المليارات التى تخصصها الدولة وتنفقها على المواطنين الأولى بالرعاية من محدودى ومعدومى الدخل عبر آلية الدعم العينى قد تصيبه بعض الشوائب خاصة اننا عندما نلمس مشاركة بعض من أصحاب الطبقات العليا فيه والحصول عليه استغلالا لثغرات فى قوانينه وضوابطه مما يؤدى لارتفاع فاتورة ما تتحمله الدولة لهذا النوع من الدعم فضلا عن الاهدار المتوقع فى سلع الدعم العينى خاصة مع تلاعب التجار والمحتكرين.
ومن الأهمية تحسين كفاءة نظام الدعم لضمان تحقيق أقصى قدر من العدالة الاقتصادية وأهدافه الاجتماعية والسياسية وان يتوافر لدينا رؤية شاملة بتخطيط دقيق عند بدء تنفيذه وهذا فإن الاتجاه إلى الدعم النقدى سوف يوفر هدرًا كبيرًا كان من الأفضل أن يوجه للمستحقين.
ربما تحتاج بعض من الدول لتوفير الدعم السلعى التموينى وتراه ضرورة خاصة فى الظروف الاقتصادية التى يمر بها العالم من ارتفاع فى الأسعار مع مراعاة ان لكل بلد ظروفه.. وبالتالى عندما يتم المفاضلة بين الدعم العينى السلعى أو النقدى لابد من تحديد المعايير الضرورية للتخارج من نظام لآخر وبما يتناسب مع الهدف الأساسى الخاص بمساعدة الفئات الأضعف اقتصاديا.
من المؤكد أن الدولة نجحت خلال السنوات العشر الماضية فى التوسع بمظلة الدعم حيث لم يقتصر على السلع التموينية بل امتد ليشمل مبادرة تكافل وكرامة ودعم الإسكان الاجتماعى ورغيف العيش الذى يتكلف 125 قرشا ويتم طرحه عبر بطاقة التموين بسعر 20 قرشا.
بالفعل حرصت الدولة ولعهود عديدة على المحافظة على الدعم العينى للسلع لإدراكها أن من واجبها توفير حياة معيشية كريمة لأبنائها غير القادرين على الوفاء بمتطلباتهم لذلك التزمت بتوفير الحد الأدنى على الأقل من السلع الإستراتيجية.. ولكن من الأهمية وصولها لمستحقيها الحقيقيين دون وسيط.
أتصور أنه فى حالة استقطاع مثل هذا الدعم من فئات عديدة ليست بحاجة إليه سوف يسهم فى زيادة الدعم للفئات التى تستحقه.. ولا يمكن إغفال ان الطبقة الوسطى ليست بعيدة عن الاحتياج لهذا الدعم حتى تزول الأسباب الاقتصادية العالمية الحالية.. وبالرغم من أنهم أكثر قدرة من الفئات الدنيا على تحمل تقلبات الأسعار
ووجود رقابة حقيقية على الأسواق شرط أساسى لتفادى المعوقات التى يواجهها الدعم العينى من استفادة بعض من التجار المتعاملين فى السلع الأساسية خاصة عند تعاونهم مع أصحاب بطاقات التموين.
وينبغى مراعاة ان الدعم العينى يعتمد على ضمان تخصيص الموارد للاحتياجات الأساسية للمواطنين مع تقليل مخاطر سوء التخصيص والاهتمام بتحفيز الاقتصاد الداخلى أو المحلي.
التخارج من الدعم العينى أو السلعى نحو الدعم النقدى على أهميته يتطلب التحقق من وجود سوق منضبط وتنافسى بشكل عادل حيث ان التجار لديهم حاسة الاستشعار للزيادة السعرية للسلع بمجرد الإعلان عن زيادة الدخل فى المرتبات والمعاشات وبالتالى يتحصلون عليها دون أعباء لديهم.. والتحول للدعم النقدى هدفه تحقيق العدالة الاجتماعية مع الكفاءة الاقتصادية وبحيث تكون الأسعار حافزا للمنتج والمستهلك حيث انه يقوم على أساس مبدأ الاستقلالية التى تتيح للمستحقين تخصيص احتياجاتهم وفقا لأهدافهم ورؤيتهم بدلا من التقيد ببعض السلع والخدمات المحددة من قبل.
ولابد من مراعاة ان تفعيل الدعم النقدى حاليا فى ظل ارتفاع الأسعار عالميا ربما يتحول إلى خطوة جريئة نظرا لأن الدولة الأكثر قدرة على تحمل الزيادة فى الأسعار فى حين ان المستحق للدعم النقدى سيكون الأكثر تعرضا لتقلبات الأسعار.
اعتقد ان مساندة المجتمع المدنى ورجال الأعمال والقطاع الخاص مع الدولة لإقامة شوادر اليوم الواحد أو الأسبوعية للسلع الاستهلاكية وخاصة الإستراتيجية منها لطرحها بسعر الجملة كفيل للحد من ارتفاع الأسعار ومساعدة فئات معينة للخروج من دائرة الفقر.