من اكثر ما لفت الأنظار فى دراما رمضان هذا العام هو شخصية (عبيد) فى مسلسل (ولاد الشمس ) وهو شاب قصير القامة، ولكنه كان من العاملين فى دار الرعاية التى يمتلكها بابا ماجد (محمود حميدة) بل كان احد اهم العاملين فى الدار وكان اليد اليمنى لرئيسها، ولاننا لم نعتد رؤية ذوى الهمم او الأقزام، فى أدوار مهمة فى الاعمال الدرامية ، فإن أداء عبيد، او(مينا ابو الدهب) أثار إعجابنا بذكائه ونشاطه ودعمه للرجل الذى أواه وكبر معه، ثم حبه لزميلته العاملة معه فى الدار (دنيا ماهر) وطلبه يدها بثقة، وقبولها، وجلوسها على الارض لكى يستطيع تلبيسها دبلة الخطوبة، باختصار، أعاد الينا (اولاد الشمس) جزءا مهما من تذكيرنا بأنسانيتنا وقبول المختلفين عنا، والذين تنقصهم بعض الملامح العامة، لكنهم قد يكونون مبدعين، ومتفوقين عن الكثيرين منا ولنتذكر طه حسين العظيم كنموذج، أقول هذا بمناسبة ذكرى ميلاد عمار الشريعى عبقرى الموسيقى والألحان يوم 16 ابريل عام 1948 فى مركز سمالوط بمحافظة المنيا بصعيد مصر، والذى ولد كفيفًا فى أسرة كبيرة ولاب من كبار المزارعين، اصبح عضوا بالبرلمان بعد ثورة يوليو بينما كان جده احد اقطاب ثورة 1919، الملفت فى هذه المسيرة ليس قوة عائلته الصعيدية، ولكن ما تعلمه من الفنون أثناء دراسته بالمدرسة الثانوية فى إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم وقتها خصيصا للطلبة المكفوفين الراغبين فى دراسة الموسيقي، ومن خلال هذا البرنامج، ومع مدرسيه، وبمجهود ذاتى وشغف كبير منه، أتقن العزف على آلة البيانو، وبعدها اشترى له والده بيانو للعزف عليه، لكنه لم يكتف به فاتجه الى آلة الأكورديون، وبعدها تعلم العزف على العود، وأخيرا الأورج ليتحول الى خبير فى الات العزف وهو يستكمل دراسته فى جامعة عين شمس، وبعدها يذهب مباشرة لاحتراف العزف على الأكورديون مع فرق مختلفة قبل ان يتحول الى التخصص فى العزف على آلة الأورج الصعبة فى تحد كبير لنفسه، ولاعاقته، (ولاهمية الرؤية لعازف الأورج تحديدا)، ولكنه كفنان وانسان كان قد رتب حياته على استخدام البصيرة بديلا عن البصر، وبدأ رحلة جبارة مع التلحين جعلته واحداً من اهم نجوم أربعة عقود فى تاريخنا الحديث، بداية من زمن السبعينات الى العام 2013 الذى قدم فيه الموسيقى التصويرية لمسلسل مهم عن حياة الكاتب والشاعر بيرم التونسى والذى كتبه محفوظ عبد الرحمن وأخرجه عمر عبد العزيز وكتب كلمات أغانيه سيد حجاب وقام ببطولته فاروق الفيشاوي، وكلها اسماءكبيرة ومبدعة فى عمل لقطاع الانتاج للتليفزيون المصري، ولكن الجمهور العاشق لاعمال عمار الشريعى لا ينسى له اعمالا لا تنسى ولا ينسى برنامجه الرائع (غواص فى بحر النغم) الذى حلل فيه كل الاعمال الكبرى فى الموسيقى العربية.
من الايام.. إلى رأفت الهجان
هل تعود جمهور الموسيقى والغناء على كون عمار الشريعى موسيقارا كبيرا ونسى كونه كفيفا؟
وهل علينا ان نبحث عن العلة فيمن نحب ام عن الموهبة والإجادة ؟
الاجابة تقدمها الحياة كل يوم، ومنها ما قدمته الاعلامية لميس الحديدى مساء الثلاثاء اول امس ضمن برنامجها (كلمة اخيرة) على قناة (اون) لثلاثة لاعبين مصريين، شابان وفتاة ،حصلوا على ميداليات الأولمبياد الخاص فى المصارعة والسباحة، وكان احدهم من ذوى الهمم (وهو ما عرفناه حين تحدث) وحيث بدا واضحا دعم والدته وعائلته له وهو ما أكدت عليه مقدمة البرنامج، وما يتفق ايضا. مع قصة العظيم عمار الشريعي، وقصص اخرى رأيناها من خلال احتفالات الدولة منذ سنوات بذوى الهمم، والاهتمام الخاص بهم من قبل الرئيس السيسي، وهو ما يضيف الينا املا كبيرا فى دعم هؤلاء، وفى اكتشاف مواهبهم وقدراتهم، وفى تنمية الوعى العام تجاه اعتبار اختلافهم منحة وليس محنة، ولنكتشف عمار شريعى جديدا وغيره، هذا الاسم الذى لا يمكن ان نستمع الى المقدمة الموسيقية لمسلسل مثل (رأفت الهجان) بدون أن ننجذب اليها والى ما تمتلئ به من شجن وتعبيرات عن كل ما جاء به هذا العمل الدرامى الأسطورى على مدى ثلاثة اجزاء صنع من خلالها تأثيرا لا ينسى لدينا، وكانت الموسيقى هى بداية هذا الانجذاب والتأثير، وكأن عمار الشريعى لا زال يؤكد لنا انه موجود، وقادر، برغم البصر، لكنها البصيرة والموهبة.