فى مثل هذا اليوم منذ 72 عاما بالتمام وبالكمال كان الاعداد لأكبر ثورة غيرت تاريخ العالم الثالث كله وليس مصر فحسب .. كان التاريخ قبلها فى المنطقة شيئا وبعدها واقع اخر.. يكفى ان نذكر انها كانت نفرة صحيان من سبات عميق ودينامو لتحرير شعوب العالم الثالث من قبضة الاستعمار بكافة صوره ، بل كانت المسمار الأخير فى نعش الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية اللتين خرجتا منتصرتين فى الحرب العالمية الثانية منذ 7 اعوام فقط بالتحديد عام 1945.
ثورة 23 يوليو 1952 التى قام بها مجموعة من الضباط الشبان بقيادة الزعيم جمال عبد الناصروالتى أطاحت بالاستعمار البريطانى بعد 70 عاما من الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى غيرت النظام الملكى إلى جمهورى اشتراكى بل وغيرت مسار مصر والشرق الأوسط و العديد من دول العالم والمنطقة.
ومازالت الأسئلة تتوالى حتى الآن رغم مرور 72 عاما على قيامها بداية من مسمى ثورة، حركة وطنية خالصة أم مدعومة لكن الذى لايجحده الا مغيب وحاقد وغير موضوعى أنها كانت حركة وطن قام بها بعض ضباط الجيش تحولت الى ثورة بالتفاف الشعب حولها من جهة، ولتأثيرها ولتغييرها وجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى ليس للدولة المصرية فحسب ولكن فى محيطها الاقليمى وخارجه.
المهم كان المسرح السياسى كله سواء فى الداخل او الخارج مهيئا لميلاد هذا الحدث الضخم.
دوليا كان الاعداد لميلاد نظام عالمى جديد بزعامة امريكا والاتحاد السوفيتى ولن يحدث ذلك الا على جثتى بريطانيا وفرنسا.
وعربياً كان الجيش المصرى يشعر بألم وغضب شديدين خاصة الضباط من الرتب المتوسطة الذين ذهبوا الى فلسطين بسبب فضيحة الأسلحة الفاسدة التى أدت إلى خسارة الجيوش العربية بما فيها الجيش المصرى أمام الجماعات الصهيونية المسلحة فى فلسطين عقب إعلان قيام إسرائيل فى مايو عام 1948.
وداخليا يكفى أن نذكر لوصف حالة الاضطراب السياسى ظاهرة واحدة وهى تغيير الحكومة خمس مرات خلال الفترة من يناير وحتى أواخر يوليو عام 1952 وللدرجة التى لم تدم واحدة من تلك الحكومات سوى 18ساعة!!
بالاضافة الى التطورات المتلاحقة بعد أحداث حريق القاهرة الذى وصفه البعض بأنه حريق فى عرش ملك مصر.. بالاضافة الى فضائح الفساد التى كانت حديث المصريين وسبب تململهم .. وكانت حكومة أحمد نجيب الهلالى آخر رئيس وزراء قبل الثورة قد قدمت إلى الملك فاروق استقالتها ، وصفها التقرير الاستخبارتى البريطانى بأنها كانت «مفاجئة للبلاد والملك نفسه»، لأن الهلالى أصر بشدة على الرحيل بعد 4 أشهر ويوما واحدا من تولى المهمة.
وكان سبب الاستقالة رشوى قدمها أحمد عبود باشا «رجل الأعمال» ، لمستشارين للملك كريم ثابت «المستشار الصحفي» وإلياس أندراوس باشا «المستشار الاقتصادي»، لخدمة مصالحه.
وتؤكد الوثائق البريطانية أن الهلالى باشا الذى بدأ فى حملة لمكافحة الفساد، كشف بالأدلة على مشاركة القصر فى فضائح مختلفة»، وأن الهلالى «رفض التعاون مع مستشارى الملك فى ستر الحقائق».
ويؤكد التقرير الاستخباراتى البريطانى إن «التأثير الضار لفضيحة عبود باشا على سمعة الملك ملحوظ للغاية فى الجيش».
ومن أشكال هذا التأثير «أن تكثف شيوع مناخ موات للفتنة والتحريض، وخاصة بين صغار الضباط».
لكن لم يتوقع معدو التقرير، وفق مصادرهم، أن يكون تحرك الجيش بالشكل الذى حدث يوم 23 يوليو
غير أنه نبَّه إلى أنه «من الممكن جدا أن بعض هؤلاء الضباط ربما يحاولون اغتيال عسكريين من قادتهم الذين يؤيدون الملك، أو حتى اغتيال الملك نفسه».
المهم تعالوا نقرأ فى هذا الملف ما حدث من خلال عدة مصادر
* المصدر الأول ما ذكره بعض الضباط الأحرار
* والمصدر الثانى بعض المذكرات التى أصدرها بعض المشاركين فيها بل قادتها المصدر الثالث ما ذكرته بعض الوثائق البريطانية والأمريكية
وتعترف وثائق بريطانية أنه رغم نفوذ بريطانيا باعتبارها قوة احتلال ذات نفوذ فى الحياة السياسية، فإن حكومتها الامبراطورية فى لندن فوجئت بالحركة التى تحولت إلى ثورة لقيت تأييد الشعب المصري، وأدت بعد 4 سنوات إلى رحيل بريطانيا عن مصر حيث وجه مجموعة من شباب الجيش المصرى أكبر لطمة للإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس وأجهزة مخابراتها كذلك المخابرات الأمريكية علموا بالثورة من الإذاعة ولم يسمع البريطانيون بالخبر إلا بعدما أعلنه أنور السادات عبر بيان إذاعى مختصر.
والمفاجأة الكبرى التى تكشف عنها الوثائق البريطانية أن لجنة الاستخبارات المشتركة كتبت تقريرا، قبل فترة قصيرة من الثورة يستبعد وقوع أى تحرك سياسى كبير يقلب الأوضاع فى مصر.. وبالنص قال التقرير:
«اعتقد أنه من المبكر جدا التنبؤ بشكل قاطع لا شك فيه بما سوف يحدث»، كما أبدى التقرير اطمئنانا إلى العلاقة بين الملك فاروق والمؤسسة العسكرية، ولكن ما حدث كان مغايرا تماماً لتطمينات هذا التقرير وذلك حسب شهادات الضباط الأحرار.. وإلى التفاصيل:
أنور السادات : اتصلت بـ «الامريكان» فجراً .. لتحييد واشنطن
كلفت ماهر بالوزارة وشاركته فى صياغة خطاب تنازل فاروق عن العرش والوصاية لابنه
قلت للبريطانيين فى اول مواجهة:
ما دخلكم بأسرة محمد على وحقوقها التاريخية هى أسرة انجليزية ولا أيه أمركم غريب والله…!!
الشهادة الاولى للرئيس أنور السادات تؤكد بقوة عدم دراية المخابرات الأمريكية بما حدث عكس ما يشيع البعض بان ثورة يوليو قامت بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية.
> يقول السادات : فى فجر ليلة 23 يوليو فكرنا فى الاتصال بالامريكان لنعطيهم فكرة عن أهداف الثورة فقد كانت صورة أمريكا فى اذهاننا مقترنة بحماية الحرية ومناصرة حركات التحرر.
