تمر هذه الايام الذكرى الرابعة والخمسين لوفاة جمال عبدالناصر الذى غادرنا فى يوم 28 سبتمبر 1970 وكان يوما تاريخيا مزلزلا بكل ما تعنيه الكلمة ودلالاتها التاريخية من معانٍ.. الا أن المعنى الاهم فى هذه الذكرى هو هذا الحقد الدفين الذى يكنه (الاخوان) بكل جماعاتهم الداعيشية من أفرع وتنظيمات.. فهذة الجماعات التى لم تطلق رصاصة واحدة تجاه أعداء الوطن بل دائما كانوا عملاء لهم وفى حرب العدوان الاسرائيلية الاخيرة على غزة ما يقدم كدليل حى وبه من الاسرار ما يغنى خاصة أنهم كانوا ولا يزالون عملاء بالسر لهذا العدو الصهيوني.. والا: أين رصاصاتهم فى ظل هذا العدوان المستمر طيلة عام كامل؟ لقد تشدقوا علينا بحب فلسطين وهى بريئة تماما من هذا الحب.. إنه ولا شك حب لاسرائيل وأمريكا سرا وعلنا؟
> على أية حال وفى ذكرى وفاة عبدالناصر نتذكر تلك الكراهية التى يكنونها له وسببها الرئيس هو أن الرجل يحب فلسطين بصدق ويدافع عنها ولذلك الاخوان يكرهون الرجل لانه كشفهم وكشف اسلامهم المزيف الذى يأخذ من التدين ومن فلسطين (شماعة دائمة لتبرير سلوكيتها النازعة للملك والسلطة) ليس الا.. هم دعاة وطلاب سلطة وليس طلاب تحرير وثورة ولذلك هم يكرهون عبدالناصر: حيا وميتا لانه يكشفهم جيدا.
> وبعودة الى الرجل ذاته نجده يلتزم بالاسلام سلوكا ومنهاجا وعقيدة ولا يحتاج إلى شهادة الاخوان الارهابين فى ذلك.. يحدثنا التاريخ أنه بعد نجاح الثورة عام 1952 استمر الصراع على السلطة، ومن حولها حتى عام 1954، ومنذ هذا التاريخ وحتى عام1970، كان عبد الناصر الرجل الأول فى النظام وعليه أثير ولا يزال الجدل، حول موقع الدين وقضاياه المختلفة من الإدراك الناصرى وأيضاً موقع الإسلام تحديداً منه، وفى هذا السياق سبق أن استخدم كاتب هذا المقال عدة مناهج لدراسة موقع الدين فى مدركات عبد الناصر، بما فيها التحليل الرقمى والكيفى ودراسة الحالة والمنهج التاريخى لجميع وثائق وخطب وسياسات عبد الناصر وذلك أثناء رسالتيه للماجستير (1983) وجزء من الدكتوراه (1988) فى فلسفة العلوم السياسية، وفى كتب أخرى له. وهو ما يجعلنا اليوم وبدقة نؤكد على الحقائق والابعاد التالية:
أولا: إن الدين فى إدراك عبد الناصر كان جزءا من عملية التنمية الشاملة والتغير الاجتماعى فهو يساهم-من وجهة نظر ناصر فى عملية التحول تجاهها، ويخضع لنفس الشروط ولذات التحديات وخاصة فى المجتمعات ذات الثقافة التقليدية والتى يلعب الدين ورجاله فيها دوراً مؤثراً، مثل المجتمع المصري، حيث « شريعة الله هى شريعة العدل وهى شريعة المساواة، أما شريعة الرجعية فهى شريعة ضد الإسلام وضد الدين مهما تمسحت به « خطاب لجمال عبد الناصر بتاريخ 22/3/1966.
وحيث يرتبط الدين لدى عبد الناصربتحرير فلسطين وبالعدالة « فالذى يريد أن يطبق الدين لا يقسم الشعب إلى أسياد وشعب من العبيد.. ده.. ده هو الكفر « كما يقول فى خطابه فى 1/5/1966 (وهو غير موجود عند الاخوان والدواعش الخارجين من هذه الجماعة الارهابية !).
أما البعد الثانى من أبعاد موقع الدين فى إدراك عبد الناصر، فهو أنه كان يرى أن للدين الإسلامى دوراً مؤثراً فى توحيد وتضامن العالم الإسلامى تجاه أهداف اجتماعية وسياسية وهنا ينبغى التأكيد على نقطتين هامتين :
الأولي: الدين عند عبد الناصر لم يكن هو الإسلام وحسب، ولكنه مثل لديه كل التراث من قيم وتقاليد وتاريخ ديني، عاشته مصر والمنطقة العربية، يعنى هذا إدخال المسيحية، وبعض العادات الدينية والفرعونية وغير الفرعونية، والتى لايزال المواطن العربى والمصرى يمارس بعض طقوسها حتى اليوم. الإسلام أكثر تحديداً وأقل شمولاً من الدين عند عبد الناصر، ومن هنا كان استخدام كلمة الدين فى وثائق عبد الناصر وتحديداً للعينة المختارة (فى رسالتنا للماجستير) أكثر من استخدام كلمة إسلام حيث كانت أكثر دلالة وتعبيراً عما يريده.
أما الثانية : فهى أن الدين ككلمة أو كفكرة، استخدمت عند عبد الناصر فى المجال الداخلى المصرى أو الإقليمى العربي، ولم تتعد كثيراً عنده إلى حيث الإطار الدولى أو اطار العالم الثالث، لماذا لان الاستناد الى الدين كعقيدة ورؤى استخدم فى مواجهة الرجعية العربية- وأعداء الاشتراكية والتنمية أيضاً أعداء الجمود الفكرى 1955.
أما البعد الثالث لموقع الدين فى فكر عبد الناصر، فهو رفض الرؤية المتزمتة والتفسيرات الجامدة للدين وللإسلام، ويفرق عبد الناصر هنا بين الإسلام كعقيدة ثابتة ومقدسة وبين الفكر الدينى المتجدد والمتغير ويرفض عبد الناصر هنا أيضاً احتكار بعض القوى الدينية (وكان يقصد الاخوان والدواعش القدامي) لحق تفسير الدين وخاصة إذا تعارض هذا التفسير وعملية التحول الاجتماعى التى يقودها، عندئذ يصير الدين جزءاً من عملية التعبئة السياسية فى مواجهة الفكر الرجعي، وفى مواجهة الأعداء التقليديين له، الرجعية العربية والاستعمار وإسرائيل، ولعل فى نموذج اعتلائه لمنبر الأزهر إبان العدوان الثلاثى عام 1956 وغيره من عشرات المواقف (التى يتعمد الاخوان تجاهلها تماما!)، ما يؤكد عليه.
أما البعد الرابع والأخير من محددات موقع الدين فى فكر عبد الناصر، نجده يصلح كأداة وكمنطلق وكأحد العناصر لأيديولوجية سياسية هى القومية العربية. من هذه الأبعاد الاساسية لموقع الدين فى فكر عبدالناصر تشكل إسلامه الصحيح ونجزم أنه فى إسلامه هذا كان أكثر إيمانا من ناقديه القدامى والمعاصرين خاصة جماعة الاخوان الارهابية والتنظيمات الداعشية الخارجة منها والذين رغم صخبهم الشديد فى (الربيع العربي) الا أنهم تجاه فلسطين وما يجرى من حرب عدوانية على غزة. صمتوا صمت القبور وسيصمتون لان من يحركهم فى الغرب وفى (تل أبيب) طلب منهم ذلك ! رحم الله الزعيم الخالد.