رغم مرور 59 عاما على رحيلها إلا أن أعمالها الفنية مازالت فى قلوب عشاق الفن الجميل.. هى لهاليبو السينما المصرية.. تمر حنة.. بائعة الجرايد.. فتاة السيرك.. الفنانة نعيمة عاكف.
كانت بمثابة الفراشة المرحة التى تألقت بسرعة البرق من السيرك وألعاب البهلونات إلى شاشة المجد والشهرة.
بدأت مسيرتها الفنية فى الأربعينيات فى فيلم «حب لا يموت» ولكن فرصتها الحقيقية ظهرت على الشاشة فى فيلم «لهاليبو» الذى كان «وش السعد» عليها واعتبر محاكاة لحياتها لأن أحداثه تدور عن السيرك.
قدمت خلال مشوارها الفنى القصير على مدار 16 عاما 26 فيلما من أجمل الأفلام العربية واختتمت أعمالها الفنية بفيلم «أمير الدهاء» ثم اعتزلت لظروف مرضها ورعاية ابنها الوحيد.
لمع نجم الفنانة نعيمة عاكف فى السينما وحصدت حب المشاهدين وحصلت على لقب أحسن راقصة فى العالم من مهرجان السينما العالمى بموسكو عام 1958 استطاعت أن تترك بصمة كبيرة فى تاريخ السينما العربية والمصرية.
ولدت نعيمة سيد إسماعيل عاكف فى السابع من أكتوبر 1929 بمدينة طنطا، داخل السيرك الذى تمتلكه عائلتها. نشأت بين وحوش السيرك وألعاب البهلوانات، وكانت الشقيقة الصغرى لأربع أخوات جميعهن شاركن فى العروض الاستعراضية للسيرك. إلا أن نعيمة، كانت نعيمة تتمتع بموهبة استثنائية فى الرقص والأكروبات، ما جعلها تصبح محط أنظار الجميع.
عندما كانت فى الرابعة من عمرها، بدأ والدها فى تدريبها على الحركات البهلوانية، ورغم رفضها فى البداية، إلا أن غيرة طفولتها من شقيقتها الكبرى جعلتها تتفوق فى تعلم المهارات الاستعراضية. وعندما وصلت إلى سن السادسة من عمرها، بدأ والدها فى دفع أجر يومى لها من أجل الحفاظ على مكانتها فى السيرك. ومع مرور الوقت، أظهرت نعيمة مهاراتها الاستعراضية أمام جمهور السيرك، لتصبح واحدة من أبرز الوجوه فى الفرقة.
«لهاليبو»: بداية الشهرة الفنية
فى السينما
كان ظهور نعيمة عاكف فى السينما بمثابة الانطلاقة الكبرى لها. فقد بدأت مسيرتها السينمائية فى عام 1948، حين ظهرت لأول مرة فى فيلم «حب لا يموت»، ثم جاء دورها الأول كبطلة فى فيلم «آه يا حرامي» من إخراج أنور وجدى. ورغم أن الفيلم لم يحقق النجاح المطلوب فى البداية، فإن ظهور نعيمة فى عالم السينما كان نقطة تحول مهمة فى مسيرتها.
وفى نفس العام، أتاح لها المخرج حسين فوزى فرصة البطولة فى فيلم «لهاليبو»، الذى شهد انطلاقتها الحقيقية. كان هذا الفيلم بمثابة محاكاة جزئية لحياتها، حيث تدور أحداثه فى سيرك، وكانت هذه النقلة بداية لتألقها فى السينما. قدّم الفيلم نجاحًا كبيرًا، وظهرت فيه الأغنية الشهيرة «لهاليبو يا وله» التى غنتها نعيمة عاكف وأصبحت أيقونة فى تلك الحقبة.