> طبعا هذه الصورة وان بدت فى الظاهر حقيقية من وجهة نظر البعض الا ان انصار هذه الفكرة يتجاهلون حقيقة مؤداها ان الغرض منها هو وراثة الإمبراطورية البريطانية والفرنسية وتشكيل عالم قطبى جديد ولن يكون ذلك الا بمناصرة حركات التحرر من هذا الاستعمار تمهيدا لميلاد حقبة استعمارية من نوع جديد
المهم يستكمل السادات كلامه بقوله:
«وكنا نهدف من الاتصال تحييد واشنطن ولأننا لم نكن نعرف أحدا بالسفارة الأمريكية اتصلنا أو استعنا بضابط مسئول فى مخابرات الطيران، وكان اسمه علي صبري وكان صديقا للملحق العسكري الأمريكي ونقل رسالتنا الى مستر كافري السفير الامريكي في ساعة مبكرة من صباح 23 يوليو.. واعتبر السفير الأمريكي ما فعلناه لفتة طيبة منا ودعانا بعدها للعشاء في منزله بالسفارة فلبينا الدعوة جميعا.
> بعد ساعات من قيام الثورة وبعد مناقشات قررنا تكليف وزارة لإدارة شئون البلاد واتفقنا جميعا على اختيار علي ماهر باشا لبعده عن الأحزاب .. وقال لي عبد الناصر يا أنور أنت طول عمرك بتشتغل بالسياسة روح شوف علي ماهر عشان نكلفه بتشكيل الوزارة.
لم أكن أعرف بيت علي ماهر ودلني على بيته احسان عبد القدوس وتوجهنا معا اليه، واستقبلنا ماهر بترحاب وأبلغته بتكليف مجلس قيادة الثورة له برئاسة الوزراء واضطرب ولم يقل شيئا، فهمت انه محرج لان التكليف يأتي من الملك ثم إنه ليس واثقا من أن حركتنا سيكتب لها النجاح:
قلت له: إننا سيطرنا على الموقف تماما .
واثناء حديثنا مرت في الجو اربع قاذفات قنابل على ارتفاع منخفض فسألني اذا كانت الطائرات تابعة لنا قلت نعم ألم أقل لك اننا سيطرنا على كل شيء منذ الفجر.. كل القوات المسلحة معنا وكل المرافق الحيوية..كل شيء أصبح في أيدينا نحن نطلب منك تشكيل وزارة جديدة، وهذا أمر مجلس قيادة الثورة والذي هو صاحب الكلمة الوحيدة في مصر الآن.
سألني ماذا ستصنعون بالملك؟
>> قلت: هو حر يتصرف كما يشاء.
تليفون من الملك
في هذه اللحظة دق جرس التليفون في الحجرة المجاورة وتغيب علي ماهر بضع دقائق ثم عاد ليقول :
ان الملك قد اتصل به وانه وافق على تعيينه رئيسا للوزراء وسيستقبله في نفس اليوم في الاسكندريه
>> قلت له: مبروك.
وأبلغت أخواني بالقيادة بما تم و كسبنا الجولة الاولى
لكن كانت هناك جولات اخرى أولها انتقال قوات عسكرية للإسكندرية لمحاصرة الملك …
ولكي نكسب بعض الوقت اصطنعنا بعض المطالب التافهة من الملك كسبا للوقت وحتى لا يشك في حقيقة نوايانا نحوه
اتصلنا بعلي ماهر نطلب منه انتظارنا وعدم سفره بعد ظهر 23 يوليو لمقابلة الملك حتى يحمل مطالبنا الى الملك …
كان مطلبنا الحقيقي الوحيد هو رحيل الملك عن البلاد ولكن كان علينا إخفاء هذا الطلب حتى تصل قواتنا الى الإسكندرية.. وذهبنا أنا وعبد الناصر لعلي ماهر وسلمنا له مطالبنا وسافر بعد الظهر وفي الليل اتصل بنا علي ماهر من الاسكندرية وقال ان الملك قد قبل طلباتكم كلها وأسقط في يدنا… فقد كنا نعتقد ان الحوار سيبدأ.
وبناء علي ذلك رأى علي ماهر أن يحضر الى الإسكندرية اثنان من مجلس قيادة الثورة ليسجلا اسميهما في دفتر التشريفات ويكتبان شكرا للملك على الاستجابة الى مطالب الجيش.
>> قلت لعلي ماهر: سأدرس الموضوع مع زملائي!
جهزنا القوات يوم 24 وفي صباح 25 يوليو بدأت تتحرك …
عندما علم الملك بتحرك القوات أبلغ علي ماهر بما يحدث .
عندما اتصل بى على ماهر ليستفسر .. قلت له :
الثورة قادمة الى الاسكندرية لتأمين المرافق كما فعلنا في القاهرة، ولا داعي للقلق ثم انني شخصيا سأحضر الى الإسكندرية في المساء لتنفيذ ما اتفقنا عليه.
وفى ردهة القيادة العامة للقوات المسلحة قال لي عبد الناصر:
أسمع يا أنور خلصنا بقى من الجدع ده بسرعة ادي له إنذار ومشيه .. عاوزين نخلص منه بسرعة عشان تستقر الأوضاع في البلد.
قلت له: طيب.
وأثناء حديثنا مر محمد نجيب وعلم بالموضوع وطلب منا ان يذهب معي ووافقنا، وسافر معى نجيب فى طائرة عسكرية صغيرة الى مطار النزهة ثم توجهنا الى بلوكلي وهو مقر رئيس الوزراء الصيفي ودخلنا على علي ماهر وكان مضطربا فحاولت تهدئته وعند خروجنا من مقر رئيس الوزراء فوجئت بصحفيين من جميع الجنسيات ليسألوا عن «آخر الأخبار» .
قلت : لا جديد سألتقي برئيس الوزراء مرة ثانية في السادسة مساء توجهت الى قشلاق مصطفى كامل مقر قيادة القوات العسكرية بالاسكندرية حيث كان زكريا محيي الدين هناك .. كان جزءًا من قواتنا قد وصل والباقي في الطريق وأخبرني زكريا انه لن يكون مستعدا لمحاصرة مقر رأس التين وقصور الملك الأخرى قبل أن نوجه له الانذار الا في الساعة السابعة من صباح 26 يوليو.
لم يكن هناك مفر من التأجيل فاتصلت بعلي ماهر وطلبت منه تأجيل الموعد الى التاسعة صباح 26 يوليو.
حاصر زكريا محي الدين بالجزء الاكبر من قواته مقر الملك قبل لقائى مع علي ماهر وقامت معركة بين القوات وحرس الملك وأصيب عدد من الحراس وأنزعج الملك فسحب قوات الحرس واتصل بعلي ماهر ، كما اتصل بالسفير الامريكي يستنجد به خوفا من قتله فأرسل له سكرتيره الخاص حتى لا يخلق حساسية مع الثورة.
في التاسعة من صباح 26 يوليو اتجهت ومع اللواء نجيب الى بروكلي وكان بالبهو المؤدي الى حجرة رئيس الوزراء عدد ضخم من الصحفيين والكل يتطلع الي ويسأل ما الأخبار؟
وفجأة تقدم مني رجل عرفت منه انه مستشار السفارة الامريكية وسألني وهو في حالة انفعال:
لماذا حاصرت القوات الملك وكيف حدث اطلاق النار؟
نظرت له بلا مبالاة قائلا :
هذا ليس من شأنك!!
انسحب.. دخلنا حجرة علي ماهر لم أضيع وقتا .. فتحت الحقيبة في يدي وأخرجت منها الانذار الموجه من مجلس قيادة الثورة وهو بخط يدي الى الملك وطالبنا فيه بمغادرة الملك للاراضي المصرية في الساعة السادسة مساء يوم 26 يوليو، فان لم يفعل عليه أن يتحمل المسئولية كاملة!
