
بقدر ما يغضبني بعض المصريين ممن لا يريدون أن يتركوا لأنفسهم مساحة فهم موضوعى لما يحدث من تغيير حقيقى وغير مسبوق على أرض بلدهم ويسارعون في انتقامية شديدة بالهجوم على الدولة ومحاولة تشويه كل شيء بقدر ما يسعدني أن أجد أشقاء في دول أخرى يتحدثون عن هذا البناء بفخر ويثنون عليه ويعتبرونه نجاحاً كبيرا بل ويتباهون به فرحة لمصر التي يعشقونها ويعتبرونها وطنهم الثاني.
هذا ما وجدته في دولة الكويت. فالأشقاء لديهم اعتزاز وسعادة بما تشهده مصر بل وبمواقفها وجدت لديهم إدراكا للدور المصرى الحقيقي في مساندة أبناء غزة ومحاولة إنهاء الحرب وإفشال مخطط تصفية القضية، مثلما لمست منهم الماما كاملا بزيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الأخيرة وجولته بالحسين وخان الخليلي وكأنها كانت جولة في الكويت وسوق المباركية التاريخي، ويعرفون قيمة الرسالة من هذه الزيارة التى لا يراها للأسف بعض المصريين عن عمد بل وبعضهم حاول أن يقلل منها.
كان اللافت أن الصحف الكويتية لم تكتب عن الزيارة التي قام بها الرئيس السيسى لدولتهم فقط، بل استثمرت الحدث لتفرد مساحات كبيرة للحديث عن التجربة المصرية والنجاح الذي تحقق في زمن قدره عشر سنوات فقط من البناء، رغم التحديات الصعبة، والأهم أنهم يتحدثون بحب خالص فمن ينظر إلى ما حققته مصر في عهد السيسى بعين واعية وتجرد فسيدرك أنه بالفعل نقل مصر نقلة نوعية، ووضعها على طريق النهوض بل ويرون أن ما تحقق من بناء خلال السنوات العشر الماضية لم تشهد أية دولة مثيلا له حتى فى دول الاتحاد الأوروبي.
هذه الرؤية ليست مجرد رأى فردى بل وجدتها حاضرة لدى الكثير من المسئولين والمستثمرين والكتاب في الكويت، تحدثت مع الكثير منهم ووجدت أن ما يجمعهم هو الاحترام الشديد لما حققته مصر والخطوات التى تتخذها القيادة السياسية في سبيل استكمال البناء، مثلما يقدرون الدور المصرى المتفرد في تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة وكذلك مواقفها التي لا يمكن تجاهلها في دعم القضايا العربية وحماية الأمن القومى العربي وتوحيد الصف العربي ويراهنون عليها كثيرا ثقة في قدرتها وحكمة قيادتها.
أحد كبار الكتاب الصحفيين بالكويت لخص رؤيته لمصر مع الرئيس السيسى بأنها عادت رقما صعبا وعاصمة مؤثرة إقليميا وعالميا وصانعة للقرار حتى أنه لا يمكن أن يحدث أمر دون الرجوع إليها، خاصة ما يمس الأمن القومى العربى أو منطقة الشرق الأوسط.
وهذا نفسه ما يراه أحد كبار المستثمرين الذي يعتبر أن مصر نجحت خلال الفترة الأخيرة في أن تفرض نفسها من جديد بما حققته من بناء وأمن واستقرار وأن تكون فرصة واعدة سيندم من لم يسارع لاستثمارها في مشروعات وشراكات، فما تمر به الآن من وضع اقتصادي هو وضع عابر لن يستمر طويلا وستعود أقوى وأكثر جذبا للاستثمار.
النقطة المهمة أيضا أن كل من تحدثت معهم يتفقون على أن من لا يرى أن هناك قوى إقليمية ودولية لا تريد لمصر الاستقرار فهو لديه مشكلة في الفهم والرؤية، ومن لا يدرك حجم الضغوط التي تعرضت ومازالت تتعرض لها القاهرة في سبيل تنفيذ مخططات التهجير فسيكون عليه أن يراجع نفسه ويصحح أفكاره. الأشقاء فى الكويت لديهم محبة خاصة وخالصة لمصر لا يترددون في الإعلان عنها، كما أن لديهم قناعة بأنها الركن الأساسي الذي يجب أن يحافظ عليه العرب قويًا ثابتاً لأن في ثباته ثباتاً للأمة، ولهذا تجدهم مهتمين بما يحدث فى مصر ويتابعون جيداً ما تشهده من تطورات وما تتخذه من خطوات، بل ويترقبون مواقفها المختلفة من كافة القضايا لأنها تعتبر بالنسبة لهم مؤشراً مهماً، خاصة في ظل التوافق الكبير بين البلدين في هذه المواقف.
