كانت مصر وعلى مر العصور هى مصدر الأفكار الكبرى القادرة على إحداث التغييرات والتحولات الضخمة فى محيطها الإقليمي، ففكرة إنشاء جامعة الدول العربية خرجت من مصر فى أربعينيات القرن الماضى بعد خطاب مصطفى باشا النحاس امام مجلس الشيوخ المصرى فى عام 1942 والذى أعلن فيه عن سعى مصر إلى عقد مؤتمر للقادة العرب لمناقشة امر الوحدة العربية، وفى الخامس من سبتمبر من نفس العام دعت مصر كلا من السعودية وشرق الأردن وسوريا ولبنان واليمن لإيفاد مندوبيها للقاهرة لمناقشة هذا الأمر، وهنا سارعت بريطانيا بإصدار بيان تعلن فيه تأييدها الكامل للحق العربى فى إقامة كيان وحدوى يضم دولة المستقلة.
> أيضًا جاءت أفكار القومية العربية والتضامن العربى والدفاع المشترك كأفكار مصرية خالصة خرجت من مصر وتبناها الرئيس عبدالناصر وتبلورت الناصرية وتشكلت من جملة تلك الأفكار والمبادئ والقيم، كذلك جاءت فكرة إمكانية تحقيق السلام مع إسرائيل من مصر عندما وقف الرئيس السادات واعلن استعداده لزيارة الكنيست الاسرائيلى من أجل السلام وكانت هذه أيضًا فكرة مصرية كبرى وصادمة وغيرت من ثوابت الإقليم، إذن مصر كانت ولادة للأفكار القادرة على التغيير، وسواء اختلفت أو اتفقت مع تلك الأفكار إلا أنك لا تستطيع ان تنكر قوتها وسطوتها، السر هو امكانات الدولة المصرية الشاملة خاصة مزيج القوتين الخشنة والناعمة القادر على التأثير الحقيقى الفعال وليس اللحظى الهش.
> ومنذ اتفاقيات السلام وإلى الآن لا توجد افكار كبرى قادرة على احداث التغيير المطلوب، وهذا هو دور مصر الذى ينتظره التاريخ، فهى وحدها القادرة على الفعل وقت الأزمات المعقدة، وما أعقد ما نعيشه من أزمات، لذلك نحن فى أمس الحاجة لأفكار جديدة جديرة بإثارة الاهتمام والانتباه والبحث، هذه الأفكار موجودة فى عقول المفكرين المصريين الأفذاذ وهم موجودون، فقط مطلوب فتح باب الاجتهاد السياسى والثقافى دون قيود، لكن المشكلة الحقيقية ان معظم المفكرين والمثقفين المصريين دأبوا وعلى مدار ما يزيد على خمسة عقود على السير فى مسارات كلاسيكية متكلسة وغالبًا ما يفضلون اعادة صياغة أفكار الحكام بلغة مختلفة بالإضافة أو الحذف أو حتى النقد أو الإشادة.
> لكن صناع الأفكار الطازجة الجديدة الكبرى الصادمة القادرة على اجتياز كل الحواجز والوصول إلى عقل الساسة والحكام غير موجودين على الساحة بالشكل المطلوب فى الوقت المطلوب، جميعنا للأسف يتحدث عن ضرورة البحث عن أفكار جديدة لكننا لا نفتش عن هذه الأفكار، وهناك افكار تبدو صادمة أو مخيفة أو غير منطقية وتحتاج إلى شجاعة ومهارة وصبر فى العرض والتقديم والإقناع، اصحاب هذه الأفكار غالبا ما يفضلون طرح افكارهم على انفسهم فقط التماساً للسلامة وعدم الاستعداد لخوض معارك فكرية منهكة ومزعجة، وهناك افكار غير ناضجة تحتاج إلى مشاركات ونقاشات حتى تصل إلى مرحلة النضج، عمومًا ودون الدخول فى تفاصيل عن حال المفكرين وفلسفاتهم أعود إلى فكرة المقال الأساسية وهى البحث عن الأفكار الكبرى التى يمكن ان تحدث التغيير الضخم المطلوب ليس فى مصر وحدها وإنما فى الإقليم برمته .