كانت الصدمة واضحة على وجه رئيس الوزراء، ولكنه أفاق منها بعد لحظات واخذ الانذار ليبلغه للملك.
قبول الملك
وفي العاشرة والنصف أى بعد ساعة ونصف من تسليم الانذار اتصل بي علي ماهر وأبلغني أن الملك قد قبل الانذار ورجاني أن أذهب إليه في مكتبه للاتفاق على صيغة التنازل عن العرش للأمير احمد فؤاد كما طلبنا .
ذهبت الى مكتب علي ماهر ومعي جمال سالم وأطلعنا على صيغة التنازل ووضع أحمد فؤاد تحت الوصاية لصغر سنه، وافقنا على الصيغة ثم أرسلناها الى الملك فوقعها
وعلى الفور اتصلت بقائد المحروسة «يخت الملك الخاص » وطلبت إعداده للإبحار بالملك وأسرته في السادسة مساء، على ان يعود الي مصر بمجرد ان ينهي مهمته وفي اشلاء مصطفى كامل جلسنا نتلقى التهاني وفجأة وجدنا طلبا من القائم بالاعمال البريطاني والملحق العسكري واستقبلناهما وقدم لنا مذكرة باعتبارهما أصدقاء لنا يهمهم معرفة موقف الثورة من أسرة محمد علي وحقوقهم التاريخية وحظر التجوال لحماية أرواح الاجانب.
كان أول صدام لنا مع الانجليز بعد الثورة وقلت هذه فرصة لتلقينهم درسا كنا نطوق إليه طول عمرنا التفت الى الرجلين قائلاً:
ما دخلكم في أسرة محمد علي وحقوقها التاريخية هل هي أسرة إنجليزية .. أمركم غريب والله … !!
اما عن حماية الاجانب فيجب ان تعلموا ان هذه بلدنا ومنذ اليوم لا أحد مسئول عنها إلا نحن ونحن فقط !
وداع الملك
في السادسة مساء 26 يوليو 1952 غادر الملك فاروق مصر وكان في وداعة محمد نجيب وجمال سالم وحسين الشافعى … أما أنا فقد وقفت على ظهر البارجة إبراهيم في الميناء وهي أكبر قطعة بحرية عندنا في ذلك الوقت أراقب الطائرات وهي تحوم فوق المحروسة تحيي الملك.
في مساء 27 يوليو 52 دعانا عبد الناصر كمجلس قيادة الثورة وقال ان المرحلة الاولى من مراحل الثورة قد نجحت بخروج الملك أمس واليوم نحن المسئولون عن البلاد وبناء عليه يجب ان يتخذ قرار في أمر مهم ولكن قبل ذلك يرى من واجبه التنحي عن رئاسة الهيئة التأسيسية التي انتهت بنجاح الثورة ونحن من اليوم اسمنا مجلس قيادة الثورة.
خالد محيى الدين: عبدالناصر كشف حقيقة «الإخوان»
قال لهم : اذا كان لديكم نصف مليون عضو و4000 شعبة… فلماذا لا تضربون الاحتلال وتحركوا الجماهير
لم ينضم لـ «حديتو» واسمه موريس له حكاية!
.. وجنن عبدالهادى
حين جاء للتحقيق معه
فى عام 1944 جاء الضابط عبدالمنعم عبد الرءوف قائلا: تعالى سأعرفك بضابط يجب ان تتعرف عليه ـ والتقيت لأول مرة بعبدالناصر ـ بعد ذلك عرفنى عبد الرءوف بمحمود لبيب المسئول العسكرى بالاخوان المسلمين بدأت علاقة غريبة مع الاخوان عندما التقى ايضا عبدالناصر بمحمود لبيب وتكونت مجموعة عسكرية تضم العديد من الضباط ولم نعد نلتقى فى اماكن عامة ولكن فى المنازل.. كنا نجتمع فى بيت مجدى حسين واحيانا فى بيت الفنان احمد مظهر وكان وقتها ما زال ضابطا وفى هذه اللقاءات الاخوانية كان يحضر معنا جمال عبدالناصر وكمال الدين حسين وحسين حمودة وحسين الشافعى وسعد توفيق وصلاح خليفة عبد اللطيف بغدادى وحسن ابراهيم كانت هناك حساسية بيننا وضباط مع الاخوان المسلمين هم وجدوننا كنزا مستعدا لعمل اى شيء من اجل الوطن وهؤلاء الضباط لم يكونوا على ذات الدرجة من الولاء فمثلا صلاح خليفة وحسين حمودة كانا من الاخوان قلبا وقالبا اما الاخرون فكانوا مجرد عناصر تبحث عن طريق.. لسنا ضد الاخوان.. بل نحن معك.. لكننا لسنا معهم بالكامل.
عبدالناصر كان يعتقد ان الاخوان يريدون استغلالنا كضباط لنكون اداة فى ايديهم لكنهم لن يقدموا شيئا للقضية الوطنية وكان عبدالناصر يقول لهم فى الاجتماعات اذا كان لديكم نصف مليون عضو و4000 شعبة… فلماذا لا نبدأ بعمليات ضرب ضد الاحتلال ومظاهرات وتحركات جماهيرية.. كان دائما عنصرا مثيرا للقلق فى الاجتماعات وقد آمنت انذاك ان كتاب روجيه جارودى «الاقتصاد محرك التاريخ « صحيح 100٪ وربطت بين تحرير الوطن وتحرير المواطن وبدأت المشكلات.. وبدأت مشكلات المجتمع تشغل بالي.
ما هو برنامج الجماعة؟
سألت محمود لبيب فى اجتماعنا: ما هو برنامج الجماعة؟
يجيب الشريعة
أقول كلنا مسلمون ونؤمن بالشريعة لكن ماذا سنفعل لتحرير الوطن.. هل سنخوض كفاحا مسلحا أم نقبل بالتفاوض وماذا سنقدم للشعب من خدمات؟
كان يراوغ فى الاجابات واطارده حتى جاء لنا بحسن البنا المرشد العام للاخوان فى اللقاء الاول طرحنا انا وعبدالناصر آراءنا.. ورد علينا بهدوء وذكاء.. وقال لكم معاملة خاصة ولا نطلب منكم الولاء بالكامل مثل اى عضو.. ونحن الاخوان كبهو واسع يمكن لاى مسلم ان يدخله ليأخذ منه ما يريد.. ولو وضعت برنامجا كما تريدون سأرضى البعض وأغضب البعض الاخر.
لم تكن حجة كافية لاقناعنا وظل عبدالناصر مستريبا فى ان الجماعة تريد استخدامنا لتحقيق اهدافها واخيرا حاول البنا ان يشدنا الى الجماعة برباط وسيط وتقرر ضمى انا وعبدالناصر الى الجهاز السرى للجماعة واتصل بنا صلاح خليفة واخذنا الى بيت قديم فى حى الدرب الاحمر وقابلنا عبد الرحمن السندى المسئول الاول للجهاز السرى للاخوان وادخلونا الى غرفة مظلمة تماما واستمعنا الى صوت أعتقد انه صوت صالح عشماوى ووضعنا يدنا على المصحف ومسدس ورددنا خلفه يمين الطاعة للمرشد العام.
واعلنا بيعتنا الكاملة والشاملة له على كتاب الله وسنة رسولنا وبرغم هذه الطقوس المؤثرة فانها لم تترك الا اثرا محدودا سواء فى نفس عبدالناصر أو نفسي.