ولكل هذا كانت سعادتهم بالاستقبال الخاص الذي حظى به الرئيس السيسى من أخيه سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ويرونه استقبالا يليق بزعيم عربى يستحق الاحترام والدعم والمساندة لمواقفه الثابتة في هذه الظروف الإقليمية الصعبة والتحديات الخطيرة التي تواجه مصر والأمة كلها.
وأن هذا الاستقبال ترجمة أميرية ذكية لقوة العلاقة والتفاهم المصرى – الكويتي والتقدير المتبادل بين القيادتين والذى تم التعبير عنه بوضوح من الطرفين حيث أكد سمو الشيخ مشعل أمير الكويت خلال لقائه السيد الرئيس، على الدورين التاريخى والمحوري لمصر في تطوير وتنمية دول الخليج، وكذلك تعبيره عن إعجابه بالجهد الدءوب الذي يبذله الرئيس في سبيل إيقاف الحرب على غزة ومنع التصعيد بالمنطقة، وفي المقابل أشاد الرئيس السيسى بالتقدم والازدهار الذي تشهده الكويت فى السنوات الأخيرة وأكد حرص مصر على تعزيز العلاقات مع الأشقاء في كافة المجالات.
هذا الاحترام المتبادل والتفاهم والتوافق هو كلمة السر في كل خطوة تخطوها الدولتان في سبيل توطيد أكبر للتعاون وتعميق الشراكة وهو ما ظهر في البيان المشترك الذي صدر عن الدولتين وشدد على مواصلة السعى لتعميق أكثر للتعاون الاقتصادى والاستثمارى ومواصلة التشاور رفيع المستوي.
عندما نتابع تفاصيل الزيارة الأخوية التي قام بها الرئيس السيسى إلى الكويت والتقى خلالها شقيقه الأمير مشعل وولى العهد الشيخ صباح سنجد أن هناك ملفات عديدة تمت مناقشتها وقضايا تم طرحها وتبادل الرأى حولها، وكلها تمثل اهتماماً مشتركا وتتطلب التشاور والتعاون وتوحيد الرؤي.
وكان في مقدمة هذه الملفات فلسطين التي لم تكن غائبة لأنها لا تغيب أبداً عن الأولويات المصرية، ومثلما تصدرت مباحثات الرئيس في قمته مع الأمير تميم بالدوحة، كانت أيضاً متصدرة فى القمة التي جمعته بالشيخ مشعل في قصر بيان، وكان التأكيد مجدداً على الثوابت التي لا تتغير رغم الضغوط المستمرة، فقد أعلنت قمة الكويت بين الزعيمين الرفض التام لتهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، وضرورة وقف الحرب فوراً والبدء فى الإفراج عن الأسرى والمحتجزين مع التشديد على ضرورة فتح آفاق للحل السياسي الذي يحقق الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 67 لأنه لا استقرار ولا أمن بالمنطقة إلا بحل الدولتين.
وعندما نلاحظ الحرص فى كل قمة للرئيس السيسى وأشقائه من القادة العرب أن يكون الملف الفلسطيني في المقدمة فإن الرسالة واضحة وهى التأكيد على أن هناك موقفاً عربياً موحداً وحاسما في رفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو اقتلاع الشعب من أرضه وأن هذا التوافق يحظى بدعم دولى مثلما تحظى خطة إعادة الإعمار التي أعدتها مصر بتأييد عربي وإسلامي وتوافق دولي، وهذا فى حد ذاته حصار سياسي ودبلوماسي مصرى وعربي للمخطط الاسرائيلي، ويجب أن يستمر لأنه يفسد كل التحركات الإسرائيلية الخبيثة.
ولأن مصر دائماً منشغلة بالقضايا العربية فقد كانت ملفات السودان وسوريا ولبنان واليمن حاضرة أيضاً في المباحثات من الدوحة إلى الكويت مع التأكيد على الثوابت فى هذه الملفات والتي أعلن عنها في قمة قصر بيان والبيان المصرى الكويتي المشترك وفى مقدمتها دعم كل ما يحقق استقرار هذه الدول وسلامة أراضيها وإنهاء الصراعات فيها، ومساندة الدولة الوطنية ومؤسساتها، وعدم السماحبالتدخلات الخارجية فى شئونها، مع الحرص على أن يكون هذا أيضاً موقفاً عربياً موحداً.
