تزامنا مع اليوم العالمى للفتوى الذى يوافق 15 من ديسمبر من كل عام .. لا يزال السؤال قائما .. هل نستطيع السيطرة على عشوائية الفتاوى وهل يمكننا تنظيم المتخصصين بالحديث فى دين الله بالحلال أو الحرام .. فقد أجمع علماء الدين والمفكرين أن الفتوى ستظل رصاصة الرحمة أو العذاب، ولن تخلو جيناتها من صفات البناء أو الهدم، ولن تتغير فاعلياتها فى إمكانية النماء أو التخريب.. وإذا أردنا مجتمعا بلا تشدد ولا تطرف ولا كراهية ولا انحراف فيجب أن نبدأ بتصحيح مفاهيم الفتوى وإعادته من مناطق الشذوذ إلى دوائر الاعتدال.
أوضح د. إيهاب البطاط من علماء الأزهر الشريف أن حروب الأوبئة الفكرية ستظل مستعصية على إيجاد علاج لها يمنع آثارها التى تصيب المجتمعات بأمراض التشدد والعنف والكراهية والتعصب، دون السيطرة على منابع الفتوى التى ترفع وتيرة العنف الفكرى داخل نفوس بعض البسطاء خاصة وأن المجتمع متدين بطبعه مهما حاولنا التشكيك فى التزام عناصره، لذلك فإن التيارات المتشددة التى تعمل خدمة لأجندات خارجية تحقق أغلب أهدافها من خلال اختراق جبهة الفتاوى الدينية، حيث يقومون بإنشاء منصات يصفونها بالإيمان ويختارون لها أشخاصاً ظاهرهم الرحمة وباطنهم العذاب، ولديهم البراعة فى استخدام متشابهات الشريعة ويبحثون عن الفتاوى ذات الإطار الزمنى المختلف ويقومون بتنزيلها على الواقع الذى لا يتوافق مع تلك الفتاوى تماما، رغبة من أصحاب تلك الأجندات فى تلبيس الأفكارعلى البسطاء، ولا يكتفون بذلك بل تقوم كتائبهم الإليكترونية بالترويج الشامل لتلك الفتاوى حتى تنتشر انتشار النار فى الهشيم
مضيفا ضرورة المسارعة لإعادة الأمور إلى نصابها، حيث نتابع جميع عودة تيارات العنف والتشدد على الساحة العربية من خلال التطورات السريعة التى تجرى على الأراضى السورية وجميعها يتخذ من الدين ستارا لأعماله ويخدع أصحابه بفتاوى مضللة، وهذا يعيد إلى الأذهان ما قام به تنظيم داعش حينما حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة معتمدا على تأويلات دينية بريئة مما قام به ذلك التنظيم المنحرف فركيا، لذلك فإننا يجب أن ننهض بشدة دون تهاون لمواجهة التسرب الفكرى السام الذى ينبعث من أفواه أنصاف الفقهاء الذين يخدعون الناس بتأويلات باطلة فى جانبى الحلال والحرام والجائز والممنوع ، فليس بعيدا الفتوى التى أصدرها أحد منسوبى الأزهر تتضمن إباحة امتناع المواطن عن دفع فواتير الخدمات التى يحصل عليها، وقد دعمت تلك الفتوى تيارات متباينة تجتمع فى عدائها للوطن، وإذا تغافلنا عن تلك المهاترات فإنه هذا يؤدى إلى كارثة اقتصادية واجتماعية.
أعلن د.البطاط أهمية الرقابة الصارمة على الفتاوى عبر المنصات الإعلامية المنتشرة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز الوعى المجتمعى من خلال حملات إعلامية ودينية بين أفراد المجتمع بهدف التحذير من خطورة الفتاوى الشاذة وكيفية التحقق منها وتأكيد أن الشريعة الإسلامية قائمة على التسامح والرحمة، وأن الفتاوى الشاذة لا تمثل جوهر الإسلام، وأن الفهم الصحيح للإسلام يجب أن يركز على وسطية الدين، وتجنب التشدد والانحراف.