اخذونا للتدريب فى منطقة قريبة من حلوان بعد فترة اكتشفنا الوجه السياسى الحقيقى للاخوان فقد اقتربوا من اسماعيل صدقى للحصول على الورق اللازم لصحيفتهم ووقفوا ضد اللجنة الوطنية للطلبة والعمال وحاولوا تشكيل جماعة اخرى بالتعاون مع اسماعيل صدقى وشعرنا انهم مثل اى جماعة يفضلون مصالحهم ومصلحة جماعاتهم على ما ينادون به من مبادئ وعلى مصلحة الوطن.
شعرت انا وعبدالناصر اننا تورطنا اكثر مما يجب وعلينا ان ننسحب وبدانا نتباعد وكان ذلك عام 1947.
فى اوائل 1947 التقيت باحمد فؤاد وكان صديقا قديما ووكيل نيابة وشيوعى وطلب منى الانضمام اليهم وذهبت لحضور اجتماع لخلية شيوعية فى منزل بحى السكاكينى وكانوا مجموعة من الشباب ولا يوجد بينهم عسكرى واحد وكان المسئول عن هذه الخلية فى منظمة ايسكره الشيوعية موظف بشركة سكك حديد الدلتا واسمه الصحن ولم يستطع ان يكسب ثقتى ولا رغبتى فى مواصلة الالتقاء معه ولعل ايسكرة لم تكن موفقة فى ضم ضابط فرسان فى خلية مسئولها باش كاتب.. وانقطعت عنهم وعلمت بعد ذلك ان الصحن تركهم ولم افاتح عبدالناصر بالطبع فى مشاركتى بهذه المنظمة لكن فى عام 1950 التقيت مرة اخرى باحمد فؤاد الذى فتحنى مرة اخرى فى العودة..
وقلت له اريد أن أعرف موقفكم بالتحديد من الدين؟
قال كل الاحترام العميق.. لكننا ضد استخدامه كستار لحركات سياسية او لتحقيق اهداف سياسية بعد ان استرحت بكلامه طلب ترتيب مقابلة رئيس التنظيم مع عبدالناصر.. وبالفعل رتبت اللقاء فى منزلى وبعد اللقاء سأل عبد الناصر عنه فقلت انه مسئول فى منظمة حديتو «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني».. أبدى اعجاباً شديداً به وقال رجل كويس وكلامه كويس ولم يبد عبدالناصر اى حساسية من التعامل مع الشيوعيين… بعد فترة طلب احمد فؤاد انضمام ضباط حديتو الى تنظيمنا ووافق عبد الناصر بشرط ان ينضم الاعضاء فرادى وليس كمجموعة منظمة.. وكان شرط عبد الناصر شرطا دائما.. وقبلت حديتو وانضم لتنظيمنا عدد لا بأس به من الشيوعيين منهم محمود المانسترلى ودكتور محمود القيسونى واحمد قدرى وغيرها.. واندمج هؤلاء الضباط فى تنظيمنا وساهموا فى اعمالنا خاصة فى توزيع المنشورات بالبريد وطباعتها بالاضافة لمساهمة كبيرة ليلة الثورة.. وبدأت علاقاتى وعبد الناصر تتوطد مع احمد فؤاد وذات مرة كنا فى زيارته ووجدنا عنده شخصا قدمه لنا على انه الرفيق بدر وتحدث معنا حديثا سياسيا باهرا من خلال رؤية صافية للاحداث وبعد ان انتهى من كلامه سألت أحمد فؤاد: مين ده اجابنى السكرتير العام للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.. وعندما سألنى عبد الناصر عنه ؟
قلت السكرتير العام لحديتو قال: يعنى ايه؟
بيشتغل إيه قبل ما يبقى سكرتير عام؟
قلت: يعمل ميكانيكى بالطيران وثقف نفسه سياسيًا وفكريًا باختصار ميكانيكي.
صاح عبد الناصر: ميكانيكياً يعنى أنت ممكن تبقى عضو فى الحزب ده وتتلقى أوامرك من ميكانيكى ؟!
وظلت هذه الحكاية عالقة فى ذهن عبد الناصر وظل يرددها دوما فى تهكم احيانا وفى استنكار وحتى بعد الثورة وفى اجتماعات مجلس قيادة الثورة قال مرة مشيرا إلي:
ده زعيمه ميكانيكي.
لم يكن عبدالناصر يوما ما عضوا فى تنظيم حديتو واسمه الحركى له حكاية.. كانت حديتو تطبع منشورات تنظيمية وكان عبد الناصر بفرط حماسه يتسلم بنفسه من مسئول اتصال خاص وفى الموعد المحدد كان يلتقى عبد الناصر واسمه الذى يناديه مسئول حديتو «موريس» لكى يسلموا منشورات الضباط الأحرار.
فلم يكن عبدالناصر عضوا فى « حديتو».
المهم حدث الصدام بين عبدالناصر والشيوعيين.. وقبل الثورة تعاون معهم عبد الناصر بهدوء وبدون حساسية ولكن عندما نجحت الثورة تحولنا الى حكام وتغير الامر وشعر عبدالناصر تجاههم بحساسية بالغة..الشيوعيون غرتهم المشاركة معنا ونسوا الفارق فى التعامل بين مجموعة قليلة من الضباط سرا وبين التعامل مع ضباط يحكمون الوطن.. بالاضافة لاستنكارهم اقترابنا من امريكا.
جاء ثروت عكاشة ليبلغنى رسالة خطيرة عن عبدالناصر فقد ضبط البوليس لدى الجهاز السرى للاخوان كتابا من كتب الجيش الممنوع تداولها للافراد المدنيين عن كيفية استخدام القنابل اليدوية وفى اعلى الصفحة الاولى للكتاب وجد اسم اليوزباشى جمال عبدالناصر.. اثارت الواقعة الديوان الملكى من ان يكون للاخوان امتداد داخل الجيش.. وتولى التحقيق ابراهيم عبد الهادى رئيس الوزراء بنفسه واستدعى عبد الناصر ومعه الفريق عثمان المهدى رئيس اركان حرب الجيش..ودار هذا الحوار بين عبدالهادى وعبدالناصر
سأل عبد الهادى عبدالناصر: هل هذا كتابك؟
قال عبدالناصر: نعم
عبدالهادي: هل لك علاقة بالاخوان؟
* كنت أعرف ضابطا منهم اسمه انور الصيحي؟
* لمن سلمت هذا الكتاب !! .. رد : استعاره منى انور الصيحي.
* واين هو؟
* استشهد فى حرب فلسطين !!
* وهنا ثار عبدالهادي.. ودق المكتب بيده غاضبا وصاح: انت يا فندى بتضحك عليا انتم عايزين تخربوا البلد!!
ووسط هذه الثورة تذكر جمال ان فى جيب بنطلونه ورقة خطيرة هى الاصل الخطى لبيان سياسي..دق جرس التليفون وانشغل عبدالهادى بالمكالمة.. فاستأذن عبدالناصر فى الذهاب لدورة المياه ليتخلص من الورقة..
