الأزهر والإفتاء: مشروع بالذكر والعبادة.. ويعد من مظاهر تعظيم الرسول
تزامنًا مع ذكرى المولد النبوى الشريف، قام المؤشر العالمى للفتوى «GFI» التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم برصد وتحليل «300» فتوى حول الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، وكانت العينة متنوعة المصادر والجنسيات، كشف فيها مؤشر الفتوى عن تنوع الأحكام الفقهية الواردة فى هذه الفتاوى بين «جائز» بنسبة «56 ٪»، و»غير جائز» بنسبة «30 ٪»، ومستحب بنسبة»14 ٪»، وصدرت أغلب الفتاوى المتضمنة لحكم الجواز من جهاتٍ وشخصياتٍ رسمية بنسبة «75 ٪»، وتنوَّعت ألفاظ أحكامها بين «يجوز، ومشروع، ولا بأس، ولا حرج»، ومن أبرز تلك الجهات الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ودائرة الإفتاء الأردنية، بينما صدرت أغلب الفتاوى المتضمنة للحكم «غير جائز» من شخصياتٍ غير رسمية بنسبة وصلت إلى «80 ٪»، وتنوَّعت ألفاظ أحكامها بين «بدعة، وحرام، ولا يجوز»، ومن أبرز متبنيها منتمون لتيارات سلفية أو متشددة وكما يقول تقرير المرصد تكمن خطورة تلك الفتاوى فى أن بعضًا من هؤلاء الدعاة غير الرسميين يحظون بالقبول الشعبى خاصة الشبابى فى ظل وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة، وبالتالى فإن تأييدهم للفتوى غير الرسمية المناقضة للفتوى الرسمية المنضبطة يؤشِّر لضرورة تقديم المزيد من الأدلة الشرعية، وتكثيف الجهود الدعوية للتعريف بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوى الشريف وضوابطه، وتفنيد الأدلة التى تخرج بها الفتوى غير الرسمية وتستخدمها فى تحقيق الإقناع الشعبى للعامة.
فتاوى الأزهر والإفتاء تُجيز إحياء المولد النبوى بالذكر والعبادة
كشفت عينة مؤشر الفتوي، عن إجازة الفتوى الرسمية المصرية التى كان على رأسها مؤسستا الأزهر الشريف ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية لإحياء المولد النبوى الشريف والاحتفاء به، وقد حرصت المؤسسات الرسمية على التطرق لمختلف القضايا المتعلقة بالاحتفال بهذه المناسبة، والتى تمثلت فيما يلي: بيان حكم الاحتفاء بالمناسبة وجاءت بنسبة «45 ٪» من إجمالى الفتاوى الرسمية بشأن هذه القضية، بينما جاءت الفتاوى المتعلقة بحكم شراء الحلوى والهدايا والتهادى بها بنسبة «35 ٪»، وجاءت نسبة الفتاوى حول صيام هذا اليوم بنسبة «20 ٪» من إجمالى فتاوى العينة الرسمية. حيث اعتبرت الفتوى أن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف شاهدٌ على الحب والتعظيم لجناب سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم والفرح به، وشكرٌ لله تعالى على هذه المنَّة كما قال تعالي: «قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا» وأن صيام هذا اليوم جائز، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كان يصوم يوم الإثنين والخميس، وعندما سُئل عن هذا قال: هذا يوم ولدت فيه، وكأنه يشكر ربنا على نعمة الوجود. «وفيما يتعلق بحكم شراء الحلوى والتهادى بها فى هذا اليوم، أكدت الفتوى الرسمية على أنها من العادات الحسنة إذا كان مقصدها إدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فهذا مستحبٌّ مندوبٌ إليه، كما وأنه إذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد مشروعية وندبًا واستحبابًا؛ لأن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد.
وقد وضع مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، خطة دعوية للاحتفال والاحتفاء بذكرى مولد سيدنا ونبينا محمد، ومن أهمها إطلاق حملة إلكترونية عبرصفحات المركز الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان: «وسراجًا منيرًا»، تُذكّر بسيرته، وتبين علو قدره، ومنزلته، وكريم شمائله وفضائله.
تابع المؤشر العالمى للفتوى أنه رصد عينة من فتاوى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف فى أكثر من دولة على الصعيد العربى والإقليمي، وبقياس نسبة الفتاوى التى تجيز الاحتفال بالمولد النبوى الشريف كانت «45 ٪»، فى مقابل «55 ٪» قالت بعدم الجواز بل التحريم أحيانًا والبدعة أحيانًا أخري،لا سيما فى ليبيا وتونس.
