لا اعرف مدى الصدق فى هذه القصة، ولكنى سمعتها كثيرا حتى حفظتها عن ظهر قلب وأنا بعد لم أتجاوز المرحلة الدراسية الإعدادية، وسمعت مثلها قصصا كثيرة كلها تدور حول القناعة وراحة البال والمعنى الحقيقى للسعادة. سمعت كثيرا قصة الفنان الراحل أنور وجدى مع العمارة الشاهقة وساندويتش الفلافل.. وكان يا مكان، فنان صغير مبتدئ يخطو بحياء على أول سلم الشهرة الفنية السينمائية، يتعثر كثيرا، يعانى من الإحباط. وقف ذات يوم أمام عمارة «الايموبيليا» الشهيرة فى القاهرة… وكانت فى ذلك الوقت أضخم وأعلى واشهر عمارة فى القاهرة… وتمنى أن يأتى اليوم الذى يمتلك عمارة مثلها. كان امتلاك عمارة مماثلة هو السعادة بعينها، هو الثراء والشهرة والوجاهة الاجتماعية، هو سلطان المال وسطوة النفوذ، هو النجاح والتفوق والتميز… وهل بعد كل ذلك من أسباب للسعادة ؟.
وكان يا ما كان، الفنان الصغير أصبح كبيرا جدا، شهيرا جدا جدا، يتمتع بالثراء الذى تمناه، تطارده آهات المعجبات وصرخات المعجبين أينما سار، يمتلك كل أسباب وأدوات السعادة التى حلم بها، ماعدا سببا وحيدا لم يتمنه أو نسى أن يتمناه أو تاه منه فى زحام الأمنيات المادية… الصحة. عانى أنور وجدى فى آخر سنوات عمره من مرض عضال، حاصرته القيود الغذائية حتى أصبح تقريبا لا يأكل سوى بعض الخضراوات المسلوقة، ولا يعرف طعم الشبع أبدا، حاصرته ضغوط إدارة الأعمال الكثيرة واستثمار الأموال المتضخمة، واختلف الحلم كما اختلف الواقع، تضاءل كثيرا، أصبح لا يتجاوز حدود تناول ساندويتش فلافل. كان مستعدا ـ أو هكذا قال أو تمنى أو هكذا قالوا عنه ـ أن يتنازل عن نصف ثروته مقابل السماح له بتناول ساندويتش فلافل بالسلاطة الخضراء والطحينة والشطة، نفس الساندويتش الذى كان مقررا عليه فى سنوات الكفاح الأولى قبل الشهرة والمال والنجاح والنفوذ، نفس الساندويتش الذى ربما تبرم من تناوله كل يوم باعتباره الوجبة الأرخص والمتاحة لأصحاب الجيوب الخالية إلا من عينات لا تغنى ولا تسمن من الفئات الدنيا للنقود، أصبح امتلاك عمارة الايموبيليا التى كانت شاهقة شامخة، لا يساوى متعة التهام ساندويتش فلافل بشهية مفتوحة، دون أن يرتفع السكر والضغط وتنهار الصحة، أصبح هذا الساندويتش الشعبى سببا من أسباب السعادة، بل أهم أسبابها، وكان من قبل رمزا للشقاء والفقر والمعاناة.
ما أكثر ما نملكه بين أيدينا من أسباب السعادة، ولا نشعر به أو نسعد به، بعد أن اختلطت فى أذهاننا المفاهيم والقيم، بعد أن أصبحنا لا نفرق بين الطموح المشروع الذى يقود إلى المزيد من النجاح وبين الطمع أو عدم القناعة أو التكالب على الدنيا. الكثيرون منا يعتقدون أن الثراء واكتناز المال هو سر السعادة واهم أسبابها، وينسون أن المال وسيلة وليس غاية، وان ما يزيد منه على حاجاتنا يصبح بلا قيمة حقيقية لأننا لا نستفيد منه، هذا ليس كلامى وليس شعارات ولا دعوة للفقر، بل دعوة للاجتهاد والسعى والأخذ بالأسباب مع القناعة بكل ما نحققه والرضا بما وصلنا إليه، فليس ثمة تعارض بين الطموح والقناعة، من حقنا أن نحلم ونسعى لتحقيق أحلامنا وعلينا أيضا أن نستمتع بمشاعر الرضا وراحة البال.