها وعقولها سعياً لهدمها.. ومن هنا فلم تعد أجهزة المكافحة وجهودها قاصرة على مواجهة تجار الموت فقط بل انها قامت مؤخراً بمهام أخرى جليلة تأتى فى ذات السياق.. حيث تولت وزارة الداخلية حملات توعية شاملة ضد مخاطر تعاطى المخدرات شملت طلبة المدارس والجامعات فى جميع محافظات الجمهورية وقامت خلالها بعرض أفلام تسجيلية ولقاءات مسجلة مع ضحايا الادمان لتكون وسائل ارشاد للطلبة والطالبات.. كما شارك صندوق مكافحة وعلاج الادمان بأنشطة فى ذات الاتجاه ضمن قوافل السعادة لمؤسسة حياة كريمة والتى شملت أيضاً توعية الأطفال بمخاطر وأضرار التدخين وتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الشباب عن التعاطى وكون المخدرات احدى وسائل تغييب العقول ولا تساعد اطلاقاً على تنشيط الذاكرة أو شحذ الهمم.. هذا بالاضافة إلى تعظيم التشريعات الخاصة بجرائم تهريب المخدرات حيث يفرض القانون المصرى عقوبات تصل إلى حد الاعدام أو السجن المؤبد بعدما أصبحت المخدرات خاصة مخدر الشابو يمثل تهديداً حقيقياً على الأمن العام وصحة المجتمع نظراً للتوسع فى تصنيعه محلياً وتوافره بأسعار منخفضة تجعله فى متناول فئات واسعة من المجتمع.
ان تلك المواجهة تتطلب بجانب ما أشرنا اليه ضرورة تضافر جميع أجهزة الدولة خلال المرحلة الحالية وتأتى على رأسها المؤسسة الدينية على اعتبار أن الوازع الدينى والضمير الأخلاقى هما قاعدة بناء السلوك الإنسانى لدى الطفل منذ نعومة أظافره وحتى ادراكه بخطورة الادمان وهنا يأتى دور المسجد والكنيسة والمدرسة وقبلهم جميعاً الأسرة ومراقبة الأصدقاء وسلوك الأبناء فبدون رقابة الأسرة لن تحقق أجهزة الدولة مجتمعة النجاح المنشود.. إنها دعوة للصحوة أوجهها لكل مسئول عن الحفاظ على أبناء الوطن فى مواجهة تجارة الموت.
ألا هل قد بلغت.. اللهم فأشهد.