هذا الموقف العربي الموحد في حد ذاته جزء من الأولويات المصرية ويعتبره الرئيس السيسى ضرورة لا غنى عنها ويسعى إليه من خلال تواصل التشاور وتوحيد الجهود والرؤى العربية ليس فقط تجاه القضايا التي تمس الأمن القومي العربي بل وأيضاً حيال القضايا والتطورات الاقليمية والدولية عموماً، إدراكاً لأهمية أن يكون هناك موقف موحد وحاسم وواضح يحمى الحقوق العربية ويفرض إرادة الأمة فى ظل ما تشهده المنطقة من تطورات وتداعيات في منتهى الخطورة ولا تستثنى أحدا.
فمخطط التهجير يحتاج موقفا عربيا موحداً والأزمة الاقتصادية العالمية والحرب التجارية المشتعلة دوليا تحتاج رؤية عربية موحدة، ومصير الحرب الروسية – الأوكرانية تتطلب موقفا عربيا موحدا، لأنه لا بديل ولا سبيل لحماية الأمن القومي العربي دون هذا التماسك والتوحد العربي ولهذا تأتى جولات الرئيس العربية واتصالاته المستمرة مع أشقائه، وكما أكد أحد الوزراء الكويتيين السابقين فإن الأوضاع الصعبة التي تمر بها الأمة تتطلب بالفعل دورا قياديا من مصر بالتعاون مع دول الخليج والمغرب العربي بما يسهم في اتخاذ خطوات تحمى مصالحنا ومقدراتنا وأمننا القومي.
العلاقات الثنائية كانت أحد الملفات المهمة أيضا في الزيارة وقد عكست المناقشات اهتمام الدولتين بتعزيز هذه العلاقات وتطويرها على المستويات كافة، وحسن استثمار قدراتهما.
وفي هذا الاطار يجب أن نتوقف أمام أمرين الأول هو الطرح المصرى المميز لما أصبحت تمتلكه من قدرات وبيئة جاذبة للاستثمار وأنها تمثل فرصة واعدة للمستثمرين العرب، وهذا ما أكد عليه الرئيس في لقائه مجتمع الأعمال القطرى، وهذا أيضا ما سمعته من عدد من المستثمرين الكويتيين الذين أكدوا أن من لا يستثمر فى مصر الآن سيخسر كثيراً لأنه بلد واعد ومستقبله كبير.
واللافت أن رجال الأعمال والمستثمرين العرب راصدون بدقة للقطاعات المصرية التي تشهد تنمية وتطويرا مثل قطاع الاتصالات والبنية التحتية والمدن الجديدة وقطاع الصناعة خاصة صناعة السيارات والطاقة المتجددة، وكذلك الزراعة ويؤكدون أنهم يعملون على ضخ استثمارات كبيرة في هذه القطاعات، بل وبعضهم بدأ بالفعل، وإذا كانت الاستثمارات الكويتية في مصر تتجاوز الـ 20 مليار دولار مما يجعلها فى المرتبة الثالثة فهناك رغبة مؤكدة في زيادتها وتنويعها بشكل أكبر الفترة القادمة. الأمر الثاني هو التجاوب العربى الواضح مع الأجواء الاستثمارية المتميزة في مصر فكما أعلنت قطر ضخ استثمارات مباشرة بنحو 7.5 مليار دولار أعلنت الكويت أيضا ضخ استثمارات كبيرة في مصر خلال الفترة القادمة ومن قبل ذلك كانت السعودية والإمارات وهو ما يؤكد أن الاستثمارات العربية في مصر ستشهد نموا خلال الفترة القادمة.
ربما أشار البعض إلى نقطة غاية فى الأهمية لا يجب أن نغفلها وهي أن مصر على قدر ما تمتلكه من ميزات كبيرة وقطاعات واعدة إلا أنها تحتاج جهدا ترويجيا يناسب هذه القدرات على المستويين العربي والعالمي واللافت أنهم يدركون الجهد الكبير الذي يبذله الرئيس بنفسه للترويج لمصر الجديدة، لكنهم يطالبون بأن يكون هناك جهد حكومى وإعلامى بمشاركة شركات دعاية عالمية لأن مصر تستحق وفيها ما يجب الترويج لها بفخر واعتقد أن هذه نصيحة خالصة من أشقاء يحبون مصر ويجب أن تنظر إليها الحكومة بعناية.
الخلاصة أن جولة السيد الرئيس كانت ناجحة بكل المقاييس وثمارها حاضرة، وقمة الكويت بين الرئيس والأمير مشعل كانت معبرة عن تقارب وخصوصية وعلاقات ترقى إلى مستوى متميز، مستندة إلى تاريخ لم يشهد إلا كل ما يؤكد المحبة والأخوة شعبا وقيادة وهذا هو الطريق الذى سيتم من خلاله دفع هذه العلاقات إلى مساحات أكبر من التعاون الذي يلبي طموحات الشعبين الشقيقين.