قمة التناقض ما نجده فى الأمم المتحدة حيال قضية غزة وجرائم الحرب والإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى منذ ما يقرب من خمسة أشهر.. مجلس الأمن يعقد جلسة مهمة لمناقشة مشروع قرار جزائرى يقضى بوقف إطلاق النار فوراً فى غزة.. وفى نفس الوقت تقريباً تعقد محكمة العدل الدولية جلسات مهمة لمناقشة مذكرات قانونية تقدمت بها أكثر من خمسين دولة على رأسها مصر لفضح العدوان الإسرائيلى وجرائم الإبادة الجماعية التى ترتكبها عصابة تل أبيب بحق ملايين الأطفال والنساء فى غزة.. مجلس الأمن فى نهاية مناقشات مستفيضة يفشل فى اتخاذ قرار إنسانى بوقف إطلاق النار وإعلان هدنة سلام يتبادل خلالها الطرفان الرهائن والمحتجزين وفتح الطريق أمام شاحنات المساعدات الإنسانية المتكدسة أمام معبر رفح منذ أشهر وترفض إسرائيل دخولها.. فشل مجلس الأمن جاء بقرار أمريكى ربما يكون أكثر عدوانية من ممارسات الجيش الصهيونى فى غزة.. أمريكا تستخدم حق الفيتو «النقض» ضد المشروع الجزائرى وتجهض جهود المجتمع الدولى لإنقاذ أطفال ونساء غزة من الموت والجوع والإبادة كل يوم وكل ساعة على يد القوات الصهيونية.. ليست المرة الأرلى التى ترفع مندوبة واشنطن العجوز فى مجلس الأمن يدها الملوثة بدماء الفلسطينيين اعتراضاً على أى قرار دولى إنسانى يمكن أن ينقذ ملايين الأرواح فى غزة من جرائم الحرب الإسرائيلية.
بينما فى لاهاي.. تتواصل مرافعات ممثلى الدول والحكومات لكشف جرائم إسرائيل وتطالب جميعاً بضرورة وقف إطلاق النار فوراً فى غزة ومحذرة من المخاطر الكارثية الجهنمية التى يمكن أن تحدث فى المنطقة والعالم بأسره إذا أقدمت إسرائيل على جريمة حرب نازية فاشية جديدة بشن هجوم برى شامل على رفح الفلسطينية مما ينذر بارتكاب مجزرة شاملة ربما لم تشهدها البشرية فى تاريخها القديم والحديث.
منتهى التناقض بين موقف أمريكى معارض لوقف النار فى غزة واستمرار غطائها الشيطانى لمجازر وجرائم تل أبيب فى غزة منذ ما يقرب من خمسة أشهر.. وفى لاهاى تتواصل صرخات القانونيين من مخاطر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والإنسانية فى غزة نتيجة حرب الحصار والتجويع والتدمير الشامل التى تشنها الآلة العسكرية الإسرائيلية منذ أشهر وخلفت وراءها أكثر من خمسين ألف شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء.
فشل مجلس الأمن فى مهامه الإنسانية لحفظ السلام والأمن الدوليين ينذر بعواقب وخيمة قد يتحول معها العالم المتحضر إلى غابة متوحشة يأكل فيها القوى الضعيف وتتعرض فيها شعوب لحرب إبادة جماعية والعالم الحر المتحضر صامت لا يحرك ساكناً.. بينما تتصدى أمريكا زعيمة الحريات فى العالم المعاصر لأى دعوات لنشر السلام والأمان ووقف الحروب اللا إنسانية.. فشل مجلس الأمن المتواصل بسبب احتكار دول خمس بعينها لحق الفيتو يجعل العالم كله يعيد النظر فى ضرورة إعادة هيكلة مجلس الأمن.. ومثلما قال الرئيس التركى أردوغان إن العالم أكبر من خمس دول تدير وتقود مجلس الأمن الدولي.. ربما تكون أمريكا أكثر الدول الخمس صاحبة الفيتو التى استخدمت هذا الحق لتغطية جرائم إسرائيل ورفض أى قرارات يمكن أن تعطى الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة مثل تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة على كامل الأرض المحتلة قبل ٤ يونيو 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
أقول.. آن الأوان لتعديل النظام القانونى الخاص بمجلس الأمن.. ولم يعد العالم الآن يتحمل عنصرية الفيتو الأمريكى الذى يدافع دائماً عن إسرائيل ويوفر لها الغطاء الشرعى والقانونى لكل ما ترتكبه من جرائم حرب بحق الشعب الفلسطينى منذ أكثر من سبعين عاماً.. لابد أن تتسع دائرة الحكم والإدارة والقيادة فى مجلس الأمن الدولي.. العالم أصبح فعلاً أكبر من ٥ دول بعينها تتحكم فى مصائر البشرية.
وفى ذات الوقت نساند وندعم كل الجهود المبذولة والمناقشات الدائرة فى محكمة العدل الدولية التى باتت الأمل الوحيد لفرض كلمة الحق والعدل ورفض الظلم والعدوان وجرائم الحرب ضد شعوب بأكملها.. ويتزايد الأمل الإنسانى يوماً بعد يوم فى إمكانية أن ينتصر صوت الحق على أصوات الباطل.. وينتصر القانون على جرائم الغاب الإسرائيلية الوحشية ويتوقف إطلاق النار ويعود السلام والاستقرار من جديد فى قطاع غزة ويعود الملايين إلى منازلهم المدمرة لإعادة بنائها وإعادة الحياة بعد موت محقق عاشوه طوال الأسابيع الماضية.
نتمنى أن يأتى شهر رمضان المبارك وقد توقفت أصوات القنابل والمدافع والصواريخ والقنابل فى غزة.. نتمنى أن يرتفع صوت الآذان من جديد فى مساجد غزة المدمرة.. وكذلك أجراس الكنائس التى هدمتها إسرائيل.. وينتشر السلام ويعم الأمن والاستقرار فى أنحاء المنطقة.