بروفايل
كما واجه ناصر الإخوان.. واجههم السيسى وخلص البلاد من خيانتهم وشرورهم
فى 15 يناير عام 1918 أى قبل 107 أعوام ولد الزعيم جمال عبدالناصر حسين مفجر ثورة 23 يوليو المجيدة التى أطاحت بالملكية وأسست للجمهورية.. وكان ميلاده فى حى باكوس بالاسكندرية حيث يعيش والده المولود فى بنى مرو، تخرج من مدرستها الابتدائية فى أسيوط وعمل بمصلحة البريد.. ومع الوالد عاش ابنه معه ما بين الإسكندرية والقاهرة والخطاطبة.. ومع حصوله على الثانوية العامة القسم الأدبى عام 1936 فشل فى الدخول للكلية الحربية ولكن دخلها عام 1937 وتخرج منها 1938 وتم تعيينه فى الكتيبة الثالثة مشاة وتنقل للعمل بين الاسكندرية والصحراء والسودان وفى كلية الأركان التى التحق بها عام 45 تخرج منها مع بداية الاستعداد لحرب 1948 فى فلسطين مع انتهاء الانتداب وكان برتبة رائد «صاغ» وشارك فى الحرب وحوصرت كتيبته فى الفالوجا التى عمقت تجربته فى تأسيس الضباط الأحرار حيث دخل فى النشاط السياسى السرى عام 1945 واللافت أنه كان له علاقة بالإخوان كما كان له علاقة مع كل التنظيمات السياسية والحزبية فى هذا الوقت المبكر مما شكل لديه رؤية ثورية حول كل التنظيمات، ومن هنا عمق نشاطه بتشكيل الضباط الأحرار وهذا مهد له «كاريزما» عبدالناصر الذى رفع شعار القومية العربية أن يتعامل لإنجاح الثورة مع كل التيارات وظلت شخصيته محل جدل لدى خصومه من مجموعات حكم ووزارات ما قبل الثورة ولا يزال الجدل مستمراً برغم مرور هذا الزمن على ثورة 23 يوليو وعلى وفاته التى اعتبرها المؤرخون واحدة من أنجح الثورات فى العالم الثالث، وكانت مظلة مهمة لتحرير واستقلال دول العالم الثالث فى آسيا وأفريقيا ومن هنا الكثير يسلمون بأن مكانته وشخصيته لا يعادلها شخصية خلال القرن العشرين.
أمراء الانتقام
منذ قيام الثورة قبل أن يبرز اسمه كقائد حقيقى لها توصل «أمراء الانتقام» تقودهم شهوة الحكم جماعة الإخوان الإرهابية ومنذ رفضه لوصايتهم على الثورة.
وجاء حادث المنشية ليبرز الوجه القبيح للجماعة الإرهابية الذى عرف إعلامياً بحادث «المنشية» بالاسكندرية والذى كشف صراحة عن المواجهة الأولى مع الإخوان قبل المواجهة الثانية فى الستينيات التى قادها قياداتهم الفاشية.
كان أعضاء مجلس قيادة الثورة يراقبون الوضع المرتبك فى الدولة قبل ليلة 23 يوليو والتغيير فى الوزارات وبأمر المندوب السامى البريطانى مما يوضح احتضار نظام الملكية بقيادة الملك فاروق.. وكان حريق القاهرة القشة التى كشفت كل شيء من تخبط السراى مع الأحزاب وفشل استمرار الوزارة حتى أصبح البوليس السياسى يتهكم «الملك يغير الوزارة» بخطاب من المندوب السامي.
ووقتها تفجرت قضايا الأسلحة الفاسدة ووضعت الملك فى مأزق وأحس أن نهاية حكمه فى وجود خلايا بالجيش رافضة لحكمه تتزعزع وانتاب الشارع المصرى حالة تمزق استمرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى ليلة 23 يوليو.. وأن النظام الملكى عاجز تماماً فى مواجهة الوضع وأن الجيش المصرى لن يرضى أن يكون مهمشاً وأن بيده التغيير أمام وضع سياسى ممزق وفساد صفقات الأسلحة والرضوخ لأوامر الاحتلال البغيض.
وليلة 23 يوليو بعد أن تم تحديد ساعة الصفر وكان الملك فى الإسكندرية وسط إحساس بأن انتخابات نادى الضباط وتولى محمد نجيب ليس من فراغ ولكن وراءه قيادات شابة لها طموحاتها فى تغيير الوضع.
