هل وصلت الحضارة الغربية إلى نقطة النهاية؟ وهل ذُبحت مبادئها على عتبات الحرية المزيفة؟ لا أريد أن أنظر إلى المسألة بسطحية مخلة ومضللة، فالأمر يبدو أخطر مما يظن الكثيرون وأعمق مما يتخيل البعض، فالحضارة الغربية التى شُيدت على مدار قرون بالعمل والجد والاجتهاد ومنح العقل القدر الوفير من الحرية كى يبدع وينطلق فى ساحات الفكر والعلم واستشراف المستقبل، لقد بذل الأوروبيون جهوداً مضنية ومروا بتجارب صعبة حيث الثورة الصناعية والثورة الفرنسية ونتائج كل منها على الفكر الأوروبي، وصلت الحضارة الغربية إلى حالة من التطور أربكت باقى الحضارات فى شرق العالم وجنوبه، بيد أن دعائم الحضارة الغربية كانت تعتمد على التخلص من سطوة الكنيسة والملوك والنبلاء، وسادت المقولة الشهيرة «لن يعم السلام إلا إذا شُنق آخر إقطاعى بأمعاء آخر رجل دين» لقد نجحت الحضارة الغربية فى تفجير امكانات البشر كما تتفجر المياه من بين الصخور، وكانت الحرية هى الجسر الذى انطلقت عليه التجربة الغربية إلى المصانع والمعامل ثم ساحات الفضاء، كانت أوروبا تهدف إلى تقزيم دور رجال الدين الذين كانوا يمثلون قيداً على العقل وحرية التفكير والتعبير، لكن ربما كان الخوف من عودة سطوة الكنيسة سبباً مباشراً فى انفلات أخلاقى غربى لا تخطؤه عين، اليوم وبعد أن وصلت الحضارة الغربية إلى القمة اكتشفنا أن هناك خواءً أخلاقيا ظهر جلياً فى الكثير من المناسبات والحادثات التى تمثل كل منها اختباراً لحيوية تلك الحضارة، فى تقديرى أن سلوك الغرب إبان أزمة كورونا وما تلاها من التعاطى الفاضح مع الحرب الروسية – الاوكرانية التى فضحت هذه السلوكيات العنصرية التمييزية التى تتقاطع مع ما تنادى به أوروبا وأمريكا منذ عقود، ثم جاءت حرب غزة لتكون الاختبار النهائى لهذه الحضارة التى سقطت فى مستنقع الاحتلال الإسرائيلى والذى عكسته حالة الهيستريا تحت قبة الكونجرس الأمريكى عندما كان يخطب نتنياهو بوقاحة وفجاجة أمام المشرعين الأمريكيين الذى وقفوا وصفقوا له أكثر من خمسين مرة خلال ساعة واحدة، ثم جاء حفل افتتاح الأولمبياد فى باريس ليشكل صدمة قاسية لكل من تابعها، محاولة فرنسا رسم صورة مختلفة وشديدة التطرف فى يساريتها المفزعة، ما هذا العبث الذى أرادت فرنسا أن تقدمه للعالم؟ هل الاحتفاء بالحريات الجنسية والميل الجندرى وحريات التحول والمثلية طغى على الطبيعة البشرية العادية التقليديه التى يتمتع بها الغالبية الساحقة من البشر؟ فكرة السخرية من الرموز الدينية واستدعاء قصص تاريخية فى سياق مضلل أمر شديد الحساسية والخطورة، أرى أن الحرية لا يجب أن تكون مطلقة ولابد وأن تكون مقيدة بقيود حكيمة تحافظ على استقرار واستمرار الجنس البشرى دون انحياز إلى الأقلية مهما كانت المبررات، فحرية الميل الجندرى لا تعنى طمس حقوق الناس العاديين الطبيعيين، على الحضارة الغربية ألا تقع فى براثن كمائن الحرية المنتشرة على جانبى الطريق الذى يصل بالبشرية إلى بر الأمان.