قدم ما يزيد على 880 اغنية و«ع الحلوة والمرة» و«البيض الامارة» و«والا ياواله» و«بايعنى ولا شاريني» اشهرها.
لعبت الصدفة فى أن تغير مجرى حياة صبى يعمل «استورجي» بأن يصبح نجماً فى عالم الغناء وينافس كبار عمالقة الغناء، وان تعيش اغانيه حتى بعد رحيله بأكثر من نصف قرن.. وذلك عندما زار الملحن زكى مراد والد الفنانة ليلى مراد والمطرب منير مراد لصديقه على خليل صاحب محلات الموبيليا الشهير بحى عابدين ليجد صبياً عمره «12 سنة» يغنى بصوت عذب فاستمع إليه جيدا واقتنع بصوته فقرر تبنيه فنياً مع ابنائه ليلى ومنير مراد .
ذلك الصبى الصغير هو المطرب عبدالغنى السيد والذى نردد اغانيه معاً مثل «ع الحلوة والمرة» و»البيض الامارة» و» والا ياواله» وغيرها من الاعمال الغنائية التى حققت له شهرة منذ بداياته فى ثلاثينيات القرن الماضى حيث كان يمتلك موهبة فطرية فى الغناء وصوتاً رخيماً فى الأداء تمكن خلاله ان يتربع على عرش الغناء مع محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، وكان لصوته المميز بالشجن والحنين والعذوبة أثر فى جمهوره حتى ان الصحافة اطلقت عليه عدة القاب أشهرها «البلبل الباكي»..
«أول مطرب بالإذاعة»
ولد عبدالغنى السيد فى 16 يونيو عام 1908 بحى عابدين ولم ينل أى قسط من التعليم مثل كثير من ابناء هذا الزمن ، وعمل منذ طفولته «استورجي» بأجر يومى «60 قرشا» وتغير مجرى حياته عندما استمع له الملحن زكى مراد فأخذه لمنزله ليدربه ويقيم فيه / إقامة شبه دائمة / ويعلمه أصول الموسيقي، وبدأ تقديمه فى العديد من الافراح والمناسبات، فترك عبدالغنى السيد مهنته وتفرغ لموهبته ولفنه، وأصدر اسطواناته الاولى «نسيتى حبى بعد اللى كان» فكانت البداية الحقيقية وحققت له الشهرة الكبيرة بعد ان باعت أكثر من مليون اسطوانة فى الثلاثينيات.
غنى الفنان الراحل لعمالقة التلحين رياض السنباطى ومحمود الشريف ومحمد القصبجى وعلى إسماعيل وبليغ حمدى ومحمد عبدالوهاب الذى كان اقرب اصدقائه فى الوسط الفنى إلى جانب الفنان أنور وجدى ، وكان عبدالغنى السيد اول مطرب يغنى فى الاذاعة المصرية عند افتتاحها عام 1934 ومعه أم كلثوم وعبدالوهاب ، وأصدر أول إسطوانة «نسيتى حبى بعد اللى كان» والتى فتحت له باب الشهرة ، كما غنى للشعراء أحمد شوقى ومأمون الشناوي.
فتحت السينما أبوابها له فكانت البداية مع فيلم «وراء الستار» عام 1937 فى بطولة مطلقة مع رجاء عبده إخراج كمال سليم.. إلا انه لم يتفرغ لها ، وإن كان قدم 17 فيلما ما بين بطولة مطلقة وضيف شرف يغنى فى الفيلم ، ومن أشهر أفلامه شارع محمد على سنة 1944 إخراج نيازى مصطفى بطولة حورية محمد ، و» شيء من لا شيء» سنة 1938 مع نجاة على إخراج أحمد بدرخان ، و»ليالى الأنس» مع ببا عز الدين عام 1947 والمخرج نيازى مصطفي.
