الصمت أو «التطنيش» فن من فنون التعايش فى الحياة، بمعنى أنه قد يتجاوز أحدهم فى التعامل معك أو نقع نحن وغيرنا فى زلات وهفوات، ومن المهارة والذكاء الاجتماعى هنا الصمت أو «التطنيش» أو التغاضى وتجاهل المسيء وتصرفاته وسلوكه و عدم الانتباه لها أو التعليق عليها، لأنه فى حالة الانتباه لهذه التجاوزات قد تتفاقم المشكلة ويتعرض الطرفان لأمور مؤلمة فتترك فى النفوس أثراً غير طيب.
والصمت والتغاضى لا يعنى جبناً أوتخاذلاً، بل هو كرم وحلم وترفع عن سفائف الأمور وصغائرها، وترفقاً بالآخرين وعلاجا صحيا لهذه الهفوات والزلات، فإن القليل من التغاضى قد يعيد المسيء إلى رشده أو يكون رداً رادعاً يوقفه عن التمادي.
وقد قال أحمد بن حنبل «تسعة أعشار حسن الخلق فى التغافل».. وقال الحسن البصرى «مازال التغافل فى الكرام»، و قال معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه «ثلث العقل فى الفطنة وثلثاه فى التغافل»
وهذا السلوك الأخلاقى يجنبك الوقوع فى مغبة المشكلات التافهه التى تنتج من كلمة هذا أو ذاك فإن هذه التفاهات خاصة التى نجدها فى «بوستات» على صفحات «الفيسبوك» تبدأ ببعض الكلمات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع ولا تغير من الواقع شيئاً، ولكن يضيق صدر الإنسان بها فيعقب عليها و قد يتملك الغضب منه وتتسع دائرة النقاش إلى مناظرة فيتم التراشق بالشتائم وأسوأ الألفاظ ويتحول الأمر إلى حلبة صراع بينما هو فى الاساس زلة أو هفوة يمكن العتاب عليها بعد أن تهدأ الأمور وتتصافى النفوس.. التغافل وقت الغضب ذكاء، لكن التغافل وقت النصيحة البناءة والتحدث مع الناس تكبر وغرور، فانتبه متى تتجاهل.
الهفوات والزلات تختلف عمن يرمى بالكلمات وهو يلبس قناع السذاجة لاستفزاز الآخرين فهذا أيضاً عقابه الصمت والتطنيش « لأن تبادل الحديث معه يعطيه فرصة لعرض مواهبه من الفبركة و التهليل والنفاق والتضليل وتقمص دور البطولة فى مسرحية هزلية من المبررات والحجج.
وفى النهاية: الذكى لا يدقق فى كل صغيرة وكبيرة كى تحلو مجالسته، وتصفو عشرته ومن كثر علمه قل إنكاره والحكمة ميزان العاقل متى يتكلم ويعقب و ينتقد ويرد و متى يصمت أو «يطنش»
ويقول الإمام الشافعى إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت.
سكتُّ عن السفيه فظنّ أنى عييتُ عن الجواب وما عييتُ
فإن كلمته فـرّجت عنـه وإن خليته كـمدا يموت