ويعود ليجد عبدالهادى قد هدأ قليلا ولكنه واصل تهديده قائلا: سيادة الفريق عثمان المهدى قال عنك «كلام كويس» ولولا هذا انا كنت وديتك فى داهية ومن الان فصاعدا انت ضابط جيش بس ولا علاقة لك بأحد .. وأعتبر عبد الناصر هذه المقابلة بمثابة انذار وقرر ان نبدا عملا جادا وبدا تشكيل الخلية الاولى للضباط الاحرار وفى بيته عقد الاجتماع الاول للخلية الاولى وضم عبدالناصر وعبدالمنعم عبدالرءوف وكمال الدين حسين وحسين ابراهيم وحسن ابراهيم وانا وقال عبدالناصر مع عبدالحكيم عامر لكنه لم يستطع الحضور اليوم وكان ذلك فى النصف الثانى من عام 1949 وهناك روايات مختلفة منها رواية انور السادات لكننى واثق مما قلته وقد يكون هناك مجموعات اخرى قبلنا او معنا لكنها كانت غير الضباط الاحرار وفى اوائل عام 1951 اتسع التنظيم بصورة لم نكن نتوقع مما جعل جمال يطالب بتوسيع لجنة القيادة وقد زادت الاعباء واتسع النشاط واقترح ضم عبدالحكيم عامر وكان وقتها اركان حرب فرقة مشاة وكان موقعه مهما لنا واثناء اتصالنا بالاخوان المسلمين كان عبدالحكيم اكثرنا كرها للاخوان باعتبارهم رجعيون ومسئولين عن افشال الحركة الجماهيرية فى 21 فبراير 46 وافقنا على ضم عبدالحكيم وبعدها باسبوعين نقل جمال الدين حسين عامر و حسن ابراهيم وعبد المنعم عبدالرؤوف وصلاح سالم وعبداللطيف البغدادى و كمال الدين حسين وخالد محى الدين ولكن العلاقات تعثرت مع عبدالمنعم عبدالرءوف بعد الحاحة بضرورة الالتحاق بجماعة الاخوان المسلمين ورفضنا طلبه بالاجماع وبدأت علاقته تتعثر معنا وانقطع عن الاجتماعات خاصة بعد نقله الى غزة ثم طلب عبدالناصر ضم انور السادات لما له من خبرة سابقة فى الانشطة السياسية ربما نحتاج اليها وفعلا تم ضمه الى الحركة والعجيب والغريب ان عبدالناصر قال لى بعد فترة وجيزة انه يشك فى السادات وانه كسول ولا يقدم للحركة شيئا.
قلت : ولماذا ضممته؟
اجاب : لانه مصدر مهم للمعلومات فهو على علاقة بيوسف رشاد طبيب الملك وبمستر سيمسون اسكر بالسفارة البريطانية.
وسألت عبدالناصر الا تخشى من السادات؟
قال ربنا يستر بس لازم نبقى صاحيين !!
واثناء زيارتى ذات يوم لادارة الجيش قابلت حسين الشافعى وكنت قد تعرفت عليه اثناء عملنا مع الاخوان وتم ضم الشافعى لنا بعد ذلك بفتره.
رشحنا اللواء محمد نجيب مع بعض الضباط فى انتخابات نادى الضباط امام قائمة الملك ونجحت قائمتنا.. واكد الاحرار وجودهم القيادى فى الجيش بهذا الفوز ووقف ضدنا حسين سرى عامر مدير سلاح الحدود الذى عين مكان اللواء محمد نجيب فى ادارة الحدود، وشعر اننا وراء هزيمته فى الانتخابات، ورد علينا بمقال مليء بالشتائم الامر الذى اثار عبدالناصر وقرر ان يرد عليه بقوة ليحفظ للاحرار مكانتهم..ومن خلف ظهر لجنة القيادة اتفق مع حسن ابراهيم وحسن التهامى وكمال رفعت على اغتيال حسين سرى واطلقوا عليه الرصاص وفشلت المحاولة.. وبدأ جمال يكرس بالامر الواقع رئاسته للضباط الاحرار وعندما قام بمحاولة الاغتيال ثار عليه صلاح سالم وعبداللطيف بغدادى وكان صلاح سالم غير راض عن عبدالناصر المميز ، وخرج من الاجتماع ليشكو لثروت عكاشة من ان جمال عبدالناصر يأخذ وضعاً اكبر منه ومن حقه وضع مساو لعبدالناصر.. وحكى لى ثروت ما حدث واخذته الى عبد الناصر وطلبنا تسوية مقبولة حفاظا على التنظيم واصطحبت جمال معى الى بيت صلاح سالم ، وانتهى اللقاء بصلح ظاهرى بين الاثنين وكان ذلك عقب حريق القاهرة.
وفى الواقع لم ينس عبدالناصر ما فعله صلاح سالم بعد ذلك اجرينا انتخابات لجنة القيادة وفاز بالرئاسة عبدالناصر والوحيد الذى لم يعطه صوته هو انور السادات الذى فوض عامر فى الادلاء بصوته لصالح حسن ابراهيم قائلا : اذا كنا نشكو من سيطرة عبدالناصر لننتخب شخصا لا يستطيع السيطرة علينا ، ويمكننا ان نتحكم فيه..وطلب منه التصويت لصالح حسن ابراهيم الذى منح صوته لعبدالناصر.. وظهر عبد الناصر رغم تصفية الاجواء غير مرتاح لجمال سالم وبغدادى والسادات وتوالت الاحداث ساخنة منذ حريق القاهرة ونزول الجيش للشارع واستعادة ثقته فى نفسه فى ضبط الامور وطرح عدد من التساؤلات وسط الضباط الاحرار عن دورهم و هل هو لحماية النظام الملكى ام لحماية مصر!؟
وتوالت الاحداث بقرار الملك حل مجلس نادى الضباط واحتمال تعرض محمد نجيب للفصل وكان قد انضم لنا عدد كبير من الضباط فى هذه الفترة بحيث اصبحنا تنظيما قويا.
فعلا اقترح عبدالناصر القيام بسلسلة اغتيالات للرد على قرار الملك بحل مجلس النادي..وتكون البداية مع حسين سرى عامر وحسين فريد وحيدر باشا وحسن حشمت واقترح جمال سالم اغتيال الملك ورفضنا اقتراحه لصعوبة تنفيذه !!
المهم تراجعنا عن فكرة الاغتيالات وحدثت واقعتان غيرتا مجرى الاحداث الاولى استدعاء الوزير محمد هاشم صهر حسين سرى رئيس الوزراء لمحمد نجيب وعرض منصب وزير الحربية عليه لاستقطابه عن حركة الضباط الاحرار وفى نهاية اللقاء قال محمد هاشم لمحمد نجيب ان السرايا لديها قائمة بأسماء 12 ضابطا هم المسئولون عن تحريك وقيادة الضباط الاحرار ولم يكن هذا هو الخطر الوحيد الذى جعلنا نعجل بقيام الثورة المهم عقدنا اجتماعنا يوم 20 يوليو وقررنا ان نتحرك خلال 48 ساعة وتحددت ليلة 23 يوليو.
ثروت عكاشة : قمت بتوزيع أوامر العملية على الضباط على ضوء شمعة !
فى يوم جمعة فى شهر مارس 1952 دق باب بيتى جمال عبد الناصر ومعه عبدالحكيم عامر فدعوتهما للاستماع الى الموسيقى وفوجئت بحالة شرود من عبدالناصر وعبد الحكيم وأعتقدت اننى نجحت فى التأثير على عبد الناصر فى عشق الموسيقى الغربية.. كانت صلتى قد توطدت بهما خلال فترة حرب فلسطين وكنت دائما ادعوه هو وعبد الحكيم عامر للمجيء لمنزلى للاستماع للموسيقى الغربية بالاضافة الى النقاش حول العديد من القضايا الفنية والثقافية وكان عبد الناصر فى هذه المرحلة يستمع للموسيقى الغربية وكنت احثه على مداومة الاستماع لها .
فى هذا اليوم الجمعة شهر مارس 52 واندهشت عندما وجدته يفكر فى أمر اخر أثناء استماعنا للموسيقي.
