دوت بقوة صرخات متتالية، شقت قلب الليل، تطلب العون والنجدة.. أقبل أهل القرية من كل حدب وصوب، تجاه مصدر الصوت، عند الشارع القديم.
اتخذ كل فرد موقعه المناسب فى ميدان المعركة، الذى يمتد بين الترعة والمنزل الذى شب فيه الحريق، وسط الشارع القديم الذى ويختلف عن معظم شوارع القرية ذات الشكل المستقيم.
مضى الوقت بطيئاً ثقيلاً والنار تتقدم وترتفع إلى عنان السماء، وتهدد جميع المنازل بالدمار والفناء.
الماء موجود بالترعة، وأهل كفر العمال جميعاً فى أرض المعركة، كل شخص فى مكانه المناسب الذى شغله عن جدارة، واستحقاق من خلال التجارب والخبرات السابقة، والجرار والأوانى ملئت، ومختار «البطل» وزوجته «هنية» وصلا بعد الصرخة الأولى بثوان معدودة.
فما اسباب الهزيمة الساحقة أمام النار فى هذه الليلة المظلمة؟.
اشتهرت القرية منذ سنوات طويلة بين القرى المجاورة بمهارة أبنائها فى إطفاء الحرائق وفى أحوال كثيرة هبوا لنجدة هذه القرى وشاركوا فى إطفاء الحرائق الكبيرة التى شبت هناك، ومن دواعى فخرهم أن سيارات الإطفاء لم تدخل قريتهم فى يوم من الأيام.. وسماها أهل القرية (كفر الأبطال).
يعيش (البطل) فى حالة استعداد تام لمواجهة مثل هذه الظروف الطارئة، وكذلك زوجته، يصل إلى موقع الحريق على الصرخة الأولي، يدخل البيت، ويطلق سراح الحيوانات والطيور، وأولها الحمام حتى لا تصل إليه النيران، فيطير محترقا إلى منازل القرية، فتشتعل بأكملها.
تصل هنية فى أعقابه، تحمل وعاءً كبيراً تصبه على النار فتسدد لها ضربة قوية توقف زحفها حتى يصل الجميع.
ماذا جرى هذه المرة؟ ولماذا انهزم (كفر الأبطال) أمام زحف النيران؟.
انتقلت النار إلى المنزل المجاور، واشتدت المعركة بين الطرفين.
يهبط عدد من فتيان القرية إلى الترعة فى مثل هذه الظروف يصنعون حبلاً بشرياً يصعد إلى أعلي، ويرفع الماء إلى الطريق ويحمله الشباب والشابات إلى موقع الحريق، فيتناولها منهم الكبار وأهل الخبرة، ممن يعتلون الأسطح ويشغلون الأماكن المناسبة لإحكام الحصار على النار.
ضاع معظم الماء قبل أن يصل، وارتد عبر الشارع إلى الترعة مرة اخري، بسبب التصادمات العديدة التى وقعت بين الذاهبين والعائدين فى الظلام الحالك.
انزلقت الأقدام وسقطت الجرار، وتحطم بعضها ، ولم يكن الأمر يحتمل مزيداً من الانتظار.
ترك الفتى الصغير موقعه فى نهاية الحبل البشرى وجرى عائداً إلى منزله، ينفذ فكرة لاحت إلى عقله وألحت عليه.
أحضر المصباح الذى كان يطالع عليه دروسه، وعاد إلى أرض المعركة، اتجه إلى موقع اختاره بعناية، فى زاوية الشارع القديم المعوج، ورفعه إلى أعلى بكلتا يديه ليضيء، بنوره القوى أرجاء المكان بين الترعة وموقع الحريق.
انتهت حوادث التصادم وانتظم العمل واتجه الذاهبون بالماء ناحية اليمين، والعائدون بالأوانى الفارغة إلى الشمال، وفى دقائق معدودة بدأت النتائج الإيجابية فى الظهور وبعد دقائق اخرى تحقق النصر الكامل على النيران..
انصرف أهل القرية إلى منازلهم عند منتصف الليل، واستمر أهل الخبرة مع الجيران، يفتشون عن بقايا النيران أسفل بقايا القش والحطب، وجلسوا يتحدثون فى أمور شتي، وهم يأكلون البصل، بعد أن احسنت النار شواءه.