عندما قال القسيس لفولتير وهو يحتضر على فراش الموت « تبرأ من الشيطان وعُد إلى إيمانك بالله «فكان رد فولتير» لا وقت لدى الآن لكسب مزيد من العداوات دعونى أرقد فى سلام « كان ذلك فى الثلاثين من مارس عام 1778م، رفضت الكنيسة الكاثوليكية وفقا لشعائرها دفن فولتير وتمكن أصدقاؤه من دفن جثمانه سرا فى إحدى الكنائس الكبيرة فى مقاطعة شامبانيا قبل أن يتم الإعلان رسميا عن قرار منع الدفن، وقد تم تحنيط قلبه ومخه بشكل منفصل. وفى يوليو من عام 1791، اعتبرته الجمعية الوطنية الفرنسية أحد المبشرين بالثورة الفرنسية وتمت استعادة رفاته للاحتفاظ بها فى مقبرة عظماء الأمة، ظهرت شخصية فولتير الحقيقية فى خطاباته التى كتبها أثناء سنوات نفيه وإبعاده خارج فرنسا، تظهر تلك الخطابات الحيوية المفرطة التى يتمتع بها فولتير وتعدد مهاراته وبراعته المتفردة فى التكيف مع كل المتغيرات والجوانب، كان فولتير لديه قدرة فائقة على التملق والنفاق ولا يتردد فى ممارسة هذه المهارات الهائلة، وكان لديه قدر وفير من السخرية القاسية على كل من يعارضه او يخالفه الرأى، وكانت مقدرته المهنية المجردة من المبادئ الخلقية وتصميمه على الخداع والتحريف فى أى اتجاه يرى فيه مصلحته أو يستطيع به الهروب من أعدائه، وينظر الكثيرون من المعاصرين إلى وحدة الوجود من منظور فولتير بشكل مجتزأ وخاطئ وينم عن سطحية شديدة ، يتساءل فولتير « ما الإيمان ؟ فهل هو أن نؤمن بما نستطيع أن نراه واضحا أمام أعيننا؟ لا، فمن الواضح تماما لعقلى – يقول فولتير – إنه من الضرورى وجود كيان خالد رفيع المنزلة عاقل ذكى فالأمر عندى – يقول فولتير – لا علاقة له بالإيمان، ولكنه مرتبط بالعقل، لذلك وصفه الكثيرون بأنه ملحد، وهاجم الكنيسة من خلال أحد أبيات الشعر وقال « رسالة إلى مؤلف الكتاب: المدّعين الثلاثة وقال ما ترجمته «إذا كان الله غير موجود، فسيكون من الضرورى أن نختلق نحن واحدا» ثم انتقل الى الهجوم على النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى مسرحيته « النبى محمد « ووصف العقيدة الإسلامية بالزائفة والهمجية ، وتطاول على النبى بما لا يليق ولا يقبل جملة وتفصيلا وشكلا ومضمونا، لكنه عاد وشرح وجهة نظره فى هذا كله، قال انه لم يشكك فى الكتاب المقدس والدين المسيحى وكان هجومه فقط على القائمين على الكنيسة الكاثوليكية، وبالنسبة لهجومه على الإسلام فقد استغل خطابا قام بارساله الى البابا بنديكت الرابع عشر، والذى قام بكتابته فى باريس فى 17 أغسطس فى عام 1745 ووصف فولتير الرسول محمد بأنه رسول «ديانة تتسم بالحكمة والصرامة والعفاف والإنسانية»، ودخل فولتير فى الماسونية قبل وفاته بوقت قصير وكانت رتبته مبتدئ، كان فولتير يعتقد أن الاستبداد المستنير هو مفتاح التقدم والتغيير، لكن مقالته الأهم فى تقديرى هى «الخطر الفظيع للمطالعة» وهذا موضع مقال آخر، لكن مثقفينا اختطفوا مقولة واحدة وجعلوها «الانترو» الخاص بأحاديثهم وهى «قد أكون مختلفا معك فى الرأى، ولكنى مستعد للموت دفاعا عن حقك فى إبداء رأيك» ولنا عودة.