وفجأة وجدته يقول: احنا هنقوم بالثورة بتاعتنا فى أغسطس.
رددت : أنتم مش كنتم متفقين على القيام بها فى نوفمبر.
قال: لا بد ان نقوم بها فى أغسطس .
بعد هذا الحديث ذهبنا الى بيت حسين الشافعى وكان مجاورا لمنزلى لنخبره بهذا التطور الخطير فى تقديم موعد قيام الثورة، لكن حدث أمر آخر أكثر خطورة عجل بقيام الثورة من أغسطس الى يوليو.
فقد تلقيت مكالمة تليفونية اثناء تناول الغذاء فى منزلى مع حسين الشافعى من الاسكندرية من الصديق احمد ابو الفتح أخبرنى فيها انه تم اكتشاف تنظيم الضباط الاحرار، وأن هناك 14 ضابطا عرفت أسماؤهم من أعضاء التنظيم وسيقبض عليهم قريبا جدا… كما نقل لى خبرا آخر بأن حسين سرى عنبر وهو الخصم اللدود للضباط الاحرار سيعين وزيرا للحربية.
انتهت المكالمة التى حضرها حسين الشافعي.. وطبعا فهمت ان ابو الفتح اراد ان يبلغنا قبل فوات الاوان… ولم يكن أمامنا أنا والشافعى الا التوجه الى عبد الناصر فى منزله أمام المستشفى العسكرى بكوبرى القبة وأخبرته بمضمون المكالمة.
فسألني: وماذا تري؟
– اجبت: نقوم بالعملية وخاصة ان سلاح الفرسان جاهز بضباطه للقيام بالعملية.
وذكرت له احصاء بعدد الدبابات والسيارات المدرعة الموجودة، وبعد أن انتهيت من حديثى التفت الى الشافعى كى يشاركنى حماسى أو يدلى برأيه، ووافق الشافعى على وجهة نظري.
لم يتردد عبد الناصر وحدد يوم 21 يوليو لقيام الثورة حتى يعطى بعض الوقت لبعض وحدات المشاة من سيناء، ومن فرط حماسى فى التعجيل بالثورة قلت:
ولماذا ننتظر وصول قوات المشاة من سيناء، يكفينا سلاح المدرعات وهو كفيل بالقيام بالمهمة بمفردة ولا داعى للانتظار أبدا لكن عبد الناصر أصر على رأيه.
فى اليوم التالى جاءنى عبد الناصر وكنت وقتها ضابطا برئاسة أركان حرب الجيش فى ادارة التدريب الحربى ليؤجل الى الغد موعد قيام الثورة وذهبت فورا الى سلاح الفرسان لابلاغ الضباط المرابطين بجوار مدرعاتهم انتظارا لساعة الصفر!
عندما أبلغت الضباط بالتأجيل اعلنوا تأففهم من تأجيل الموعد ولكننى طمأنتهم بأن قادة الثورة أجلوا الموعد لضم عدد اكبر من الوحدات الاخرى الينا حتى تكون القوات المسلحة جاهزة تماما.
واعتمد تنظيم الضباط الاحرار فى سلاح الفرسان على خالد محى الدين وحسين الشافعى وأنا .. كان خالد يعمل وقتها فى التدريب العسكرى فى الجامعة وانا فى تدريب سلاح الفرسان وكان الشافعى هو الوحيد الذى يقود وحده سلاح الفرسان وإليه يرجع الفضل الاكبر فى تجنيد اكبر عدد من الضباط من المدرعات والدبابات ويأتى فى المرتبة الثانية خالد محى الدين .. أما أنا فلم أقم بأى عملية تجنيد واكتفيت بالحديث الصباحى اثناء تدريب الضباط على التنديد بالاوضاع.
فى الساعة الثامنة و قبل خروجنا للثورة زارنى جمال عبد الناصر فى منزلى ليتأكد منى ان ضباط سلاح الفرسان جاهزون للقيام بالثورة فى الموعد المحدد هذه الليلة.
طمأنته بأننا على أتم الاستعداد للتحرك فى الموعد المحدد ودعوته الى تناول سندوتشات خفيفة وبعض الحلويات مع باقى الزملاء حسين الشافعى وخالد محى الدين وعثمان فوزى ووجيه رشدي..
وبعد العشاء تركنا عبد الناصر لنستكمل خطة العمل.. وزعنا المهام فقد كان الشافعى هو قائد العملية لأنه اقدمنا رتبه، وتوليت مهمة اركان حرب العملية باعتبارى خريج اركان حرب وقاد خالد الكتيبة الميكانيكية.
بعد أن انتهينا من الاجتماع دخلت الى حجرة اولادى وقبلتهم وهم فى فراشهم واخذت مصحفى ومسدسى وسلمت على زوجتى وخرجت لا اعرف هل سأعود لمنزلى مرة اخرى أم لا ؟!
وقبل الموعد المحدد للعملية بساعة او ساعة أو نصف خرجنا من منزلى كى نطمئن على سير الاوضاع ووصلنا الى سلاح الفرسان وبعد دخولنا أنطفات الانوار فجأة لتزرع الشك والخوف داخلنا ان يكون الامر قد انكشف، فقمت بتوزيع أوامر العملية الى الضباط بنفسى على ضوء شمعة وكان الظن فى غير محله وقد كان مجرد عطل عادى وتأكدت ان كل شيء تمام ويسير حسب الخطة الموضوعة من الثورة ومن جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر
بعد نجاح العملية دخلت على عبد الناصر فى مبنى القيادة وبعد ان صلينا على البطاطين فى العراء وكان الامام هو حسين الشافعى طلب منى عبد الناصر التوجه الى منزله كى اطمئن زوجته على نجاح الثورة وذهبت ووجدت زوجته وشقيقه طمئنتهم وعدت الى سلاح الفرسان لمواجهة اى طوارئ من خلال الخطة الموضوعة لتأمين الثورة بواسطة المدرعات.
كانت هناك خطة أخرى أثناء النهار من خلال استعراض قوات مدرعة فى شوارع القاهرة كى نطمئن الجماهير على نجاح الثورة ولم أنم هذه الليلة مواصلا رحلة السهر ليلة الثورة.
وفى المساء قررت أن أذهب للبيت كى أنام بضع ساعات وبعد ساعة من وصولى فوجئت بتليفون من عبد الناصر يطلب منى السفر الى الاسكندرية على رأس قوة من المدرعات والدبابات لمحاصرة قصر الملك فاروق.
قلت لعبد الناصر: أرجو ألا تكون هناك دماء اطلاقًا وليخرج الملك وأسرته سالمين
رد: اطمئن يا ثروت احنا اتفقنا على كده.
وفى الساعة السادسة صباحا جهزت كتيبة دبابات وكتيبة سيارات مدرعة وتوجهت نصف كتيبة الدبابات الى اسكندرية من خلال قطار السكك الحديدية من محطة العباسية اما النصف الاخر فتوجه فوق حمالات على الطريق البري، ويرجع هذا التقسيم الى خوفى من اعتراض القوات للقطار فنكون استفدنا بالدبابات التى وصلت بالحمالات ..وبعد ان تأكدت من تحرك القطار ذهبت الى كوبرى الجلاء الموجود امام الشيراتون أنا وبعض الضباط لنتابع تحرك المدرعات الى الاسكندرية…
ووصل الجميع …القوات تحت قيادة حسين الشاكر الى الاسكندرية فى الوقت المحدد ..وكانت هناك قوات اخرى لحراسة مداخل القاهرة للقادمين من الاسماعيلية والسويس تحسبا لاى هجوم بريطاني.