( 26 فيلماً )
مشوار نعيمة عاكف فى السينما يصل إلى 26 فيلماً على مدار 16 عاماً فى الفترة من عام 1948 حتي عام 1964 ، فقدمت فى فترة الأربعينات خمسة أفلام ، بينما قدمت فى الخمسينات 15 فيلماً بمعدل ثلاثة أفلام كل عامين، ثم قدمت 6 أفلام فى فترة الستينات والتى شهدت بداية تخليها عن أداء الدور الأول ، بينما كان آخر أفلامها مع زوجها المخرج حسين فوزي فيلم «أحبك يا حسن» عام 1958 مع الفنان شكرى سرحان وقامت خلاله بتصميم رقصاتها فى الفيلم وقدمتها مع فرقتها باليه «نفرتيتى»، بينما كان آخر فيلم فى حياتها الفنية الفيلم الشهير «أمير الدهاء» عندما جسدت شخصية الجارية زمردة مع الفنان فريد شوقى اخراج هنرى بركات ، وهو يعتبر أخر أفلامها السينمائية واعتزلت بعدها لظروف مرضها ورعاية إبنها الوحيد محمد، والمفارقة أنها لم تشترك فى أى عمل مسرحى بالرغم أنها كانت فنانة استعراضية .
من المفارقات أنها قدمت ثلاثة أفلام عام 1949 منها فيلم «ست البيت» بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي فى مشهد يجمعها مع المطرب عبدالعزيز محمود وهو يغنى أغنية «يامزوق ورد فى عود»، ثم قدمت أشهر أفلامها «لهاليبو» مع شكرى سرحان والذى يعتبر أحد أفلامها الهامة فى تاريخها الفنى ، ثم فيلم «العيش والملح» والذى كان أول أفلام المطرب سعد عبدالوهاب حيث حققا معاً نجاحاً كبيراً فى ذلك الفيلم ، وقد أعيد إنتاجه فى الثمانينات بعنوان «إلى المأذون ياحبيبى» بطولة سمير غانم وصفاء أبوالسعود ، وتوالت أفلامها ولمع نجمها فى السينما من خلال أفلام: تمر حنة ، بلدى وخفة، بابا عريس، فتاة السيرك، جنة ونار .
لعبت نعيمة عاكف أدوار البطولة فى معظم أفلامها أمام كبار الفنانين، أمثال رشدى أباظة فى «تمر حنة»، و«خلخال حبيبي»، وأنور وجدى فى «أربع بنات وظابط»، ومحمد فوزى فى «يا حلاوة الحب»، وفريد شوقى فى «أمير الدهاء»، وشكرى سرحان فى أفلام «أحبك يا حسن»، و«عزيزة»، و«بابا عريس».. و«لهاليبو»، ويوسف وهبى «فى بحر الغرام».
6 أفلام فقط قدمتها نعيمة عاكف بعد انفصالها عن زوجها حسين فوزى فى أربعة سنوات إبتداءً من عام 1960 بفيلم «خلخال حبيبى» مع رشدى أباظة إخراج حسن رضا، و«الحقيبة السوداء» مع شكرى سرحان إخراج حسن الصيفى الذى أخرج لها أيضاً فيلمان أحدهما «الزوج المتشرد» مع أحمد رمزى وفيلم «من أجل حنفى» وبمشاركة أحمد رمزى أيضاً، و«بياعة الجرايد» مع ماجدة إخراج حسن الإمام ،بينما جاء فيلم «أمير الدهاء» للمخرج هنرى بركات وبطولة فريد شوقى ليصبح أخر أفلامها على الشاشة عام 1964 أى قبل رحيلها بعامين
الزواج والفن
بعد النجاح الكبير الذى حققته فى أفلامها الاستعراضية، تعرضت نعيمة عاكف للكثير من التحديات فى حياتها الشخصية. تزوجت من المخرج حسين فوزي، الذى اكتشف موهبتها وأدخلها عالم السينما، وبعد ذلك عاشا معًا فى فيلا بمصر الجديدة، رغم أن زواجها أثمر عن نجاحات فنية كبيرة، كان هناك العديد من التحديات التى واجهتها مع زوجها.
كان حسين فوزى يعتنى بنعيمة عاكف بشكل كبير، إذ قام بتعليمها العديد من المهارات الحياتية، مثل إتقان اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وكان حريصًا على تحسين مستوى تعليمها، حيث كانت نعيمة قد نشأت فى بيئة بعيدة عن التعليم النظامى بسبب ظروف عملها فى السيرك. ورغم الصعوبات التى مرّت بها، إلا أن نعيمة استطاعت أن تتحدث ثلاث لغات بطلاقة وأن تصبح شخصية مميزة فى الوسط الفنى والاجتماعى.
