فى ظل ما يشهده العالم حاليا من أزمات متلاحقة تزداد شدتها وتحكم قبضتها على العالم لا يحضرنى سوى ما قاله المستثمر الأسطورى وارن بافيت: «فقط عندما ينحسر المد، تعرف من كان يسبح عارياً». وبعبارة أبسط، فإنه يعنى أن الانكماش كفيل بكشف خوضنا فى الكثير من المخاطر.
إننا نمر فى فترة اقتصادية خانقة ترمى بظلالها على العالم أجمع ويختصرها ارتفاع الأسعار وندرة القوة الشرائية وخسائر متتابعة فى إيرادات الشركات بسبب التضخم، وهو ما أثر سلبا فى إيقاف او تجميد التوظيف وما يتبعه من ارتفاع البطالة. فلا عجب من عزوف أصحاب رءوس الأموال عن ضخ أموالهم فى السوق فى مثل هذه الأوقات وتجميد أموالهم فى البنوك تحسبا لاى مفاجأة قادمة فى ظل الأوضاع الاقتصادية المقلقة وحتى أصبح لدى المستثمرين ما يسمى « باقتصاد القلق».
لم يعد «اقتصاد القلق» ينطبق على المستثمرين فقط بل تجاوزه ليصل الى الحكومات والدول، لا سيما الدول الفقيرة التى تحاول جاهدة قدر الإمكان أن تعيش اللحظة فقط، فى ظل غياب خطط مستقبلية لأنها تجهل المستقبل وتقلباته المستمرة والمتزايدة.
أصبح «القلق»؛ يغِيم سلوكنا الاقتصادى فى الوقت الراهن، وأصبحت الشكوك المسيطر الوحيد على التفكير فى كل مشروع قابل للاستثمار وأصبح المال الداخل لا يعود. واننى دائما ما أتساءل عن مصير الشركات التجارية مثل «المطاعم» والمولات والازياء والكثير من الخدمات التى تعد استهلاكية، والتى عادة ما تتلقى الضربة الأقوى فى ظل اقتصاد هش. لذلك وجب مع اقتراب غيوم الاقتصاد القلق التوجه للتركيز على الاعمال التجارية «عالية الطلب»، او ما يسمى «الاعمال التجارية المضادة للركود»بوصفها السر الوحيد للنجاة فى ظل قسوة الظروف الحالية وبصفتها الأعمال الأكثر صمودا فى وجه الأزمات الاقتصادية.
أن ما شهده العالم مؤخرا من ارتفاع أسعار الفائدة لن يتوقف عند هذا الحد، فالمخاوف تتصاعد يوما بعد يوم بسبب التضخم وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وهو أيضا ما حذر منه الرئيس التنفيذى لبنك «جيه بى مورغان»، جيمي ديمون قائلا «من أنه إذا اضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الاستمرار فى رفع أسعار الفائدة لتهدئة التضخم، فسيكون ذلك مؤلما.»وحذرا أيضا من أن رفع أسعار الفائدة بنقاط أخرى ستكون «أكثر ألما»و»سيكون هذا هو الاتجاه الذى سينحسر».
فى النهاية، علينا ان لا ندخل فى «لعبة التخمين»؛ لأن الغيوم ما زالت تحجب الرؤية و إن البيانات القاتمة تقود الى صعوبة التنبؤ وأن المفاجآت السريعة وبيئة عدم اليقين دفعت بالكثير باتجاه التسليم بحالات الركود.
وكنت قد ذكرت فى مقالة سابقة تحت مسمى « فى مواجهة الكساد العالمى الأكبر فى التاريخ»، مجموعة من المقترحات التى قد تساهم فى التقليل من حدة الركود الاقتصادي، واقتبس منها مرة أخري، ضرورةتقديم اقتراحات بديلة بعيدا عن فرض ضرائب جديدة تعرقل الانتعاش المطلوب. إضافة إلى إلغاء الضريبة عن المشاريع الاستثمارية الجديدة فى الزراعة والأدوية، وكذلك كافة الصناعات المجدية، وتأمين الحماية اللازمة لها وصولا الى الاكتفاء الذاتى فى الدولة. وضرورة التركيز كأولوية على التحول الى دولة رقمية، بما فى ذلك فى تجارة الخدمات، وفى التعليم (بشكل خاص التعليم الرقمي) وفى الحكومة الرقمية، وتحديث وتطوير قوانين التعليم والتعامل الرقمى بشكل شامل وفعال. جنبا الى جنب مع اعتماد سياسات تحفيز النمو فى الناتج القومى ودعم الربحية فى الشركات توفيرا للمزيد من فرص العمل ولتوسيع الوعاء الضريبى مما يحقق دخلا ضريبيا أكبر للدولة (دون اللجوء لزيادة مباشرة على الضرائب). ناهيك عن اعتماد الشفافية وإشراك القطاع الاقتصادى والمواطنين فى اتخاذ القرار.
تظل القاعدة الذهبية للتصدى للركود الاقتصادى هى التركيز على الحاجات الضرورية بوجود خدمة ذات قيمة وسعر مقبول.