من جهة اخرى قام عبد الناصر بعمل سياسى من خلال الاتصال الشخصى بالسفارتين البريطانية والامريكية عن طريق بعض الأعوان ليؤكد لهما ان الثورة عمل داخلى وسوف تلتزم الثورة بكافة الاتفاقات الدولية التى وقعت عليها الحكومات السابقة.
عماد الدين رشدى:
كنت فى العريش ليلة الثورة
كانت خلايا الضباط الاحرار تنتشر فى الجيش من خلال تنظيم سرى جدا كل خلية مكونة من خمس أفراد ولا يعرف هؤلاء أى خلية أخرى للدرجة التى لم نعرف باقى الخلايا الأخرى حتى بعد انقضاء عشرات السنين على قيام الثورة.
ليلة قيام الثورة كنت فى العريش ووصلت لنا الاخبار بقيام الثورة عن طريق مندوب الثورة صلاح سالم وجاء الى العريش وكان الضباط فى الفرقة ينقسمون الى ثلاثة اتجاهات… الاحرار الموالون للثورة… وفريق موال للملك ….وفريق اخر لا يعلم شيئا عن الثورة لكنه غاضب من الاوضاع السائدة عند قيام الثورة.
كنت قائد خلية من الخلايا الخاصة بالضباط الاحرار وتم ضمى للتنظيم عن طريق كمال الدين حسين وكان الوسيط بيننا وبينه طلعت خيرى الذى كان ينقل لنا اخر الاخبار والاستعدادات كان اول شيء قمنا به بعد ان علمنا بقيام الثورة هو تجهيز المدفعية للحرب خوفا من استغلال اسرائيل للموقف فتشن هجوما على مصر من جهة العريش.
قررت فورا عقد اجتماع مع الضباط الاحرار وقررنا اعلان حالة الطوارئ القصوى ورفعنا حالة الاستعداد 100٪ وبدأنا نجهز أنفسنا للعمل من أجل الثورة… كانت مهماتنا شرح الموقف لكل الضباط والجنود وصف الضباط.. ولم نجد صعوبة فى انضمام الجميع لنا بعد ذلك فقمت بالاتصال بالضابط رشاد مهنا قائد مدفعية الفرقة وكان محبوبا من الجميع لوطنيته ومواقفه الكثيرة الوطنية قبل الثورة، ورغم ان رتبته أكبر منى حاولت ان تستفيد الثورة من تأثيره القوى على الجميع وركبت معه السيارة الجيب وذهبنا الى باقى وحدات الفرقة ووجدنا هياجا بين الضباط لوجود ثلاثة اتجاهات كما قلت بينهم، وبجهد كبير نجحنا فى السيطرة على الموقف وتهدئة الامور وأصبح الجميع مواليا للثورة خاصة بعد ان جاء صلاح سالم من القاهرة وشرح لقائد الفرقة الموقف وأهداف الثورة ..وأرسلنا جميعا تلغرافات تأييد للثورة كان هدفنا الثانى هو حماية الثورة من الاعداء المتربصين بها مثل الانجليز الموجودين بالقناة وطبقة البشوات والملك وأنصاره ولهذا الهدف تم تشكيل وحدات خاصة لحماية الثورة وكنت من ضمن هذه الوحدات ونقلت من العريش الى الماظة فى القاهرة… وفى وحدة اعتبرت من الطلائع التى ستقاوم الانجليز عن طريق السويس اذا فكروا فى دخول القاهرة من هذا الاتجاه، بالاضافة طبعا لمواجهة أى قلاقل ضد الثورة، وظل هذا الواقع هادئا لمدة طويلة مع رفع درجة الاستعداد والطوارئ المستمرة حتى مارس عام 54.
ممدوح إسماعيل: كلمة السر كانت مصر
بدأت تتواتر أنباء من أوائل يوليو ان هناك شيئا ما سيحدث ، فقبل ليلة 23 يوليو بايام كان الجيش وقتها يتحول الى الطوارئ عندما نستشعر ان هناك شيئا ما وكان هذا يعنى ان معظمنا يجلس فى القشلاق وقليلا منا يأخذ إجازات ، ونبدل معهم.
قبل يوم 23 يوليو سارت إشاعة من بين مجموعة الضباط …
وانا فى الحقيقة لم أكن فى الخلايا السرية للضباط الاحرار لأننى كنت ومازلت متخرجا عام 1951 تكن الظروف تسمح بغير الايماءات التى نأخذها من حسين الشافعى : «الفصيلة جاهزة والذخيرة جاهزة».
> قلت : نعم.. قلتها بحماس شديد كى يشعر بالاطمئنان.
فى ليلة 23 يوليو جاء بعض من الاى الدبابات الى الالاى الخاص بنا.. أذكر منهم توفيق عبده إسماعيل و حسين الشافعى ومعه ثروت عكاشة وكان يحمل حقيبة بها أوراق صغيرة عبارة عن أوامر العمليات، وبدأ يوزع هذه الأوامر للضباط الأقدم ، أحمد على المصرى وإبراهيم عرابى وعبد اللطيف حجازي.
>> قلت : أنا فين من كل ده أنا أعمل إيه.!
> رد : أصبر لك مهمة كبيرة جداً.
أنتم بتلعبوا بالنار
فى هذه الاثناء دخل علينا مجموعة من الضباط من الخيالة وجاء أمير لاى حسن حشمت قائد اللواء المدرع وكان شخصية قوية جدا وكان مخيفا ودخل على حسين الشافعى وقال له بعنف: يا حسين أنتم بتلعبوا بالنار وهتودوا البلد فى داهية.
بعد هذا الموقف سألنى ثروت عكاشة عن ذخيرة أسلحة صغيرة.
قلت: موجودة.
قال املأ اللورى بذخيرة أسلحة وأذهب الى خالد محيى الدين.
ملأت اللورى وأخذت السيارة الجيب الخاصة بى وأتجهت نحو كتيبة خالد محيى الدين وكان أسمها الكتيبة الميكانيكية ـ وهى تضم عناصر المشاة التى ترافق الدبابات فى الأعمال الحربية لان الدبابات تحتاج لتعاون المشاة معها، وكانت هذه الكتيبة تقع فى آخر منطقة فى سلاح الفرسان عند مدخل المعهد الفنى الآن.
وعند اقترابنا من البوابة انقطع النور فى كل القشلاق.
>> قلت فى نفسي: يبدو انهم قطعوا النور وسيحاصروننا.
المهم ظللت فى طريقى الى الكتيبة الميكانيكية وكانت اول مرة أرى فيها خالد محيى الدين أعطيته الذخيرة وعدت وشاهدته وقد بدأ يوزع الذخيرة وقبل أن أترك مكانى قلت له باللغة الانجليزية لأننى لا أعرف أحدا من الواقفين خشية ان يشى بنا احد ان حسن حشمت قد قبض عليه ويعرف أسرار ما حدث .. قلت ذلك وعدت وقابلت حسين الشافعي.
وثروت عكاشة والذى كلفنى بمهمة جديدة بالخروج بفصيلتى لاحتلال المنطقة الموجودة عند تقاطع شارع الميرغنى مع شارع الخليفة المأمون لنؤمن نزول القوات القادمة من الماظة وأخبرنى ان خالد محيى الدين سيمر بعد فترة… جمعت جنود فصيلتين ولقنتهم تفاصيل المهمه وكانوا متحمسين جدا وكانت فصيلتى مكونة من سيارتان جيب للاستطلاع مسلحين بمدافع الرشاش وسيارتين مدرعتين كل واحدة بها المدفع الخاص بها من عيار 37 مللى والرشاش الموازى ورشاش آخر ..اى قوة نيران لا بأس بها ومدرعة من بقايا الحرب العالمية الثانية وكانت خاصة بالجيش الامريكى والغريب فى هذا الوقت ان العربات كانت أوتوماتيك ولم تكن بفتيس يدوي.