« 880 أغنية»
ترك عبدالغنى السيد إرثاً من الأغانى وصل لأكثر من 880 أغنية مسجلة فى الإذاعة فإلى جانب «البيض الامارة» و»ع الحلوة والمرة» هناك «اه م العيون» و»بايعنى ولا شاريني» و»كفاية البعد» و»اه يا حبيبي» و»أنا وياك» و»قلبك القاسي» كما كان يلحن لنفسه عدداً من اغانيه ، وتعتبر أغنية «ولا ياوله» من أشهر أغانيه وأنجحها وتتردد حتى الآن بالرغم من مرور 80 عاماً على أدائها ، وقد كانت ضمن أحداث فيلم « شارع محمد على « للمخرج نيازى مصطفى الذى تم إنتاجه عام 1944، ولعبت بطولته أمامه الراقصة حورية محمد ، وقد كتب أغانى الفيلم والاستعراضات كل من أبوالسعود الإبيارى وعبدالعزيز سلام ، وشارك فى الألحان إلى جانب عبدالغنى السيد كل من الموسيقار رياض السنباطى ، والملحن الشاب وقتذاك محمد فوزى ، ومحمود الشريف فى أول تعاون معاً فى استعراض « ولا يا وله « قائلاً له : سمعت انك ملحن موهوب وأريدك أن تلحن لى ذاك الاستعراض .
عاش عبدالغنى السيد طفولة صعبة شهد فيها العذاب من زوجة أبيه ، فبعد انفصال أبيه عن أمه تزوج للمرة الثانية من إمرأة كانت تكرهه كرهاً شديداً جعلت والده يخرجه من المدرسة حتى لا يكمل تعليمه وأقنعته بأن يعمل معه إستورجى للأثاث، ولم تكتف بذلك فقد كانت تعامله بقسوة شديدة ، ودائماً ما تضربه ضرباً مبرحاً حتى أنها ألقت على جسده ماءً ساخناً وهددته بعد مصارحة والده بما حدث معه ، إلا أن والده عاد للمنزل مبكراً وسمع بكاء ابنه ، ووجد آثار المياه الساخنة على جسد الطفل الرقيق فلم ينتظر وقام بطلاقها على الفور . .
«الزواج ثلاث مرات»
تزوج عبدالغنى السيد ثلاث سيدات ، الأولى من إحدى قريباته هو فى سن الرابعة عشرة وتدعى «نبوية» وانجب منها ابنتين «زينب وبثينة» ، والثانية من ابنة وزير الداخلية والتى اعجبت بصوته وهندامه وبشخصيته ، ولكنه طلق منها بأمر ملكى من الملك فاروق بعد أسبوع فقط ، اعتراضا على زواج «مغنواتي» من ابنة الباشاوات، وحتى لا يتجرأ أحد من البسطاء على الزواج من أبناء الأثرياء، وتم الطلاق رغما عنه ، أما الزوجة الثالثة فهى السيدة «شجون راسخ» والتى انجب منها «ليلي» و»إيمان» و»محمد» الذى ورث عن والده حبه للفن وصوتاً جميلاً وله بعض الأعمال اللحنية كما انشأ استديو داخل منزله ليمارس هوايته فى الغناء والتلحين كوالده .
جاءت وفاة عبدالغنى السيد فى 9 ديسمبر 1962 عن عمر 54 عاما.. ويوم الإثنين القادم تمر عليه 62 عاماً على رحيله ايضا ، إلا أن وفاته كانت مأساوية حيث كان صديقا لمعظم الفنانين ويقف مع مشاكلهم فقد عرف عنه بالشهامة والتى اكتسبها من أولاد البلد من أبناء حى عابدين ، حيث فوجيء باتصال تليفونى ليلاً من صديقته الحميمة الفنانة تحية كاريوكا تطلب منه المجيء لمنزلها ليفصل فى أمر طلاقها من زوجها فايز حلاوة ..وجاء وحاول ان يصلح بينهما إلا ان انفعاله أثناء الجلسة فى محاولة للصلح بينهما ، والمشادة والصياح وتعالى الاصوات بينهما جعل «الجلطة» المصاب بها فى قدمه منذ عدة أشهر تتحرك حتى الشريان التاجى ..فيسقط مغشياً عليه بينهما ..ويتم نقله لمستشفى العجوزة مصابا بأزمة قلبية ..وهناك يشعر باختناق وعدم قدرته على التنفس ..وتأتى المفاجأة فى عدم وجود انبوبة أوكسجين لإنقاذ حياته ..فحاول اصدقاؤه البحث عنها فى المستشفيات المجاورة ..إلا أن روحه لم تنتظر فمات وسط صدمة بين فنانى مصر وجمهوره الكبير.!!!