في خضم الأحداث المأساوية التي تشهدها ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث اجتاحت العواصف والحرائق مساحات شاسعة كثرت التساؤلات في وسائل التواصل الاجتماعي حول مغزى هذه الكوارث وأسبابها.
يرى البعض أن هذه الظواهر هي تجسيد لغضب الله وعقابه على البشرية بسبب ذنوبها، بينما يعتقد آخرون أنها مجرد ظواهر طبيعية تحدث وفق قوانين كونية أودعها الله في الأرض.
هذا الجدل أثار الكثير من النقاشات وأسفر عن عديد من التحليلات التي تتطلب تدقيقا وتصحيحا لرؤية الدين الصحيحة والمتوازنة حول هذه القضايا.
تعددت الآراء والتفسيرات حول هذه الكوارث على مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن تلخيصها في اتجاهين:
1 – رؤية الكوارث كعقاب إلهي: حيث يرى البعض الكوارث الطبيعية غضب إلهى على البشر، مستشهدين بقصص الأقوام السابقة التي ذكرها القرآن الكريم، مثل قوم نوح وعاد وثمود، الذين أصابتهم الكوارث بسبب عصيانهم وكفرهم، معتبرين أن ما يحدث اليوم استمرار لسنة الله في معاقبة العصاة.
2- الكوارث نتيجة طبيعية للكون: على الجانب الآخر، هناك من يؤكد أن الكوارث الطبيعية جزء من نظام الكون الذي أوجده الله، وهؤلاء يرون أن الأسباب العلمية مثل تغير المناخ والاحتباس الحراري، والإهمال البيئي عوامل مباشرة وراء هذه الظواهر وليس غضبا الهيا بالضرورة. بين حرائق الطبيعة وحرائق الإنسان تأملات في العواصف النارية وكارثة غزة تتقاطع حرائق كاليفورنيا بشكل رمزى مع الكوارث الإنسانية التي يشهدها العالم، خاصة ما يحدث في غزة فبينما تحرق النيران الغابات وتدمر المنازل فى كاليفورنيا تعانى غزة من حرائق من نوع آخر، حرائق القصف والحصار، التي تلتهم الأرواح والبنية التحتية، وتخلف آثارا نفسية واجتماعية عميقة، وكلا المشهدين يعكسان ضرورة التضامن الإنساني والعمل الجاد على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات سواء في الطبيعة أو في السياسة، بما يعيد للإنسانية معانى الرحمة والعدالة.
رؤية لتصحيح المفاهيم
من هنا يبرز دور التدين الصحيح في تقديم تفسير متوازن ومستند إلى النصوص الشرعية الصحيحة والفهم العميق للدين، مع مراعاة العلم الحديث وتبرز رؤية التدين الصحيح في عدة نقاط:
1 – التفريق بين الأسباب الكونية والأسباب الإلهية
حيث تخضع الكوارث الطبيعية لنظام كوني محكم وضعه الله سبحانه وتعالي وهي جزء من سنن الحياة، فالله سبحانه وتعالى خلق الكون وجعل له قوانين تحكمه ومن ضمنها الظواهر الطبيعية كالزلازل والبراكين العواصف، وهذه الظواهر لیست بالضرورة عقابًا مباشرا بل يمكن أن تكون نتيجة لتغيرات بيئية أو إهمال بشري للبيئة، ومن هنا ، يجب على المسلمين أن يتجنبوا التسرع في تفسير الكوارث الطبيعية كغضب إلهي دون دراسة الأسباب العلمية والكونية، وهذا الفهم المتوازن يقتضي الإقرار بأن الله سبحانه وتعالي قادر على كل شيء، ولكن هذا لا يلغي دور الإنسان في الحفاظ على البيئة.
2- الابتلاء جزء من الحكمة الإلهية
الكوارث قد تكون ابتلاء من الله يختبر به صبر الناس إيمانهم، والابتلاء ليس دليلا على غضب الله، بل يمكن أن يكون سببا للتقرب إليه وزيادة في الإيمان، وفي هذا السياق فإن الكوارث الطبيعية فرصة للتأمل في قدرة الله وحكمته، وللتفكر في تقصير الإنسان تجاه نفسه ومجتمعه وبيئته.
3- مسئولية الإنسان تجاه البيئة
يجب علينا التركيز على دور الإنسان في الحفاظ على البيئة كجزء من الأمانة التي حمله الله إياها ، فإن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان الأرض ليعمرها ويحسن التعامل معها، ولكن ما نراه اليوم من إهمال بيئي واستهلاك مفرط للموارد هو السبب الرئيسي في العديد من الكوارث.
4 – الدعوة إلى التضامن الإنساني
وقت الأزمات يبرز الإسلام كدين يدعو إلى التكاتف والتعاضد بين الناس والكوارث ليست وقتا لتوجيه اللوم أو إطلاق الأحكام بل هي لحظة لتجديد القيم الإنسانية حيث يساهم الجميع في إغاثة المتضررين بغض النظر عن معتقداتهم أو جنسياتهم.
5- التوازن بين العلم والدين
الإسلام ليس في صراع مع العلم، بل يدعو إلى البحث والتدبر في الكون والتعامل مع الكوارث الطبيعية يتطلب فهماً شاملاً يأخذ في الاعتبار التفسيرات العلمية، مع الاحتفاظ بالإيمان بحكمة الله وقدرته جل وعلا ، والتدين الصحيح يدعوا إلى نشر الوعي بأهمية الفهم المتوازن للكوارث الطبيعية، بعيدا عن التطرف في الرؤية أو التفسيرات السطحية.
الكوارث ليست مجرد أحداث عشوائية لكنها أيضا ليست بالضرورة عقابا إلهيا مباشرا. لذا ينبغي أن تتحول هذه اللحظات إلى فرصة للتقرب إلى الله من خلال التفكر في قدرة الله سبحانه والعمل الصالح، وإعادة النظر في علاقتنا بالبيئة وبالآخرين. كما يجب أن تكون على قدر المسئولية في مواجهة التحديات، من خلال نشر القيم الإنسانية التي تدعو إلى التعاون والتكافل، والعمل على حماية كوكبنا للأجيال القادمة. بهذا الفهم العميق، يمكننا أن نجمع بين الإيمان والعلم ، ونحقق الهدف الذي من أجله خلقنا الله: إعمار الأرض والعمل بما يرضيه.