مما لا شك فيه أن لكل مسألة وجهاً من النقمة وآخر من النعمة، فالنسيان مثلاً ونقيضه التذكر لكل منهما فوائده وأيضاً عواقبه، فما أعظم خسارة من ينسى ذكر الله، وفى المقابل لا يوجد وصف لفضل وثواب من يداوم على ذكره سبحانه وتعالي، ومن يرطب لسانه بتسبيحه جل شأنه.
نواجه فى حياتنا أُناساً قد تناسوا – عن عمد – فضائل وأفضال الآخرين، حيث أصبح الإنكار والتنكر سمة الأمور جلها وصغارها.. ولا نجد سوى الطريق الذى أرشدنا إليه ربنا سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم حين أمر نبيه المصطفى سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم»: «واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً» (المزمل – 01).
وعلينا الالتزام بدعاء «وأفوض أمرى إلى الله أن الله بصير بالعباد».. ومهمات العباد محصورة فى أمرين: فى كيفية معاملتهم مع الله، وفى كيفية معاملتهم مع الخلق، فالإنسان إما أن يكون مخالطاً للناس، أو مجانباً لهم.. فإن كان مخالطاً لهم فعليه أن يصبر على إيذائهم.. وإما أن يكون مجانباً لهم، فعليه أن يهجرهم هجراً جميلاً.
والله أمر نبيه بالهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل، فالهجر الجميل.. هجر بلا أذي، والصفح الجميل: صفح بلا عتاب، والصبر الجميل: صبر بلا شكوي.. قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: «إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله» (يوسف : ٦٨).. مع قوله: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون» (يوسف : ٨١).. فالشكوى إلى الله لا تنافى الصبر الجميل.
ومن دعاء النبى «صلى الله عليه وسلم»: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهوانى على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، اللهم إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك هى أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بى سخطك، أو يحل على غضبك، لك العتبى حتى ترضي».
لا تقولوا إلا كل جميل، فالله نعم الوكيل، وأفضل طاعاتنا هنا هى الهجر الجميل. هجراً لم يقطع خيوط المودة ولم يهدم جسور التواصل.. هجر العتاب الذى يزيد المحبة ويحرص على بقائها، ومن هنا كان وصف الهجر بـ «الجميل» لأن الهاجر لا يقطع الصلة بينه وبين الشخص المهجور بالكلية، بأن يغلق الباب كاملاً، بل يجعله موارباً حتى يتسنى له الرجوع.. إنه هجر للصناعة لا للإضاعة. هجر يورث العمل. هجر فى ذات الله.