يخطئ من يعتقد أن إيران لم تحقق أى مكاسب من الضربة التى وجهتها إلى العمق الاسرائيلى مؤخراً بحجة أنها لم تسفر سوى عن أضرار طفيفة.. لدرجة أن البعض اعتبر هذه الضربة مجرد «مسرحية» وهى بالمعنى الدقيق ليست كذلك.. بل يمكن القول إنها ضربة فيها شيء من الدبلوماسية، حيث جرت بموافقة أمريكية وكان هناك اتفاق مسبق على شكل هذه الضربة، وهو ما أكده مسئولون أمريكيون لشبكة «سى بى إس» الأمريكية قبل يوم من توجيه الضربة، بأن الهجوم الايرانى سوف يشمل أكثر من 100 طائرة مسيرة وعشرات الصواريخ ضد أهداف عسكرية اسرائيلية، وهو ما حدث بالفعل.. كما أن ايران على لسان وزير خارجيتها أبلغت واشنطن أن الضربة ستكون محدودة ضد أهداف عسكرية، وفى نفس الوقت أخطرت دول المنطقة قبل 72 ساعة من بدءها حتى لا يتعرض الطيران المدنى لأى أضرار.
رغم كل ما سبق، فقد حققت إيران عدة مكاسب من هذه الضربة.. أهمها أنها أول مواجهة مباشرة بينها وبين اسرائيل وليس عن طريق أذرعها فى المنطقة كما جرت العادة، ورغم ما حققته هذه الضربة من خسائر طفيفة، إلا أنها أكدت لإسرائيل وداعميها أن طهران قادرة بأسلحتها على الوصول إلى العمق الاسرائيلي، كما أن هذه الضربة رغم ضعف نتائجها أرضت الشعب الايرانى الذى كان يغلى بعد أن تعرضت بلاده فى الآونة الأخيرة لتفجيرات واغتيالات لعدد من قيادات الحرس الثورى الإيراني، آخرها قصف اسرائيل للقنصلية الإيرانية فى دمشق، كما نجحت إيران فى تصدير الخوف والرعب والفزع إلى الاسرائيليين الذين قضوا عدة ساعات مختبئين فى الملاجئ، فضلاً عن خسائر اسرائيل المادية، التى قدرت بمليار دولار ثمن نفقات دفاعها الجوى فقط.
يمكن القول إن الرد الإيرانى بالشكل الذى تم، أرضى جميع الأطراف وليس طهران وحدها، والمكاسب عمت الكل.. فالضربة الإيرانية أفادت اسرائيل بعودة الدعم الغربى لها بعد أن فتر مؤخراً بسبب المجازر التى ترتكبها كل يوم فى قطاع غزة وسارعت كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى تقديم الدعم والعون لتل أبيب وشاركوا فى إسقاط العدد الأكبر من الطائرات المسيرة والصواريخ، كما أن الضربة أفادت نتنياهو داخلياً، حيث التف حوله الاسرائيليون يدعمونه بعد أن كانوا قبل أيام يتظاهرون ضده، وساعدت هذه الضربة أيضا فى ترميم علاقته مع الغرب.
أمريكا نفسها حققت مكاسب من هذه الضربة، حيث نجحت من خلال اتصالاتها مع طهران فى الاتفاق على الرد المناسب الذى يسفر عن أقل الخسائر ويعيد لإيران هيبتها فى نفس الوقت، وهو نفس ما فعلته اسرائيل فى ردها ليلة الخميس الماضي.. وبالتالى نجحت واشنطن فى عدم توسيع الصراع، بعد أن كانت منطقة الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية.