يشهد التاريخ أن مقاومة الشعوب تنتصر دوما على الاحتلال، مهما استمرّ، ومهما بلغ عنفه وظلمه، فدولة الحق مستمرة رغم انوف كل الطغاة.
ففى 25 مايو 2000، استنزفت المقاومة اللبنانية قوات الاحتلال، وجعلت بقاءه فيها عبئا عسكريا واقتصاديا وأخلاقيا، وتهيأت للمقاومة المشروعة ظروف معقولة ساعدتها على الاستمرار والقوة، من دعم لوجستى وسياسى وغطاء إعلامي، علاوة على تأييد دولى وعربي، فجاء قرار المحتلين بالانسحاب من 158 قرية لبنانية، يومها اعلن رئيس وزراء الكيان المحتل الانسحاب التام من جنوب لبنان دون أى اتفاق.
كان المحتل قد اجتاح جنوب لبنان فى مارس 1978 حتى وصل إلى حدود طرابلس فى الشمال اللبنانى بما فى ذلك الجبال اللبنانية و بيروت العاصمة، واستمر هذا الاحتلال لاكثر من 20 عاماً، لكنه اضطر للانسحاب من معظم هذه الأراضى تحت ضغط هجمات المقاومة اللبنانية، وذلك باستثناء مزارع شبعا، فعودة الحقوق لاصحابها ممكنة، مهما طالت سنوات الظلم والظلام.
لا ينكر عاقل ان الانسحاب وتحرير الارض هو شهادة تضاف لتاريخ المقاومة الشعبية ولحق الشعوب فى تقرير مصيرها، وان تلك التجربة العظيمة للعمل الشعبى والرسمي، كشفت ان الهيمنة الإسرائيلية و الأمريكية أمر يمكن مواجهته.
ولأن الحقوق تؤخذ فيذكر التاريخ ان وزير مالية الاحتلال – بنيامين نتنياهو – قد استقال من منصبه خلال اغسطس عام 2005، اعتراضا على خطة فك الارتباط، التى قرر رئيس وزرائه تنفيذها، وبالفعل تم تنفيذ الخطة وتم الانسحاب من غزة بعد 38 عاماً من الاستيلاء على القطاع، اخلى المحتل 25 مستوطنة، وخرج الفلسطينيون للشوارع للاحتفال بانسحاب المحتلين فى حدث تاريخى لم يحدث منذ ان تم الاستيلاء على الاراضى فى 1948.
استمرت المقاومة فالأمل فى التحرير لا ينقطع، طالما عاشت الشعوب، فهى حرة فى تقرير مصيرها، وبالامس القريب حصلت السلطة الفلسطينية على حقوق وامتيازات جديدة داخل منظومة الأمم المتحدة بصفتها مراقب، واصبحت تقترب اكثر من عضوية المنظمة، ويمكنها ان تجلس بين الدول الاعضاء فى ترتيب ابجدي، ولها الحق فى تقديم المقترحات والتعديلات والمشاركة فى التعامل مع المقترحات والتعديلات، جاء ذلك بعد ان صوتت 143 دولة، باغلبية ساحقة فى جلسة طارئة، لصالح مشروع قرار يدعم عضوية فلسطين لدى الامم المتحدة، واعترض 9 اعضاء، وامتنع 25 عن التصويت، واصبح على ممثلى دولة فلسطين مواصلة عملهم للحصول على العضوية الكاملة فى الامم المتحدة بقرار من مجلس الامن، ودعوة الدول التى لم تعترف بعد بدولة فلسطين لان تقوم بذلك، ودعوة الولايات المتحدة ان تسحب حق استخدام الفيتو ودعم العضوية الكاملة لفلسطين.
ولعل ذلك ممكنا، فقد رأى العالم – شعوبا وحكومات – ما يعانيه الشعب الفلسطينى من احتلال دام سنوات طويلة، وتأكد الجميع ان المعاناة المستمرة وصلت لاكثر من 35 ألف قتيل و 80 الف جريح – اغلبهم من الأطفال والنساء – منذ اكتوبر الماضى حتى تاريخه، وشاهد الجميع المجازر المستمرة التى تخالف كافة المواثيق والاعراف الدولية والانسانية، لقد ايدت الاجيال الحالية وخاصة الشباب فى اوروبا وامريكا حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، فخرج الالاف من الطلاب بمختلف الجامعات مرددين الشعارات المؤيدة لحقوق الفلسطينين ورافضين المجازر ومشاهد الدم التى يقوم بها المحتل، رفع الطلاب الشعارات فى مواجهة حكوماتهم، مؤكدين ومعهم الكثير من الشعوب على حق الإنسان فى الحياة الحرة الكريمة دون تمييز من دين أو عرق أو لغة أو لون، وان للشعوب الحق فى تقرير مصيرها، وانه ابدا لن يضيع حق وراءه مطالب.