كان من الممكن أن تكون هذه الليلة مجرد تغيير لوجود الزمرة الحاكمة إلى شباب الضباط لكن كانت الاستجابة على قدر التحديات الفضل فيها للشاب الأسمر جمال عبدالناصر.
كان أمامه نماذج ثورات سابقة الفرنسية والبلشفية لكن ثورة 23 يوليو كانت نموذجاً اجتماعياً سياسياً وعسكرياً لتغيير الواقع فى دولة جثم عليها استعمار بغيض 75 عاماً ومرت بتوترات كثيرة قبل قيامها وأحداث كبيرة لا تزال فى ذاكرة المصريين منها حادث دنشواى وجهاد الحزب الوطنى بقيادة مصطفى كامل ومحمد فريد ثم ثورة 1919 ودستور 23.. إلى معاهدة 36 ومروراً بالنكبة التى كانت مع الأسلحة الفاسدة وراء التعجيل بهذه الثورة.
ومع نجاح الثورة وإعلان بيانها الأول بصوت عضو الضباط الأحرار الرئيس الذى تولى بعد وفاة عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970 محمد أنور السادات وبمجرد صدور البيان الذى أعد بذكاء عرف العالم أن الملك فاروق خارج دائرة العرش والحكم.
استمع المواطنون فى مصر لأول مرة عبر الإذاعة لمبادئ الستة للثورة ولحركة الضباط.. وفى نفس اليوم ودون سابق إنذار هبت الجماهير بالالتفاف حول الثورة فى الوقت الذى كان للثورة «ثورة مضادة» يقودها ليس الملك الذى استمع تماماً لنصائح الحاشية بأن الأمر انتهى وأن عليه التنازل.. ونجحت الثورة ودخلت فى قراراتها المتتالية وكان أول القرارات المهمة قانون الإصلاح الزراعى الذى اتجه إلى المزارعين المعدمين الذين باتوا ملاكاً للأرض والرعاية الصحية والتعليم المجانى لكل مواطن.
الصحفية الألمانية
وقبل أن أدخل فى معركة عبدالناصر مع الإخوان أشير هنا إلى الصحفية الألمانية جيزلابون التى أعدت كتاباً عن الرجل بعنوان «عالم جديد على ضفاف النيل» وقالت إنه مزيج بين الفلاح والمعلم والجندى وأنه مصرى عربى وأنه رئيس الدولة الأفريقية المهمة وأصبح جندياً بمعنى الكلمة.
الثورة المضادة
ومع تأميم قناة السويس فى يوليو 1956 وإعادتها بخيراتها إلى الوطن قبل بدء الامتياز الذى كان معداً قبل الثورة للقناة مرة ثانية ودخلت مصر عبدالناصر حرب السويس بتآمر الاستعمار القديم إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر.. ونجح عبدالناصر فى هذه المعركة سياسياً وشهد العالم ببسالة المواطن فى مدن القناة دفاعاً عن تراب الوطن ولم لا وهم مع 12 ألفاً فى القرن الـ 19 صنعوا المعجزة بافتتاحها للملاحة الدولية كشريان رئيسى بين الشرق والغرب.
معركة السد
بعد حادث السويس والحرب دخل معركة بناء السد العالى للحفاظ على مياه النيل وخطط التنمية وإنتاج الكهرباء التى كانت تفسدها مياه الفيضان ونجح فى وضع حجر الأساس فى 9 يناير 1960 وانتهت معركته المهمة بعد تحويل مجرى النهر وختام المرحلة الأولى لينير جانباً من التنمية على ربوع المحروسة.. وكان قد أقام الوحدة مع سوريا بعد تشكيل منظمة عدم الانحياز الأولى فى 1955 والثانية فى 1958 ومعها كان الهدف تأسيس جيش وطنى قوى لأن عبدالناصر ورفاقه كان لديهم قناعة أن الدولة الوطنية والحفاظ على مؤسساتها يستلزم إقامة وتأسيس جيش وطنى قوى ويتم تسليحه بأفضل الأسلحة الحديثة.