وأرجع مؤشر الفتوى ارتفاع نسبة فتاوى التحريم، إلى الأوضاع المضطربة التى تتعرض لها بعض هذه الدول، وسيطرة بعض التيارات المتشددة على المشهد بها، وغياب الرقابة العلمية على المحتوى المنشور عبر وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها.
مؤشر الفتوى يوضح أبرز الأدلة الواردة فى الفتاوى الرسمية وغير الرسمية
كما حلَّل مؤشر الفتوى أبرز الأدلة الواردة فى الفتاوى الرسمية وغير الرسمية، موضحًا أن أبرز ما جاء فى فتاوى المؤسسات الرسمية ما جاء عن السيدة عائِشةَ رضى الله عنها أنها قالت: «كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحبُّ الحَلواءَ، ويُحبُّ العسَلَ»، فكان هذا الصنيعُ منهم سُنَّةً حسنة، كما أن التهادى أمر مطلوب فى ذاته، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «تَهَادوا تَحَابوا» رواه الإمام مالك فى الموطأ، ولم يَقُمْ دليلٌ على المنع من القيام بهذا العمل أو إباحَتِه فى وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأُخري؛ كَإدْخَالِ السُّرورِ على أهلِ البيت وصِلة الأرحامِ فإنه يُصبح مستحبًّا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولدِ المصطفى صلى الله عليه وسلم كان أشَدَّ مشروعيةً وندبًا واستحبابًا؛ لأنَّ «للوسائل أحكام المقاصد».
ومن أبرز الأدلة التى جاءت فى فتاوى بعض المتشددين الذاهبة إلى تحريم الاحتفال، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدين، وأنه قد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»؛ أي: مردود عليه.
أكد المؤشر العالمى للفتوى على التقبل الشعبى للفتاوى المجيزة للاحتفال بالمولد النبوى الشريف بصورة عامة والتى تم تحليلها وفقًا لعينة من التعليقات والمنشورات تم رصدها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الاختلافات طفيفة حول الموقف الشعبى من الفتاوى المختلفة بشأن الاحتفال بهذه المناسبة، فبنسبة «40 ٪» كان القبول الشعبى للفتاوى التى تجيز الاحتفال بشكله الحالى وتبادل الأطعمة والحلوى فيه، وبنسبة «20 ٪» كان الأخذ بالفتوى التى تحرّم الاحتفال بالمولد بتبرير كراهة بعض علماء الأمة للاحتفال مثل الشاطبى وابن تيمية أو إنكار الاحتفال بادعاء عدم احتفال الصحابة والتابعين به، وبنسبة «25 ٪» كان قبول الفتاوى التى تجيز الاحتفال بالمناسبة ولكن بضوابط ومنها الذكر والعبادة والدعاء وقراءة سيرة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وبنسبة «15 ٪» كان الأخذ بفتاوى تجيز قبول تبادل الحلوى والهدايا دون احتفال بالمناسبة بهدف إدخال السعادة والسرور على الأبناء وأهل البيت دون قبول فكرة الاحتفال بذاتها.
وتابع مؤشر الفتوى أنه فى حين يتبنى التيار المتشدد وعلماؤه فى عدة دول وجهة نظر ترى أن الاحتفال بتلك المناسبات «من البدع»، تؤكد فتاوى المؤسسات الرسمية، كالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية وغيرها من دور الفتوي، فى عدة فتاوى صدرت خلال فترات زمنية متعاقبة أن الاحتفال بالمولد النبوى الشريف من مظاهر تعظيم الرسول وإظهار محبته، وأصّلت لذلك بأن القرآن الكريم والسنة النبوية وإن لم يشيرا صراحة إلى الاحتفال بالمولد، غير أن ذلك يعدّ من مظاهر تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وإظهار محبته، واعتبر مؤشر الفتوى بناء على قراءته للفتاوى أنَّ احتفالات المولد النبوى الشريف ومظاهره وإن لم تكن فريضة، غير أنها ليست من المحرمات أو البدع المذمومة شرعًا؛ لأنّ المولد النبوى الشريف تعبير عن الفرح والحب، وفيه اجتماع على تلاوة القرآن، وسيرة النبى صلى الله عليه وسلم، وقصائد المديح، منوهًا أن هناك من العلماء من يحكم على الاحتفال بالمولد النبوى بأنّه «بدعة حسنة»، مثل ابن حجر العسقلاني، وهو كذلك رأى جلال الدين السيوطى الذى يرى أنّه «بدعة حسنة يثاب عليها صاحبها».