المرض والموت.. فراق مبكر
لكن الحياة لم تكن دائمًا سهلة بالنسبة لنعيمة عاكف.بعد ما يقرب من عشرة أعوام إنفصلت نعيمة عاكف فى هدوء عن زوجها المخرج حسين فوزى ، والتقت بالمحاسب القانونى صلاح الدين عبدالعليم ليدير أعمالها ، إلا انها أحبته وتزوجته عام 1959 وأنجبت منه ابنها الوحيد محمد صلاح الدين ليتحقق حلم حياتها التى عانت منه سنوات وهو أن يكون لها ابن، حيث كان زوجها الأول رافضاً الإنجاب مكتفياً بأولاده من زوجته الأولى، وبعدما رزقت نعيمة عاكف بإبنها الوحيد هاجمها المرض الخبيث فى أمعائها ليقضى عليها، فقد كان حظها فى الحياة وهذا العالم قليلاً بالرغم أنها أسعدت الملايين إلا أن حياتها كانت قصيرة.
ظهرت بوادر المرض الخبيث دون إنذار أثناء تصوير نعيمة عاكف فيلم «بياعة الجرايد» سنة 1963 حيث إكتشفته بالصدفة ، عندما شعرت ببعض الألام ، وإعتقدت أن ذلك التعب والإرهاق والدوخة بسبب إجهادها فى العمل ، وإعتقدت فى بداية الأمر أنها حامل للمرة الثانية وتمنت أن تنجب فتاة هذه المرة ، فإنتقلت للمستشفي وأجرت الفحوصات والتحاليل لتكتشف انها مصابة بمرض السرطان اللعين ، وبالتحديد فى منطقة الأمعاء، وصارعت المرض وحاولت أن تقهره ولكنه إستمر معها ثلاث سنوات من حياتها ، وفى أثناء تصوير فيلم «أمير الدهاء» زادت آلام المرض لتكتشف أن السرطان يمتد فى كامل أمعائها ، وهنا قررت نعيمة عاكف أن تعتزل الفن نهائيًا، كى تقضى أطول وقت ممكن مع طفلها الوحيد محمد، حيث كان هذا كل ما لها فى الحياة كما كانت أماً حنوناً له .
حاولت نعيمة تلقى العلاج فى ألمانيا، حيث تم التنسيق مع الحكومة المصرية على تكاليف علاجها، ولكن القدر كان أسرع. ففى اليوم الذى كان من المفترض أن تسافر فيه إلى ألمانيا، تدهورت حالتها الصحية بشكل مفاجئ، وأصيبت بنزيف حاد، مما أدى إلى وفاتها فى 23 أبريل 1966، عن عمر لم يتجاوز 37 عامًا، تاركةً خلفها إرثًا فنيًا حافلًا.
رحيلها وحزن الملايين
تأثرت مصر والوطن العربى كله برحيل نعيمة عاكف، التى عُرفت بلقب «لهاليبو السينما» بسبب خفتها ورشاقتها وحضورها الساحر فى أفلامها الاستعراضية. كانت جنازتها مهيبة، حيث حضرها عدد كبير من الفنانين والإعلاميين، بينما تصدرت الأوسمة والنياشين التى حصلت عليها من الحكومات العربية، واحتفل بها الجميع كأيقونة للفن المصرى.
لا تزال أعمال نعيمة عاكف حية فى ذاكرة الجمهور، وتظل رقصاتها وأغانيها جزءًا من تاريخ السينما المصرية.. وحصلت على لقب أحسن راقصة فى العالم من مهرجان الشباب العالمى بموسكو عام 1958 من بين منافسات من 50 دولة شاركت فى المهرجان ، بل إن رئيس الاتحاد السوفيتى نيكيتا خروشوف كرمها وأمر بصنع تمثال لها، وتم وضعه فى مدخل مسرح البولشوى بموسكو وما زال كائناً فى مكانه ويزينه حتي الآن.