البنية الصناعية
ووسط إنجازاته فى البناء الصناعى لدولة زراعية نجح عبدالناصر فى تأسيس أكثر من 1200 مصنع بينها مصانع للغزل والنسيج والحديد والصلب وصناعات الكيماويات والسيارات والتصنيع العسكرى وصناعات كثيرة كانت الثورة وراء تأسيسها فى ذلك الوقت وحققت مصر قبل النكسة واحدة من أهم خطط التنمية رغم الانخراط فى حرب اليمن التى اتهم بها لكن عبدالناصر كان آخر من وافق على دخولها وأقنعه السادات بأنها خطوة استراتيجية لحماية باب المندب وتحرير الجنوب المحتل فى ذلك الوقت «يقصد اليمن الجنوبي» وعاصمته عدن قبل الوحدة فى تسعينيات القرن الماضي.
سنوات الغليان
وحدثت نكسة 67 التى تعرض فيها الجيش المصرى لامتحان صعب بعد إغلاق المضايق فى تيران والضربة المفاجئة وبعدها استوعب عبدالناصر الدرس جيداً وأعاد تحديث جيش مصر ودخل حرب الاستنزاف وبعد نكسة يونيو.. وحتى وفاته بعد موافقته على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى روجر فى عام 1969.
ويظل يذكر التاريخ ونحن نحتفل بـ 107 أعوام على مولده أن الزعيم المصرى الذى صنع ثورة على الملك ورغم خسارته حرب 67 لكنه كان بشهادة أعدائه زعيماً وطنياً ألحق الذل بالاستعمار القديم لكنه ككثير من زعماء نظل نستدعيه فى المواقف والملمات وهذا حدث فى ثورة 30 يونيو عندما رفعت صورته مع صور الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى كان وزيراً للدفاع وقتها فى إشارة ذكية أن يوليو ثورة جيش حماها الشعب ويونيو ثورة شعب حماها الجيش، معادلة نادرة وناجحة بسيكولوجية ووعى المصريين الذين أدركوا أن دولتهم كما كانت قبل 52 تسير فى مهب الريح وإنهاء السنة السوداء لحكم الإخوان إلى ضياع.
كان عبدالناصر عينه مملوءة بالحضور والنظرة الثاقبة للأحداث ولمسنا أبناء جيلى هذا فى فلسفة الثورة وفى كتاب الرئيس السادات الذى نشرت حلقاته فى هذه الجريدة التى أنشأها عبدالناصر «هذا يا ولدى عمك جمال».
عبدالناصر الذى تعامل مع جميع دوائر السياسة المصرية دون أن يكون عضواً فى تنظيم وحيد وجد ضباب الجماعة الإرهابية لخطف الحكم كما فعلوا مع أحداث يناير فوجه لهم كلامه المهم وهتفت به الجماهير «الثورة ترفض وصايتكم».
وقالت «عبدالناصر قالها زمان لا أمان للإخوان» ودخل معهم معركة 54 و64 التى تزعمها القطبان مع أعضاء الثورة المضادة التى حاولوا هدم مشروعه النهضوى فى البنية التحتية وفشلوا فى النيل من مشروعه التنموى أو الصناعى أو العسكرى والتعليمى والصحي.
ويظل ناصر فى الذاكرة الحية كنموذج وطنى مصرى له ماله وعليه ما عليه لكن لم يختلف أحد فى وطنيته أو نظافة يده ومن هنا يستدعيه شعبنا كلما حلت به أزمة أننا لا نستسنخ ناصر لكن كل وطنى شريف مؤمن بإرادة هذا الوطن سيخلده الشعب ورجاله وفشلت جماعة الإخوان الإرهابية فى إسقاط مشروعه أو تشويه صورته فى ذاكرة الوطن وانحيازه للفقراء.. وكما استدعى رجال الجماعة الإرهابية فى عهده الاحتماء بدول فى أوروبا وإذا كان التاريخ يعيد نفسه عبر أبواق زاعقة ضد كل جهد وطنى للعزة والكرامة الذى تقف ضده الدولة اليوم معه.. السيسى ضد أبواق الغدر والخيانة وأعضاء الجماعة الضالة فى الخارج ومرشدهم الضال.. وستبقى مصر عبدالناصر بنسيجها الوطنى محكى للأجيال عن زعيم له كاريزما على رأسها حب مصر وعزتها وكرامتها ضد الأعداء القدامى والجدد.. واليوم أشبه بالبارحة فنجد المنطقة تتعرض لامتحان صعب تواجهه مصر السيسى بثوابت مصر الوطنية ورفض الفاشية الدينية وخلص مصر من خيانتهم وشرورهم بل وقاد معركة البناء للولة التى دمروها وبدءبناء مصر بسواعد أبنائها وجيشها الوطنى وشرطتها الباسلة من أجل مصر الوطن والمستقبل.