فى مسيرة نقابة الصحفيين معارك عظيمة، فكرية وسياسية
بعد ساعات تأتينا ذكرى إسقاط القانون 93 المشبوه الذى نجحت الجماعة الصحفية وعلى رأسها نقابة الصحفيين التى شرفت بمنصب أمينها العام حينذاك فى تغييره بعد نضال وجهاد أريد به استرداد حرية الرأى والتعبير من براثن ترزية القوانين الذين أرادوا تكميم الصحافة وحرية الرأى والتعبير فى ذلك الوقت.
تاريخيًا لم تكن نقابة الصحفيين مجرد نادٍ اجتماعى يقدم فقط خدمات اجتماعية ومهنية لأعضائه فقط، بل كانت نقابة رأى منذ تأسست فى الحادى والثلاثين من مارس 1941، ومنذ تشكَّل أول مجلس معين فى السابع من أبريل من العام نفسه برئاسة محمود أبو الفتح نقيبًا.. وحين تطالع أسماء أعضاء النقابة منذ ذلك الحين تجد قامات ثقافية وصحفية يشار لها بالبنان.. ومنذ ذلك الحين ونقابة الصحفيين تحتضن فعاليات ثقافية وفكرية لمختلف التيارات والمشارب، وتمثل حصنًا للدفاع عن الحريات، اكتسبت مصداقيتها عبر نضال يواجه فى ثبات عواصف الأحداث إذا هبت متلاحقة، تصطف خلف مواقف لا أشخاص، أفكار ورؤى عامة لا برامج خاصة ولا عنتريات فردية، تتسلح بسيف المعرفة ودرع الحقيقة وقوة الحجة والبرهان.. تتبنى حرية الرأى والنشر على نحو رصين لا ينتقص منها ولا يحولها إلى صراخ وعويل أو هتاف أو عمل سياسي، فهى فى النهاية نقابة رأى ومشعل تنوير وليست مقرًا حزبيًا ولا ينبغى لها أن تكون كذلك، وليست مركزا للنشطاء السياسيين ولا الحنجوريين من أى تيار أو فصيل وهذا هو سر النجاح فى ملحمة اسقاط القانون 93.
وفى مسيرة نقابة الصحفيين معارك عظيمة، فكرية وسياسية خاضتها بقوة غير عابئة بأى ضغوط ولا مطالب خارجية.. وكانت معركة القانون 93 لسنة 95 التى خاضتها النقابة قبل أكثر من 28 عامًا من أشد المعارك شراسة وأعظمها انتصارًا خاضتها كتيبة شجاعة هم أعضاء المجلس 39 الذى كان على رأسه الكاتب الصحفى الراحل إبراهيم نافع رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام والذى كان محسوبا على النظام بقوة، ويتمتع بعلاقة خاصة مع الرئيس حسنى مبارك منذ كان الأخير نائبا للرئيس أنور السادات..
وقد كنت شاهدًا على ذلك النضال المحتدم ضد القانون 93، بل ومشاركًا فى إحدى معاركه الكبرى ضمن أعضاء ذلك المجلس التاريخى.
والحق أن المجلس 39 ومن ورائه الجماعة الصحفية كلها لم تمنعهم أى صعوبات ولا أى حسابات من خوض هذه المعركة بجسارة وإصرار لإسقاط قانون «اغتيال الصحافة»، حيث انعقدت الجمعية العمومية غير العادية لنقابة الصحفيين فى 10 يونيو 1995 لوقف هذا التغول التشريعى على حرية الصحافة.
معركة القانون 93 انطلقت شرارتها الأولى من جانب الحكومة ومجلس الشعب، حين جرى إصدار قانون يتوسع فى حبس الصحفيين وسجنهم باتهامات مطاطة وفضفاضة، باسم الحفاظ على مؤسسات الدولة وحمايتها من الازدراء وعدم تعكير السلم العام.. وكأنه لم يعجبهم وقتها أن تتنسم الصحافة عبق الحرية أو تتمتع بهامش منها أخذ يتوسع شيئًا فشيئًا حتى طالت بالنقد نوابًا فى مجلس الشعب ووزراء ومسئولين كبارًا وهيئات عامة، بعبارات بدت شديدة وقاسية فلم يتحمل هؤلاء نقد الصحافة وهجماتها فانطلقت محاولات تكميمها وحبسها خلف أسوار التشريعات، حيث جرى تغليظ العقوبات فى جرائم النشر وإلغاء ضمانة عدم حبس الصحفيين احتياطيًا فى هذه الجرائم..ثم فوجئنا بالبرلمان وقتها وقد سارع بإقراره بين عشية وضحاها بينما كان نقيب الصحفيين إبراهيم نافع فى رحلة علاج بالخارج..
لم يقف النقيب وأعضاء المجلس مكتوفى الأيدى بل سرعان ما كلَّف الأخير الراحل جلال عيسى بتجهيز كلمة للردّ على ما تضمنه هذا القانون من قيود ضد الصحافة والصحفيين.. وبالفعل ألقى جلال عيسى كلمة النقابة فى عيد الإعلاميين الذى كانت تقيمه وزارة الإعلام سنويًا أيام صفوت الشريف.. وكم كانت تلك الكلمة قوية معبرة عن نبض الجماعة الصحفية وأشواقها للحرية.
ولم يهدأ للنقابة بال حتى تكللت جهود النضال بالنجاح، و جرى إلغاء الحبس الاحتياطى أولا ثم الغاء مواد الازدراء كمقدمة انتهت إلى إلغاء الحبس فى قضايا النشر بعد كفاح أسهمت فيه الجماعة الصحفية بأسرها.
يحدونا أملٌ فى أن نقابة الصحفيين التى تستعد لعقد مؤتمر جامع لمناقشة أوضاع المهنة أن تستهلم دروس النضال والصبر والرؤية من معركة إسقاط القانون 93 الذى جرى استبداله بالقانون 96 فى لحظات فارقة وصعبة، أبحرت الجماعة الصحافية بشجاعة ورباطة جأش ضد عواصف عاتية بحثا عن مرفأ للأمان والنمو والتقدم ومزيد من الحرية والإبداع.