استمرار الحرب فى غزة مع مزيد من المعاناة للفلسطينيين يؤكد إخفاق الدبلوماسية وفشل منظمات المجتمع الدولى وعلى رأسها مجلس الأمن فى إنفاذ القرارات ضدّ سلطة الاحتلال التى تتصرف بإفلات من العقاب والمساءلة، فمجلس الأمن المُكلّف بصون الأمن والسلام الدوليين يمتلك صلاحيات واسعة لوقف إطلاق النار فى غزة، لكن اللجوء إليها مشروط بتوفر الإرادة لدى الدول الأعضاء، لا سيما الخمسة الدائمين، لذلك مع الأسف فشل فى اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار حتى الآن بسبب تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بـ»الفيتو» لصالح إسرائيل فى كل مرة.
إذا رأى مجلس الأمن أن الحرب، أيًا كانت، باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين، فإن لديه خيارات اللجوء إلى تطبيق الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة، الفصل السادس يتعلق بحل المنازعات حلاً سلميًا، من خلال الوساطة، وهو الدور الذى تضطلع به حاليًا الولايات المتحدة ومصر وقطر، وفى يونيو الماضي، تبنى مجلس الأمن القرار رقم 2735، الذى أيد خطة من 3 مراحل طرحها الرئيس الأمريكى جو بايدن لوقف إطلاق النار فى غزة، والإفراج عن الرهائن المحتجزين فى القطاع، لكن جهود الوساطة، التى تقودها الولايات المتحدة ومصر وقطر، لم تسفر بعد عن اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس بسبب التعنت الاسرائيلي.
أما الفصل السابع، فإنه يتعلق باتخاذ قرار ملزم بوقف إطلاق النار، مع فرض عقوبات على أى طرف من طرفى الصراع لا يلتزم بذلك، وهذا القرار يتطلب موافقة 9 أعضاء فى مجلس الأمن، بما فيهم الخمسة الدائمون، الذين يمتلكون حق النقض «فيتو»، الأمر الذى لا يعتقد حدوثه، فى ظل الانقسام داخل المجلس.
إن دور مجلس الأمن اليوم أدركه تحول عميق بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم، الأمر الذى جعل المنظمات الدولية تخضع للسلطة الأمريكية وقد كشفت حرب غزة هذه الحقيقة بوضوح.
من المعلوم أن نتنياهو يصر على استمرار الحرب فى غزة حتى يحقق ما أسماه أهداف إسرائيل فى القضاء على حماس والإفراج عن الرهائن، كما حذر رئيس الأركان الإسرائيلى من أن الحرب الدائرة بين جيشه وحركة حماس ستستمر شهورًا طويلة، كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلى أنه بعد الحرب لن تسيطر حماس على غزة وستحتفظ إسرائيل بالحرية فى عملياتها.. وللأسف كل هذا على مسمع ومرأى من مجلس الأمن!!
مؤخرا أثارت تصريحات صامويل زبوجار مبعوث سلوفينيا لدى الأمم المتحدة، رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي، حول نفاد صبر أعضاء مجلس الأمن من تعثر مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس، تساؤلات حول خيارات المجلس المقبلة، وردًا على سؤال حول الإجراء الذى يمكن لمجلس الأمن اتخاذه، إذا لم يُنفّذ قريبًا قرار مجلس الأمن رقم 2735، قال زبوجار إن هناك العديد من الأدوات الموجودة تحت تصرف المجلس، لكن بداية أعتقد أن الأمر يتطلب تأكيد أننا يجب أن نمضى قدمًا من القرار 2735، لأن المجلس كان ينتظر طوال الأشهر الثلاثة الماضية تنفيذه.. ونرد السؤال لرئيس مجلس الأمن: وهل من أمل فى تنفيذه وهناك فيتو أمريكى بالمرصاد؟
إن ما يحدث فى غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة من تدمير للبشر والحجر على مرأى ومسمع من كافة أجهزة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وعلى مدار عدة أشهر وحتى الآن، وعجز الدبلوماسية الدولية عن تحقيق وقف فورى للعمليات العسكرية يؤكد الحاجة الملحة إلى ضرورة إجراء إصلاح شامل وجذرى فى أجهزة الأمم المتحدة وفى قمتها مجلس الأمن، لا سيما فيما يتعلق بتشكيل المجلس الذى أصبح بحاجة أكثر من أى وقت مضى إلى توسيع عدد أعضائه بما يحقق المساواة بين مختلف الشعوب الأعضاء فى المنظمة، لكن المشكلة تكمن فى التوفيق بين متطلبات الإصلاح ومصالح الدول العظمى التى تتمتع بامتيازات واسعة فى النظام الحالى للمجلس، أهمها حق النقض.