تعتمد السينما الوثائقية على الواقع الذى يعيشه السينمائى ويريد أن ينقله إلى العالم، وهذا ما كانت تفعله المصورة الصحفية الفلسطينية الشابة فاطمة حسونة التى عاشت فى هذه الحياة 25 عامًا فقط انتهت يوم 16 أبريل 2025، وهى لم تخرج من غزة طوال حياتها القصيرة، بمعنى أنها لم تعرف شكل الحياة فى المجتمعات الأخرى خارج قطاع غزة المنكوب، لذلك فاطمة حسونة لا تقارن بين الحياة فى غزة وخارجها، ولكنها كانت تقوم بتوثيق هذه الحياة للأجيال القادمة لإدراك مدى المعاناة التى عاشها سكان القطاع قبل وبعد 7 أكتوبر 2023.
كانت المصورة فاطمة على اتصال يومى عن طريق الفيديو بالمخرجة الإيرانية زبيدة فارسى التى جمعت اللقطات التى أنجزتها فاطمة وصنعت فيلمًا بعنوان «ضع روحك على يدك وأمش» وهذا الأمر أو هذه النصيحة هى التى تعبر عن الروح التى كانت لدى الشهيدة فاطمة حسونة وهى تصنع فيلمها الذى عرضه مهرجان «كان» بعد شهر واحد من رحيلها فى قصف جوى إسرائيلى راحت ضحيته هى وأسرتها، وقد وضعت فاطمة روحها على كفها وسارت وسط أنقاض غزة وهى تنقل للعالم بكاميرا الموبايل شكل الحياة التى عاشتها فاطمة ولم تشاهد غيرها أبدًا.
ومشكلة الحياة فى قطاع غزة انها تمثل كارثة مزدوجة داخلية وخارجية، لأن المعاناة فى الداخل نتيجة سياسات أوصلت القطاع إلى المواجهة المباشرة مع قوة صهيونية غاشمة تريد أن تجعل الحياة فى القطاع مستحيلة، بدون طعام ولا ماء ولا كهرباء ويعتمدون فقط على المساعدات التى لا تصل أساسًا، أما المعاناة الخارجية فهى بانشغال العالم بالحروب والصراعات حتى أصبحت غزة مجرد بؤرة صغيرة للمعاناة بالمقارنة بحروب وخسائر العالم من حولها ولا أحد يهتم وهذا ما أرادت فاطمة حسونة أن تقدمه للعالم.
تقول فاطمة فى الفيلم الوثائقى إنه لم يعد لدينا شيء لكى نخسره، لأن كل الأحلام تحطمت مع المنازل والمدارس والمستشفيات ولم يعد أحد يحلم أو يعيش على أمل الحياة فى يوم جديد وواقع جديد، وتشير فاطمة إلى أن وسائل الإعلام التقليدية خلقت حالة من الاعتياد عند المشاهدين، كما أن إصرار العدو على عدم التخلى عن العقاب الجماعى لسكان غزة جعل الحياة تزداد صعوبة يومًا بعد يوم.
تقوم السينما الوثائقية بدورها العظيم فى كشف جرائم الاحتلال وتوجه الرسالة تلو الأخرى للعالم، وتأتى المفاجأة أن فاطمة حسونة تستشهد وهى التى تقوم بتوجيه الرسالة إلى العالم، وقد مات قبلها أكثر من 200 صحفى ومصور وهم يقومون بعملهم من أجل تصوير حقيقة ما يحدث فى القطاع ويناشدون العالم لإنقاذ حياة ما تبقى من أهل غزة.