بطبيعة الحال لا تمر الأحداث والصراعات والحروب والاغتيالات والاضطرابات دون أن تكون هناك دروس مستفادة ووقفات إستراتيجية لإعادة النظر فى كل شيء والتأمل فى الذات واكتشاف مواطن الضعف ونقاط الثغرات وتعظيم مصادر ومناطق القوة والقدرة.. فلا يمكن ان يمر ما يجرى فى المنطقة والعالم مرور الكرام ليجد الجميع أنفسهم أمام كنز من الدروس والنتائج والتأملات خاصة أولئك الذين هانت عليهم أوطانهم وفرطوا فى الكثير من الفرص التاريخية لتوحيد الصفوف والاصطفاف وإعلاء المصلحة الوطنية العليا ونالت منهم الانقسامات والانشقاقات والاختراقات وغطرسة وغرور القوة والنظرات الاستعلائية واقصاء أصحاب الرأى الآخر دون استماع أو انصات لعل يكون فيها ما يمكن الاستفادة منها والبناء عليه؟
ما أعظم مصر الوطن الذى دائماً يصنع الفارق ويأخذ بأسباب القوة والقدرة والاصطفاف ويفتح آفاق الحوار والاحتواء الوطنى للجميع ولم يكن الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى كافة الأحزاب والقوى والأطياف الوطنية للجلوس معاً على مائدة الحوار الوطنى تحت ستار الائتلاف لا يفسد للوطن قضية.. والوطن يتسع الجميع.. ونختلف من أجل الوطن.. ولا نختلف عليه.. نتناقش ونتحاور حول كافة قضايا وتحديات هذا الوطن.. ونجد مسارات تتوافق عليها لمجابهة الأزمات والقضايا العالقة التى تهم الوطن والمواطن فى احترام متبادل وإعلاء لمصلحة الوطن.. ونصل إلى طريق نتفق عليه جميعاً فى ظل قيادة تفتح قلبها وعقلها وتتسع إرادتها لتنفيذ مخرجات وتوصيات الحوار الوطنى وهو ما يحقق تطلعات وآمال المصريين ويعظم من بناء الوعى الحقيقي.. ويرشح الاصطفاف والتوافق ويزيل ويقضى على كافة احتمالات الاحتقان والانقسام ويبنى جسور التواصل ويدعم المسئولية الوطنية لدى الجميع.. فمسئولية الحفاظ على هذا الوطن.. مسئولية القيادة والحكومة ومؤسسات الدولة والشعب وكافة أطياف وفئات والقوى العاملة التى هى من نسيج المصريين.
لا يجب ان تمر هذه اللحظات الفارقة التى تشهدها المنطقة والمخاض الذى يمر به الإقليم مرور الكرام.. علينا ان ندرس أسباب ما حدث وما جري.. ولماذا؟ وكيف نمنع ونحول دون تكراره أو حدوثه؟.. وكيف نعظم من حصون القوة والقدرة والمنعه ونزيدها أضعافاً مضاعفة؟.
علينا أيضاً ان نتوقف حول أسباب الاختراقات الكارثية.. التى جرت فى حزب الله.. ودفعت لبنان بسببها فاتورة إضافية للخسائر والتكلفة الباهظة التى يسددها البلد الشقيق على مدار العقود الماضية.. فى ظل تشتت سياسى وتراجع وانهيار اقتصادى خطير وما هى الدروس المستفادة بالنسبة للحالة اللبنانية.. وهل يدرك الشعب الشقيق بكافة مكوناته وفئاته وأطيافه أهمية التوقف طويلاً أمام هذه اللحظة التاريخية من أجل لم الشمل ورأب الصدع وتحقيق الوحدة ولطالما نصحت مصر ودعت الأشقاء إلى ذلك والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة اللبنانية.. ومازالت حيث جددت دعوتها على لسان الرئيس السيسى خلال الاتصال الهاتفى مع رئيس حكومة تسيير الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتى ان مصر ترفض المساس بأمن وسلامة ووحدة الأراضى اللبنانية ولابد من ايقاف العدوان واطلاق النار لتجنيب المنطقة الانزلاق إلى منعطف خطير.. لم تتخل مصر يوماً على لبنان.. بل كانت ومازالت الداعم الرئيسى للأشقاء وكنت شاهداً على مجريات ما حدث فى حرب 2006 وما قدمته مصر إلى البلد الشقيق من دعم سياسى وانسانى شامل وواسع.. إضافة إلى المستشفى المصرى فى لبنان الذى يقدم العلاج الشامل لكل مواطن فى لبنان.. ومنذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلى على لبنان وجه الرئيس السيسى بتسيير جسر من المساعدات الإنسانية دعماً وتضامناً مع الشعب اللبنانى الشقيق.
