انتهينا الاسبوع الماضى إلى دعوة درويش مدرس الرسم تلاميذه اقتراح قصة من روائع القرآن أو الانجيل.. لرسم مشاهدها.
واستدرك قائلاً: هناك مثلاً قصة لرجل مر على حطام قرية متعجباً ومستبعداً عودة الحياة لها مجدداً.. وفى تلك اللحظة مات الرجل لمدة مائة سنة، ثم أحياه الله مرة أخرى ليرى حماره عظاماً وتراباً، بينما لم يتلف زاده من الطعام!!
قال درويش: القرآن صوّر ذلك المشهد تصويراً بديعاً.. يمكننا أن نعبر عنه بالرسم، ولكن علينا أولاً أن نعرف القصة كاملة.. وتلك هى مهمتكم الآن، ويمكنكم طلب مساعدة مدرس التربية الدينية.. مارأيكم؟
المفاجأة ألهبت الحماسة والحيرة قدحت الذهن وأثارت الدهشة.. حصة رسم ومدرس دين لنرسم القرآن.. ماهذا؟!
كان ذلك محور حديثنا معاً نحن التلاميذ، حتى عدنا لمنازلنا لينتقل الحوار إلى الاسرة.. كانت مهمتى الأولى أن أقرأ القرآن لأعرف القصة العجيبة.. لم أستوعب منها إلا قليلاً.. كنت مهتماً بإشباع فضولي.. ولأتباهى بالمعرفة بالطبع أمام زملائى فى اليوم التالي.
حان موعد صلاة المغرب، انطلقت إلى مسجد لطفى شبارة، وبعد الصلاة اقتربت من الإمام الشيخ مسلم الدسوقي، سألته، فابتسم وحكى لى القصة المثيرة.. واجتمع حولنا الناس فى باحة المسجد ليسمعوا.. وطال الحكى حتى صلاة العشاء، أنتج لى الشيخ مسلم صورة ذهنية بديعة لتفاصيل القصة الربانية، فباتت خيالاتها ماثلة أمام عينى وكأنها واقع أعايشه.. شعرت ببهجة، تمنيت معها أن ينطوى الليل فى طرفة عين لألتقى أصحابي.. وأن تكون حصة الرسم غداً وليست بعد أسبوع.. كان الليل طويلاً ومطيراً، وقبل يومين شاهدت فيلم «شيء من الخوف» وتذكرت جدب الارض العطشى وكيف دبت فيها الحياة بعد فتح ماء الهويس.. فداهمتنى تأملات الموت والحياة.. قبور وزهور.. رمم وعطور.. أشجار نضرة بجذور.. وسرماء طهور.. يُحيى به الله ويميت متفرداً بالبعث والنشور.
لم يغمض لى جفن، ترقباً لاستهلالات الشروق.. بينما يشق سكون الليل سيمفونية أمطار تنساب ما بين رفق وانهمار.. عطلت بزوغ النهار.. إلا انها منحت تجسيداً ملحمياً لزخم التأملات.. ارتديت ملابسى وانطلقت مبكراً إلى المدرسة.. انتظرت بمر الصبر ظهور زملائى لنحكي.. وتوالى وصولهم، وجميعهم سعى ليعرف القصة من كتاب لديه عن قصص الأنبياء أو أب أو أخ أو قريب عنده علمها.. وانضم إلينا زملاء من فصول أخرى شاركونا الحديث المثير.. وظهر الأستاذ درويش قبيل لحظات من طابور الصباح.. تجمعنا حوله نحكى له ما عرفناه.. كان الرجل تغمره سعادة يصعب وصفها.. لعله لم يتوقع الاستجابة بحماسة جماعية لفكرته.. اقترب المهيب محمد البدرانى وكيل مديرية التعليم– وكان مكتبه بالمدرسة– ليعرف سبب تجمهرنا حول مدرس الرسم.. وعدد من المدرسين جاءوا لاستطلاع الأمر.. بينما تصاعد إيقاع الطبول معلناً بدأ طابور الصباح.. وحان موعد الإذاعة المدرسية.. وفوجئت بالمشرف ينوه إلى حكاية الأمس فى حصة الرسم باعتبارها حديث الصباح.. ودعانى إلى المنصة لأحكيها.. فحكيت ما كان وما فعلناه لنعرف قصة الصالح عزير.. وقولت إنها قصة عظيمة، أفضل من يحكيها الإمام بأسلوبه الفريد والمشوق وطلبت من وكيل المديرية أن يدعو الشيخ مسلم ليحكيها للجميع فى أقرب وقت.. وليمن الطالع كان للإمام شقيقه ابراهيم مدرساً للغة العربية بالمدرسة.. الذى بادر فخوراً بإعلانه إبلاغ شقيقه دعوتنا إليه ليحضر صباح الغد.
قصة الصالح عزير الثلاثاء المقبل.