وتحركنا وقبل البوابة الموجودة على شارع الخليفة المأمون سمعت اطلاق نيران من أسلحة صغيرة بعنف غيرت اتجاهى ولفيت وخرجت من باب الخيالة ودخلت على مصدر النيران وجدت مشاة كثيرين فى المنطقة وبعضهم قد أخذ وضع الاستعداد وصوب اسلحته على السيارات الخاصة بنا وفهمت انهم تابعون للثورة .. قلت لهم انا معكم.
بالصدفة كان يوجد ضابط خيالة من الضباط الأحرار أسمه فاروق توفيق .. نادانى وسألنى أى مساعدة .. قلت: لا ..
وسرت فى طريق حتى الخليفة المأمون وشارع المرغنى وهناك وزعت القوة الموجودة معى ..وعشت حالة رعب… كلما مرت قوات أمامى قلبى يجمد أكثر ..فلم يكن معى ضابط غيرى انا وصف الضباط وجنود ، ومن الوجوه التى اتذكرها جيدا احمد شهيب وكمال حسين لأن الأول أوقفته قائلا: ما هى كلمه السر ؟
قال : مصر
قلت : أتفضل
قال لى بعد فترة أنا لست زعلان منك رغم أنك وضعت الطبنجة فى جنبي.
أما كمال حسين فقد كان شابا صغيرا جدا وأركان الحرب وكان ذلك ملفتا للنظر.. ومر على الليثى ناصر ثم جاء خالد محى الدين فى الساعة الواحدة ومعه عساكر لأول لها ولا آخر.. وقلت فى نفسي: خلاص حتى الجيش الانجليزى لا يستطيع ان يمر من هنا.. ومر أمامى قرب الفجر بعض الضباط الكبار المقبوض عليهم فى طريقهم الى الكلية الحربية التى تحولت الى معتقل مؤقت وفى الساعة السابعة صباحا وصل ثروت عكاشة وقبله خالد محيى الدين وقبلنى خالد وكانت التقاليد العسكرية هذه الايام تمنع مثل هذه العواطف من سلام وقبلات .. وكان معه ملازم أول حسين حسنى وقال لى أذهب نام ويستلم منك حسين ذهبت الى القشلاق وظللت طوال اليوم ومساء اليوم الثانى أخبرونا بأننا سنتحرك الى الاسكندرية وجاء حسين الشافعى وأعطانا الأوامر وهذه المرة كانت المجموعة كاملة بكامل قوتها.
كانت المجموعة بكامل قوتها لان الامور صارت تدار بشكل عسكرى صرف.
اسكندرية
قالوا : أنزلوا عسكروا هنا فى أرض الكرة.. وصرفنا التعيين واكل الجنود وفى الساعة السادسة صباحا وصل حسين الشافعى وقال : هيا يا جماعة .. وقسمنا الى مجموعتين… مجموعة ذهبت عند قصر رأس التين .. وأخرى عند قصر المنتزه.. وكان نصيبى قصر رأس التين مع ملازم ثان محمود سيد احمد وكان معلقا رياضيا بالاخبار ..وذهبنا الى رأس التين ووجدنا الشبابيك الخاصة بالحرس الملكى مليئة بالرشاشات والاسلحة وأخذنا حذرنا واخذت موقعى بجوار جراج السيارات الخاصة بالملك بالقرب من الحديقة الخاصة بمدخل القصر.. بعد فترة جاءت ثلاث دبابات وكان قائدهم رءوف اسعد وعندما أتت فصيلة المشاة بجوار الجراج ودخلت الحديقة وسمعنا صوت اطلاق النيران بشدة من الحرس الملكى لاقتراب المشاة من جناح الاميرات.. وكان داخله سرايا هجانة وفتحوا النار بمجرد اقتراب المشاة.. المهم وجدنا ضابطا ينزل من القصر ومعه سنكى عليه علم ابيض واتفق مع المجموعة الخاصة بنا على سحب المشاة بعيدا عن قصر الأميرات.. فانسحبوا وانتهى الأمر ولم تحدث اصابات وكنا فى ذلك الوقت نشاهد سيارات فخمة تدخل وتخرج من القصر حتى سمعنا ان الملك سيتنازل عن العرش كان ذلك يوم 26 يوليو.
وبعد الظهر وجدنا سرية من حرس الشرف الملكى تخرج ومعها سيارات الملك وانتهت الليلة ونمت فى سرير بالسيارة الخاصة بالضباط حتى جاءت الأوامر بالرجوع إلى أشلاء مصطفى كامل وظللنا هناك.
حسين الشافعى: اتفاق عبدالناصر مع «الأمريكان» كلام فارغ !!
البداية الحقيقية لتنظيم الضباط الاحرار كانت عام 1950ولم يكن لى اى اتصال مباشر مع جمال عبد الناصر وكان هناك ضباط فى سلاح الفرسان اعضاء فى التنظيم منهم خالد محى الدين ولكن عبد الناصر طلب منه الا يكلفنى بشيء على اساس انه سيتصل بى ويكلمنى شخصيا وبالفعل وكان فى هذه الاثناء مدرسا بالكلية الحربية وبدأ يكلمنى عن كل شيء فى التنظيم لكن تكليفى بان اكون قائدا للمدرعات كان فى سبتمبر 1951.
قابلت عبد الناصر صدفة فى سبتمبر فى ادارة الجيش حيث كنت منتدبا للعمل كمساعد مدير المستخدمين العسكريين تحدثنا عن اوضاع البلد وحالة الجيش وصراعات السياسة والبلد والجيش هو اللى حيدفع الثمن فى النهاية… لم يعلق عبد الناصر بأى كلمة رغم استماعه جيدا لكل ما قلت.. وارسل لى فى المساء كل من ثروت عكاشة وعثمان فوزى ليبلغونى ان اكون ممثلا للضباط الاحرار بقيادة المدرعات لحساب الثورة.. تهيبت من المسئولية خاصة وانا بعيد عن السلاح لانتدابى فى ادارة الجيش… المهم تم الغاء انتدابى فى 20 اكتوبر 1951 لاتسلم عملى كقائد للكتيبة الاولي.
كان عبد الناصر له مشجعون كثيرون وكان موضع تقدير للجميع.. عندما قامت ثورة يوليو لم يكن للامريكان مصلحة فى محاربتها انما العكس هو الصحيح .. فقد رأوا أنها تتحمل المخاطر وتحاول القضاء على الاستعمار الانجليزى لانتهاء دور انجلترا كدولة كبرى بعد الحرب العالمية الثانية، ومصالح الامريكان ان ينتهى الانجليز لكى يحلوا محلهم ومع ذلك لم يكن بين عبد الناصر والامريكان اى علاقة من اى نوع مجرد تلاقى فى المصلحة… عبد الناصر يريد تحرير بلاده من الانجليز وامريكا تريد اخراج الانجليز ليحلوا محلهم ..هنا التقت المصالح ولكن دون اتفاق ..امريكا تريد ان ترث انجلترا ..واستفدنا كثوار من التناقضات بين الاستعمار الجديد والاستعمار الحديث ..ومن يقل ان هناك اتفاقا بين عبدالناصر والامريكان كلام فارغ!!