ولم تتأخر مصر أيضاً فى تقديم الدعم والتضامن الكامل مع الأشقاء فى قطاع غزة على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والإنسانية.. فقد أعلن الرئيس السيسى منذ اللحظة الأولى التى انطلق فيها العدوان الإسرائيلى البربرى والوحشى على قطاع غزة فى الثامن من أكتوبر العام الماضي.. ان مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان قطاع غزة والضفة خارج الأراضى الفلسطينية أو محاولات توطينهم فى دول الجوار.. واعتبرت مصر ان ذلك «خط أحمر» وكانت مصر ومازالت هى الراعى والداعم التاريخى للقضية والحق الفلسطينى المشروع طبقاً لمقررات وقرارات الشرعية الدولية.. وأيضاً كانت مصر ومازالت هى مركز الاتصالات واللقاءات والزيارات والقمم لايجاد حل لايقاف العدوان الإسرائيلى وحرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة والحصار والتجويع والكارثة الإنسانية التى يعيشها سكان القطاع وأكدت على ثوابت الموقف المصرى وانه لا حل دائماً ومستمراً يحفظ للمنطقة أمنها واستقرارها وسلامها إلا بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وهو ما يؤكده الآن شرفاء العالم ومناصرى الحق الفلسطينى والمنظمات الأممية والدولية وأن أمن الشرق الأوسط رهن هذا الحال والرؤية المصرية ولم تدخر مصر وسعاً أو جهداً فى تقديم كافة أشكال الدعم الإنسانى حيث بلغت المساعدات المصرية الاغاثية والإنسانية 80 ٪ من اجمالى المساعدات الدولية واستقبال الجرحى والمصابين جراء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة لتلقى العلاج فى المستشفيات المصرية.
مصر أيضاً سعت بكافة السبل على مدار السنوات الماضية لتوحيد الصف الفلسطينى من خلال إنهاء حالة الانقسام الفلسطينى مؤكدة على أهمية توحيد كلمتهم ووحدة إرادتهم من أجل اكتساب القوة للبحث عن حقوقهم المشروعة بلسان واحد وإرادة صلبة ولذلك يدفع الشعب الفلسطينى ثمناً فادحاً جراء هذا الانقسام والتشرذم.. ولذلك تتصارع التساؤلات حول التقديرات والحسابات التى اتخذت على أساسها أحداث وما جرى فى 7 أكتوبر وهل كان يمكن تفادى ما تعرض له الشعب الفلسطينى من كوارث ومذابح ومجازر وحرب إبادة وسقوط أكثر من 40 ألف شهيد و100 ألف مصاب وجريح وتدمير قطاع غزة بالكامل وهل قرار 7 أكتوبر لم يضع فى اعتباره سبل حماية الشعب الفلسطينى بكافة أنواع الحماية أم ان القرار لم يضع فى حساباته كل هذه التداعيات الكارثية بمعنى الكلمة.. والذى لم يردع دولة الاحتلال.. ولم يوقف التوسع واحتلال مزيد من الأراضى واحداث هذه الانتكاسة فى البنية التحتية والأساسية الفلسطينية وتدمير وتشريد شعب بالكامل.. أم أن هناك من يقول وهذا منطق أيضاً انها المقاومة المشروعة ضد قوة الاحتلال الصهيونية.. لكن لابد ان يخرج الجميع بدروس مستفادة وهنا أنا لا ألوم ولكنها المناقشة ومحاولة للبحث عن حلول ومخارج ودروس أيضاً نستطيع بها ان نعالج تداعيات الحاضر وبناء المستقبل على أسس صحيحة.
ما جرى فى فلسطين (قطاع غزة) ولبنان بطبيعة الحال يحتاج وقفة مع النفس وإعادة الحسابات واستدعاء حتمى وضرورى لرؤية الدولة المصرية العميقة كدولة وأمة عظيمة تضرب بحذورها فى أعماق التاريخ تعرف كيف تتحدث قراراتها وتجرى حساباتها وتقديراتها وتضع الرؤى الصحيحة للحفاظ وبناء الدولة وكيف تردع المخاطر والتهديدات دون ان تطلق رصاصة وكيف تبنى حصون الردع والوعى والاصطفاف والتماسك وكيف تزرع الوطنية فى نفوس أبنائها؟.. وعلى الجميع قراءة ما جرى ودار فى مصر على مدار 11 عاماً.. انها تجربة ثرية وحافلة برؤى واستشراف للمستقبل وقراءة مبكرة وإرادة صلبة لحماية الوطن والحفاظ عليه وبناء الدولة الحديثة المحصنة وإدراكها الحقيقى لتحقيق أهداف الاستغناء والاكتفاء واستغلال الإرادة الوطنية وبناء القوة اللازمة والمتسقة والسابقة لحجم التهديدات والمخاطر وقبلهما التحديات.. ووصل نضج ورشد وحكمة القيادة وعمق رؤيتها إلى طرح مستقبل الوطن وأمنه واستقراره وسلامته فى ظل هذا الزخم غير المسبوق من المتغيرات الحادة وسريعة الايقاع فى المنطقة إلى دعوة الرئيس السيسى للحوار الوطنى بإيلاء قضايا الأمن القومى والسياسة الخارجية أولوية فى فعاليات الحوار ليكون هناك توافق واتفاق مصري- وطنى على أولويات الأمن القومى المصرى فى هذه الفترة بالغة الدقة وهو ما يزيد من عمق وقوة الاصطفاف والوعى والتشاركية فى الحفاظ على الوطن.
الحقيقة ان هناك مراجعة حتمية ولازمة ووجودية لابد ان تجرى فى الواقع الفلسطينى واللبنانى تصل إلى حد محاسبة النفس الوطنية.. وتقييم شامل للموقف ولما جرى وما هى سبل الخروج والحل ولضمان عدم تكرار ما حدث.. ولابد أيضاً من علاج ناجح ومستمر وفعال ودائم لكافة أنواع الانقسامات والعمل على بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها وان يستظل الجميع بالعلم الوطنى ودحر للمذهبية والطائفية والمحاصاصات وإعلاء المصلحة الوطنية العليا.. والعمل بحسابات وتقديرات مواقف تحظى باجماع وطني.