كان «إبليس» أول مروج للشائعات فى التاريخ حينما أقسم لآدم أن الشجرة الممنوعة هى شجرة الخلد قبل أن يكتشف آدم ذلك الخداع المبين، وورث أبناء إبليس وحواريوه هذه العمليات الخداعية وطوروها بأدوات وأساليب العصر من المشافهة والملاسنة إلى الكتابة والنشر وصولاً إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى إنتاج ونشر وتدوير الشائعات بعد خلق البيئة الحاضنة لنمو الشائعات، وبهذا تحولت الشائعة إلى سلاح فتاك يدمر ثوابت المجتمعات التى تعانى من الهشاشة المعرفية والكمون الحضاري، فيما مضى كانت الشائعات تطلق على نطاق محدود وبشكل فردى لتحقيق أغراض شخصية أو حتى على سبيل الهواية السوداء لإيذاء الآخرين كنوع من ممارسة الشيطنة الموروثة على الأبرياء.
>>>
أما الآن فقد تحولت إلى علم وإدارات متخصصة فى أخطر المؤسسات الاستخباراتية والعسكرية فى معظم دول العالم، قد تختلف مسمياتها من إدارات الحرب النفسية إلى مسميات أخرى أكثر غموضاً لكنها تفعل نفس الفعل لتحقيق نفس الأهداف.
لقد تضررت كل دول العالم دون استثناء من الشائعات بنسب متفاوتة وبحسب أهمية كل دولة، الولايات المتحدة أقوى دولة فى العالم تعرضت لموجات عديدة من الشائعات كان آخرها أثناء اشتعال حرائق لوس انجلوس حتى اضطرت الإدارة المحلية إلى أن تسمى فريقاً لمواجهة الشائعات التى كانت تنتشر بشكل أسرع من اشتعال النيران وكان القضاء على الشائعة أصعب مائة مرة من مواجهة الحريق وإطفائه.
>>>
أما مصر فتعتبر الدولة الأكثر تعرضا للشائعات فى المنطقة على مدار السنوات الماضية، والسبب الرئيسى فى ذلك هو وجود فصيل الإخوان الإرهابى والذى يمتلك قدرات مالية وتمويلية مكنتهم من تجنيد كتائب إلكترونية وتدريب كوادر وقواعد الإخوان ومناصريهم على إنتاج وإصدار ونشر وتدوير الشائعات، حيث تبدأ الشائعة بتغريدة أو بوست على صفحة أحدهم ثم يتم الاستعانة بها فى أحد المواقع الإخبارية التابعة لهم ومنها إلى الشاشات الإخوانية أو المناوئة للدولة المصرية لتجد الطريق مفتوحاً أمامها للنشر فى أحد المواقع الأجنبية ومنها إلى المؤسسات الحقوقية لتنشر عنها التقارير المطلوبة لتلتقطها الصحف الأجنبية والإعلام الدولى ليضفى عليها قدراً من المصداقية المصطنعة وهكذا يتم تحويل تغريدة مكونة من بضع كلمات إلى تقارير وملفات تجوب الآفاق.
>>>
وعلى سبيل المثال إذا خرج القيادى الإخوانى حلمى الجزار بكتابة تغريدة ما سينقلها عنه موقع عربى 21 ثم تنقل قنوات مكملين والشرق عن الأخيرة، ثم ينتقل الملف إلى مراكز الدراسات التى يعمل بها إخوان فتقوم بنشره مجدداً فى صورة بحثية ومن مراكز البحوث إلى الصحف الأمريكية والغربية وأخيراً إلى المحطات التلفزيونية الكبري، أما أخطر هذه الشائعات فهى التى ترتبط بالأحداث المشتعلة كحرب غزة على سبيل المثال، فقد تعرضت مصر لكمية شائعات أطلقها عليها الإخوان أضعاف ما تعرضت له إسرائيل من هجوم على جرائمها الموثقة، بيد أننا أمام نوع من الاستعمار الذى يستهدف العقل ويبدأ بتشويه الوعى الجمعى ومحاولات ضرب الاصطفاف الوطنى فى الصميم، وهذا يتطلب سرعة وضع خطط عملية وعلمية وقابلة للتطبيق والقياس لمواجهة هذا الخطر.
>>>
وبعيداً عن المتداول فى هذا الشأن فهناك تطبيقات تكنولوجية لتتبع الشائعات وكشفها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتى تستخدم الخوارزميات شديدة التطور لتحليل البيانات والمعلومات ورصد المزيف منها بشكل مباشر أتوماتيكي.
وفى عام 1990 كشفت مذكرة خرجت من إدارة الحرب النفسية الأمريكية عن «الشائعة النموذجية» ووضعت حزمة مواصفات ضابطة لعملية إنتاج وتداول وتدوير الشائعات كما يلي:-
– أن يكون من السهل أن يتذكرها الجمهور المستهدف حتى يساعد فى نشرها عبر الاتصال الشخصى مع آخرين مشابهين.
– أن تكون الشائعة سهلة وبسيطة وبدون تفاصيل وغير معقدة وتتضمن شائعة محددة بمعلومات محددة.
– أن يكون موضوع الشائعة مرتبطاً بمصلحة مباشرة مع الجمهور المستهدف ومتعلقة بظروف يمر بها هذا الجمهور وتأتى الشائعة لتشبع احتياجاً لديهم.
– الشائعة الناجحة تلهب مشاعر الجماهير وتستغل عواطفهم وتعمل على إثارتها فى توقيت محدد بشكل محدد.
– أن يكون موضوع الشائعة مرتبط بسوابق تاريخيّة أو أحاديث سابقة.
– يجب أن يكون موضوع الشائعة مرتبطاً بتوقعات الجمهور وليس بها قدر كبير من المبالغة.
– يجب ألا تكون الشائعة منسوبة لمصدر أو مصادر موثوقة.