بينما طالب د. ربيع الغفير الأستاذ بجامعة الأزهر بتشريع قوانين حاسمة ومفعّلة للتصدى لظاهرة الفتاوى الشاذة باعتبارها قضية أمن قومى وأمن مجتمعى حتى يمكن ردع وزجر كل من يتسبب بإثارة البلبلة بين الناس.
موضحا أن الفتوى الشرعية من أخطر القضايا التى تهم المسلمين جميعا فى دينهم ودنياهم وذلك لأن الفتوى يتوقف عليها أشياء كثيرة وخطيرة فى حياة المسلم وعلاقته بربه وبالناس فالفتوى الخاطئة قد تهدم بيتا وقد تخرب أسرة وقد تتسبب فى قتل إنسان، وقد حدث هذا فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم حينما تصدر غير متخصصين لفتوى شخص له ظروف خاصة ترتب على فتواهم موته، مما يؤكد خطورة سلاح الفتوي، وقد تبينت تلك الخطورة فى تحذير النبى صلى الله عليه وسلم المتجرئين على الفتوى بأنهم أجرأ الناس على النار، فمقام الفتوى مقام خطير جدا ومعترك ومقام فتنة وابتلاء واختبار، ولذلك يطلقون وصف المفتى فى كتب الفقه والتشريع بأنه»المُوَقِّع» عن الله سبحانه وتعالى ، درجة أن الإمام ابن القيم قام بتأليف كتاب عنوانه» إعلام الموقعين عن رب العالمين: وقال فى مقدمته: إذا كان التوقيع عن ملوك الدنيا وأمرائها من المناصب السّنيّات والدرجات العليات فما بالكم بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات.
بينما أكد د. رمضان حسان عميد كلية الدراسات الإسلامية أن الفتوى دين فلا تأخذ إلا من تقي، كما قال محمد بن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. موضحا أن طرق القضاء على الفتاوى الشاذة تتلخص فى أن يتقى الله العلماء الذين يعتمدون فى فتاواهم على الآراء الشاذة والضعيفة، التى تخالف إجماع العلماء، وتؤدى إلى بلبلة الأفكار وتضليل الناس عن الحق، وتشكيكهم فى ثوابت الدين وعدم أخذ الفتوى إلا من المؤسسات الرسمية للفتوى مثل هيئة كبار العلماء، ودار الإفتاء، ومجمع البحوث الإسلامية، ولجان الفتوى بالأزهر الشريف، وليس من أصحاب الأهواء الذين يريدون الشهرة بنشر الشاذ والضعيف من الأقوال.
مشددا أن وسائل الإعلام هى الأداة التى تساعد شواذ الفكر والرأى فى أن يظهروا وأن يفتتن البسطاء بأقوالهم، ولذلك يجب وضع ميثاق شرف إعلامى ونصوص قانونية رادعة تحجب المخالفين لضوابط الفتوى من الظهور حتى على التواصل الاجتماعي.
بينما حذر د. حسن القصبى أستاذ الحديث بجامعة الأزهر التكلم فى الدين بغير علم حتى لا يدخل فى دائرة من وصفهم صلى الله عليه وسلم بقوله «من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» موضحا أن المفتى بغير علم يكذب على الله وعلى رسوله ويبين الإسلام على غير صورته الحقيقية، مؤكدًا أنه من أسباب الأمن المجتمعى عدم اضطراب الفتوى وألا يتصدى للفتوى غير أهلها الذين يملكون الأدوات التى اشترطها الله عز وجل بسؤال أهل الذكر من المتخصصين والعلماء ممن لديهم علوم الغاية وعلوم الآلة، فلابد أن يعلم كل من يتكلم أثر الكلمة التى يقوم بها فكم من خلافات نشأت وكم من أمن تزعزع وكم من اضطراب فى البيوت بسبب فتوى شاذة أدت إلى خلافات ومشاكل اجتماعية.