(فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) لا ادرى ماذا تفعل بى هذه الآية الكريمة عندما أقرأها أو أستمع إليها بصوت الشيخ صديق المنشاوي، يتملكنى شعور بالبهجة والفرح والسعادة الممزوجة بلمسة إيمانية عميقة وتصيبنى رشقات من التأمل الصاخب فى ملكوت الله وقدرته سبحانه على ادارة هذا الكون الفسيح وهذه العوالم المتعددة والتى لا تتوقف عن التسبيح لكننا لا نفقه تسبيحهم، أتوقف كثيرا عند التعبير الإلهى المعجز « قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»
>>>
وأتخيل حوارات النمل ونقاشاتهم بعد هذا التحذير الذى جاءهم بشكل صارم وواضح من نملة كانت تقوم بدور استطلاعى واكتشفت قدوم الخطر السليمانى الذى يهدد بفناء عالمهم، النملة تعرف سليمان وتعرف ان معه جنوده وتفهم ان هناك خطرا داهما وانطلقت إلى وادى النمل تحذرهم وتصدر القرار بالاختباء فى المساكن ويستجيب الجميع ويسمع هذا الحوار سيدنا سليمان ويبتسم ضاحكا من هذا الحوار الذى لا يفهمه إلا هو بفضل ما أنعم الله به عليه بمعرفة منطق الطير ولغته، فيبادر بالشكر والامتنان.
«رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ».
>>>
ما هذا البيان الإلهى الملهم المعلم فى هذا القصص القرآنى المعجز؟ لذلك عندما اجلس أراقب حركة وأصوات الطيور من حولى الإمرى والبلابل والعصافير واليمام والحمام والزقزاق والكروان وكذلك الحشرات النحل والنمل والبعوض والذباب، أستحضر صورة سيدنا سليمان وهو يتبسم ضاحكا، واتخيل حوارات هذه المخلوقات ولغاتهم وكيف يتحركون بهذه الطرق المنضبطة المدروسة المنظمة، كيف تخرج العصافير من عشها فى البكور وكيف تعود فى المساء؟ هل معها خرائط وتطبيقات جى بى إس؟ من علمها ووجهها؟ وكيف يتحرك النمل بهذه السيمفونية وكيف ينظم معاشه بين الصيف والشتاء؟
>>>
هذه التأملات تسحبنى سحبا من عالم الفوضى العارمة والشحوب الأخلاقى الذى يحاصر كوكبنا البائس، وكلما تشابكت المربكات المنهكات فلا ملجأ لنا إلا التدبر فى ملكوت الله واستلهام العظة والعبرة من آياته المحكمات، وكثيرا ما يروق لى مراقبة حركة النباتات خاصة المتسلقة منها مثل ست الحسن والجهنمية والباشن فروت وهذا الأخير تحديدا ما اقف تعجبا وأتبسم ضاحكا كما سيدنا سليمان رغم انى لا أفهم لغة النبات، اسأل نفسى كيف يتحرك النبات ويتمدد من تلقاء نفسه صاعدا او هابطا ويتحرك يمينا ويسارا إذا وجد شيئا ما يتمدد عليه ثم يمد خيوط التثبيت ويلفها حول غصن نبات آخر أو سور خشبى معد لهذا التمدد بشكل هندسى محكم وكأنه خرج من تشغيلة صناعية من خط انتاج.
>>>
أراقب يوميا نمو وسلوك شجرة الباشن فروت وأرى براعمها تتحرك وفق نظام محكم وفى اتجاهات منطقية صوب شئ محدد حتى تشبك نفسها بهذه المشابك الهندسية، لم اجد برعماً يتحرك بعشوائية لكن لكل برعم هدف يتمدد لأجل الوصول اليه والتشبث به، وعندما تزهر الباشن فروت وانظر اليها وهى تتشكل وكأننى اجلس فى مرسم فنان هبط من السماء بريشته وألوانه وهندسته، ما هذه الروعة وما هذا الاتقان وما هذا الجمال، لا أملك إلا ان أتبسم ضاحكا وأقول سبحان الله.