أيام قليلة وتهل علينا ذكرى مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام.. ودائماً ما يقفز إلى ذهنى شخصية رسول الحق صلى الله عليه وسلم.. واسرح طويلاً.. كيف نشأ محمد عليه الصلاة والسلام.. فهو لم يجلس إلى معلم ليعلمه.. ولم يعرف عن حضارة الدنيا شيئاً.. ولم يقرأ حرفاً فى حياته.. وتميز بين جميع أهل بلده بأنه صاحب الخلق العظيم.. وعندما نزل جبريل عليه السلام بأول آية من القرآن وقال له: اقرأ.. رد رسول الله صلى الله عليه وسلم بفطرته ما أنا بقارئ.. أى لا أعرف القراءة ولا الكتابة.. وقال له: اقرأ للمرة الثانية.. ورد رسولنا صلى الله عليه وسلم قائلاً: ما أنا بقارئ.. ويتكرر نفس هذا المشهد ثلاث مرات.. لقد اختاره ربه أمياً لا يقرأ ولا يكتب.. حتى لا يقال إنه اخذ عن حضارات الأمم السابقة.. أو أنه تعلم على يد معلم علمه.. أو أنه قرأ فى كتب الأولين.. الأكثر من ذلك.. ما قالته زوجته السيدة خديجة له.. ووالله لا يخزيك الله ابداً.. إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتكرم الضيف وتعين على الحق.. أنظر أول ما وصفته به زوجته هو صلة الرحم.. وأن الله لن يخزيه لأنه يصل رحمه.. وهو ما يعنى قدر وقيمة صلة الرحم.. التى نحتاجها بشدة هذه الأيام!! ويصف لنا د. محمد حسين هيكل.. فى كتابه البديع «حياة محمد».. وقد يكون هذا الكتاب هو الوحيد فى التاريخ.. الذى تم طباعة 22 نسخة منه.. وقد استعان د. هيكل بعدد 31 مرجعاً عربياً و13 مرجعاًَ أجنبياً.. و«حياة محمد» يعتبر من أعظم وأفضل وأدق ما كتب عن سيرة رسول الحق صلى الله عليه وسلم.. يصف الكفار وهم جالسون فى دار الندوة أو حول الكعبة.. يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكيف يحقر من آلهتهم ويسخر مما يعبدون وما كان يعبد آباؤهم.. ونال من هبل ومن اللات والعزى ومن جميع الأصنام.. وهنا قالوا: أولو اتيح لهذا الرجل أن يؤلب عليهم أهل مكة ويصرفهم عن عبادتهم.. فماذا تؤول إليه تجارة مكة؟ وماذا يكون مقامها الديني؟ لم يكن عمه أبوطالب دخل فى دين الله.. لكنه ظل حامياً لابن أخيه.. معلناً استعداده للدفاع عنه.. لذلك ذهب إليه أشراف قريش يتقدمهم أبوسفيان بن حرب.. قالوا: يا أبا طالب إن ابن اخيك قد سب آلهتنا.. وعاب ديننا وسفه أحلامنا.. فإما أن تمنعه من ذلك وإما تخلى بيننا وبينه.. فإنك على نفس ما نحن عليه.. وردهم أبوطالب بطريقة ذكية.. ومضى محمد يشتد فى دعوته.. وعادت قريش إلى أبى طالب مرة ثانية ومعهم غارة بن الوليد بن المغيرة.. وكان أقوى وأشد وأجمل شاب فى قريش.. وقالوا له خذه ولداً لك وسلمنا محمداً بدلاً منه لكنه رفض.. ويمضى رسول الحق فى دعوته.. ويذهب كبار وأشراف قريش إلى أبى طالب للمرة الثالثة.. قائلين له: يا أبا طالب إن لك شرفاً ومنزلة فينا وقد طلبنا منك أن تنهى ابن أخيك.. فلم تنهه عنا.. وإنا والله لا ليلة على هذا.. شتم أبناءنا وسفه أحلامنا.. وأهان آلهتنا.. فإما تكفه عنا أو نقاتله هو وأتباعه.. حتى يهلك احد الفريقين.. ويبعث أبوطالب إلى محمد صلى الله عليه وسلم.. ويقص عليه رسالة قريش.. قائلا له: ابق على وعلى نفسك ولا تحملنى من الأمر ما لا اطيق.. وهنا يقف التاريخ.. إنها لحظة فاصلة بين الحق والضلال.. فهذا عمه وكأنه ضعف عن نصرته.. فهو خاذله.. وهؤلاء المسلمون لايزالون ضعافاً.. لا يقوون على حرب.. ولا مقاومة قريش القوية.. وفى ثوان ودون تردد.. يلتفت رسول الحق صلى الله عليه وسلم إلى عمه.. ممتلئ النفس بقوة الإرادة وصدق اليقين.. قائلا له: يا عم والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يساري.. على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك فيه ما تركته.. يهتز العم عندما سمع جواب محمد.. ويقف مبهوتاً أمام هذه القوة وهذه الإرادة السامية التى تسمو فوق الحياة وما فى الحياة.. ويهتز العم مرة ثانية متحيرا بين غضب قومه وموقف ابن أخيه.. قائلا: اذهب يا ابن أخي.. فقل ما أحببت.. فوالله لا أسلمك لشئ تكرهه أبداً.. ويزداد أهل قريش فى تعذيب وقتل والتمثيل بالمسلمين.. وينتصر رسول الحق.. وتشرق الدنيا بنور وجه سيدنا محمد.. تعالوا نتوقف أمام ما قاله العديد من المؤرخين والمفكرين والكتاب الأجانب.. فى كتبهم وأبحاثهم.. نشرت مجلة التايم فى عددها 15 يونيو 1974.. مختارات من آراء المؤرخين والكتاب والعسكريين عمن هم أعظم رجال التاريخ.. فقال البعض هتلر وقال آخر غاندي.. ولينين.. وقال جولى ماسمان أمام علماء النفس فى أمريكا.. عند اختيار أعظم الزعماء فى العالم يجب أن نبحث عما قدمه لشعبه.. هل حقق الرفاهية لشعبه – أو الأمان والسعادة – أو مجموعة من العقائد.. يقول جورج برنارد شو الكاتب والمفكر الإنجليزى الحاصل على نوبل 1925.. محمد هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى بلغ أعلى درجات النجاح على المستويين الدينى والدنيوي.. ومن حقه أن يعتبر أعظم الشخصيات البارزة أثراً فى تاريخ الإنسانية.. يجب أن يسمى محمد منقذ البشرية.. ولو أنه تولى الحكم المطلق للعالم المعاصر.. لنجح فى حل مشاكله.. إنه محمد أفضل من أنجبت البشرية.. فى يوم مولده صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين.