غزوة بدر (وتُسمى يوم الفرقـــان)؛ وهى غـــزوة وقعت فى 17 من رمضان العام الثانى من الهجرة..وتُعد غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التى وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكة والمدينة المنورة، وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام، وتمخَّضت عن عدة نتائج نافعةٍ بالنسبة للمسلمين، بعدما أصبحوا مهابين فى المدينة وما جاورها.
إعداد: محمد زين العابدين
النصر لأصحاب اليقين
أعظم انتصارات المسلمين وفتوحاتهم جاءت فى شهر رمضان المبارك لتؤكد أن رمضان شهر جِد وعمل واجتهاد فى مختلف المجالات، وشهر مجاهدة للنفس، وعمل وانتصارات وليس شهر كسل وخمول وتواكل، حيث يهزم الصائم فيه رغبات نفسه وغرائزها التى تميل إلى التعلق بالدنيا، وهذا ما حدث فى غزوة بدر الكبري؛ فقد جرت أحداثها فى شهر الصيام وسط اختبار جوع وتهديد وجود ، وكانت موازين القوة تميل ناحية قريش، بينما يملك المسلمون عزيمة قادرة على إذابة الجبال مقرونة بصيحات التكبير والتهليل التى تمثل مددًا روحيًا وزادًا جسديًا للمسلمين فى تلك المعركة الفاصلة، ولم يُخلف الله وعده بنصر عباده الذين لم يتواكلوا بل توكلوا وأخذوا بأسباب النصر وأحسنوا الاستعداد، ثم فوضوا لله أمرهم وخاضوا الحرب بقلوب مملوءة باليقين فى نصر الله العزيز الحكيم
إن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت دفاعًا عن وجود دولة وليس اعتداءً على آخرين دون وجه حق، وعلينا التحلى بروح الانتصارات والفتوحات الإسلامية، والاهتمام بالعمل والاجتهاد حتى تبلغ مصر مكانتها اللائقة بين الأمم.
د. شوقى علام
عضو مجمع البحوث الإسلامية
ميلاد الشورى والأخذ بالأسباب
سيرة النبى صلى الله عليه وسلم ومسيرته لا ينبغى أن تكون ماضيًا، أو مجرد سرد قصصي، بل إننا مطالبون أن نعيش هذه السيرة، ونحولها إلى منهج حياة، وواقع عملى فى دنيا الناس، فلا حاضر لأمة تجهل ماضيها، ولا مستقبل لأمة تنسى فضائلها؛ ففى غزوة بدر تحولت الأمةُ من الضعف إلى القوة، ومن الذل إلى العزة، وصار المسلمون من رعاة إبل إلى قادة بشر وارتفعت فى بدر رايات المسلمين عالية خفّاقة، فقد ساهمت غزوة بدر فى تغيَّير مجرى التاريخِ، وإرْساء دعائمَ الأمن والاستقرار، ولأن بركات رمضان كانت حاضرة فى قلوب الصائمين المجاهدين جاءهم النصر والتأييد والتمكين
ولأهمية غزوة بدر فقد تناولها خبراء السياسة والتاريخ العسكرى بالشرح والتفسير لما تضمنته أحداثها حيث رسمت غزوة بدر منهجية الإسلام فى تأسيس الشوري، وعدم الاستبداد بالرأي، والأخذ بالرأى الآخر متى كان سديدًا حكيما، فكانت غزوة بدر بمثابة إعلان رسمى وميلاد حقيقى للشورى باعتبارها أحد دعائم قيام دولة الإسلام، ولم تقف دروس غزوة بدر عند الشورى بل تجاوزتها إلى إقرار أن الأخذ بالأسباب لا يغنى شيئا عن اللجوء إلى رب الأسباب، فبعدما قام الرسول والمسلمون بجمع كافة المعلومات والاستعداد لخوض حرب أخلصوا اللجوء فيها إلى الله تعالي، فبعدما أخذ النبى صلى الله عليه وسلم بكل الأسباب المُتَاحة، رجع إلى عريشه الذى بُنى له ومعه صاحبه أبو بكر، وسعد بن معاذ رضى الله عنهما يقفان على باب العريش لحراسته وهو شاهر سيفه، واتجه إلى ربه بالدعاء، وهذا ليس بهين فكم أقام الدعاء ممالك وأزال ممالك! سائلا ربَّه عزَّ وجل العنايةَ، مستمدا منه المعونة، مظهرا افتقاره إلى الله تعالي، متبرئا من الحول والقوة .
د. إبراهيم نجم
أمين عام دور وهيئات
الإفتاء فى العالم
بداية تاريخ دولة السلام والوسطية
صبيحة يوم غزوة بدر جعل صلى الله عليه وسلم جيشه فى صفوف للقتال، وبقى صلى الله عليه وسلم فى قبة بمشورة سعد بن معاذ يدير منها المعركة، وجعل صلى الله عليه وسلم يُكثر من دعاء ربه، حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر، وقال: يا نبى الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ « فخرج وهو يقول: « سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُر « ، ورمى النبى صلى الله عليه وسلم المشركين فى وجوههم بالحصي، فقال الله تعالى لنبيه حتى يطمئن: «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ»، وبدأت المعركة والتقى الجيشان فى ملحمة كبيرة، وأمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالملائكة يقاتلون معهم ، ويشرح لنا المولى سبحانه ذلك المدد فى قوله جل جلاله: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ»، وبعد المواجهة قتل من المشركين سبعون رجلاً، حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماءهم قبل المعركة، كما حدد أماكن مصرعهم فما أخطأ أحد منهم الموضع الذى حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا بدأت مرحلة جديدة وبدأ المسلمون كتابة تاريخ جديد للدولة التى تقوم على المحبة والسلام ونشر الوسطية والاعتدال فى الدعوة إلى الله معتمدة على منهجية التعايش المشترك دون إقصاء.
د. محمد أبو هاشم
عضو مجمع البحوث الإسلامية
معركة القيم
يوم بدر سماه الله تعالى يوم الفرقان وقد أعطى الله من حضره منحة لم ينلها غيره «لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ»، فقد غفر لهم الذنوب الماضية ووعدهم بمغفرة ما يقع من ذنوبهم مستقبلا؛ فليست بدر معركة حربية حدثت فيها مكاسب وخسائر على كافة المستويات، وإنما فيها قيم سبب لكل نصر مهما تغيرت ملابسات المعارك وزمنها، وفيها مفاتيح ينبغى امتلاكها، أبرزها ضرورة امتلاك الإنسان إرادته وطلب المعونة من الله حتى ينتصر بتأييد الله تعالى له، وأن يكون لدى الإنسان يقين بأن النصر من عند الله تعالي، وما الأسلحة والجنود إلا أدوات قد توصل إلى النصر وقد تكون سببا فى الهزيمة، ولم يكن طلب النصر من الله تعالى من خلال الاستغاثة والدعاء فحسب، بل كان بإعمال القيم الإسلامية وإعلائها ومن هذه القيم الوفاء، فقد خرج حذيفة بن اليمان مع أبيه فلقيهما المشركون فقالا لهما: إنكما تريدان محمدا، قالا: ما نريد إلا المدينة، قال حذيفة: فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله ﷺ فأخبرناه الخبر، فقال: نفى لهم بعهدهم ونستعين بالله عليهم، لقد احترم المشركون عهد الله وميثاقه وسمحوا لحذيفة وأبيه أن يذهبا، فكيف لا يحترمه النبى ﷺ؟ وتكلفة الوفاء أقل من تكلفة الخيانة فالله تعالى لا يحب الخائنين وإذا أبغضهم فكيف يمن عليهم بالنصر والتأييد؟
د. أسامة العبد
وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب
كتابة التاريخ
من أراد كتابة تاريخ الدولة الإسلامية يقف عند غزوة بدر حيث أسهمت فى تغيير ملامح نظرة الجزيرة العربية للمسلمين بعدما أصبحت شوكة المسلمين قوية بين قبائل الجزيرة العربية، وتعزَّزت مكانة الرَّسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة، ولم يعد المنافقون بالمدينة يتجرؤون إظهار عداوتهم للإسلام؛ وإن كانوا أكثروا النِّفاق، والمَكْرِ، والخداع، فأعلنوا إسلامهم ظاهرًا أمام النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ودخل عددٍ كبيرٍ من مشركى قريشٍ فى الإسلام، وارتفعت معنويات المسلمين الموجودين بمكَّة، فاغتبطت نفوسهم بنصر الله، واطمأنَّت قلوبهم أن يوم الفرج قريب، وازدادوا إيمانًا على إيمانهم، وثباتًا على عقيدتهم.
كما كسب المسلمون مهارة عسكريَّة، وأساليبَ جديدة فى الحرب، وشهرة واسعة داخل الجزيرة العربية، وخارجها ، أمَّا قريش، فكانت خسارتها فادحة، وبعد مقتل أبى جهل، وأميَّة بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وغيرِهم من زعماء الكفر؛ لم يكن خسارةً حربيَّةً لقريشٍ فحسب، بل كان خسارةً معنويَّةً أيضًا؛ ذلك أنَّ المدينة لم تعد تُهَدِّدُ تجارتَهم فقط، بل أصبحت تهدِّد سيادة قريش ونفوذها فى الحجاز كلِّه، وبذلك تعدُّ غزوة بدر رغم صغر حجمها معركة فاصلة فى تاريخ الإسلام، ولذلك سماها الله عز وجل يوم الفرقان، فرقان بين الحق والباطل.
د. محمد الشرباني
أستاذ الحديث بجامعة الأزهر
فاتحة الخير على الرسول والرسالة
وقعت غزوة بدر صبيحة يوم الإثنين 17 رمضان 2هـ، على أرض بدر ، وهى معبر القوافل المتجهة إلى الشام والعائدة إلى مكة المكرمة، وكانت أرض بدر تمثل أحد أسواق العرب المشهورة بسبب موقعها الجغرافى بين مكة والمدينة، وبعدما سمع المسلمون تحرك قافلة كبيرة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبى سفيان بن حرب، انتدب النبى صلى الله عليه وسلم، أصحابه للخروج، وبلغ عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، منهم من الأنصار بضع وأربعين ومائتين، ولم يكن معهم إلا فرسان، وسبعون بعيًرا يتعاقبون على ركوبها، وعلم أبو سفيان بخروج المسلمين لأخذ القافلة، فسلك بها طريق الساحل، وأرسل لاستنفار أهل مكة، فاستعدت قريش للخروج دفاعًا عن قافلتها، وحشدت كل طاقتها، ولم يتخلف منهم إلا القليل، فقد رأت قريش فى ذلك مساسًا بمكانتها، وامتهانًا لكرامتها، وضربًا لاقتصادها، وبلغ عددهم نحوًا من ألف مقاتل، ومعهم مائتا فرس يقودونها، وظهرت الخلافات بينهم بعد نجاة القافلة بين مريد للعودة دون قتال المسلمين، وبين مصمم على القتال مثل أبى جهل، ولم يعد هدف قريش نجاة القافلة، بل تأديب المسلمين، وتأمين طرق التجارة، وإعلام العرب بقوة قريش وهيبتها، ولما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة، جاء إصرار قريش على الحرب كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون، وغلبت مشيئة الله وإرادته أن تكون تلك المعركة فاتحة الخير على الرسول والرسالة، رغم مخاوف المسلمين ورسولهم أن تكتب نهاية القصة قبل بدايتها، ولكن الله تعالى ناصر جنده لا محالة ولو كره المشركون، فوعدهم ووعد الله حق وأمدهم بجند من جنده والله غالب على أمره
د. محمد داوود
الأستاذ بجامعة قناة السويس
الابتكار فى الخُطط العسكرية
شهدت غزوة بدر عددا من الدروس التى كشفت الفكر الاستراتيجى لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث ابتكر الرسول صلى الله عليه وسلم فى قتاله يوم بدر أسلوبًا جديدًا فى منازلة الأعداء يتمثل فى نظام الصفوف، وقد كانت العرب تقاتل بأسلوب الكرّ والفرّ، وهو الأسلوب المعهود بينهم، فعمد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ابتكار أسلوب الصفوف، ومن صور الابتكار بعد نزول النبى صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه على أدنى ماء بدر من المشركين، وتخصيص مقر لقيادة الجيش يتمكن القائد فيه من متابعة المعركة وإدارتها
وفى غزوة بدر الكبرى رفع صلى الله عليه وسلم الروح المعنوية لأصحابه قائلًا: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ»، حيث تعتبر الروح المعنوية مصدرًا من مصادر التفوق العسكري، ومن صور التعبئة المعنوية أنه صلى الله عليه وسلم كان يبشرهم بقتل صناديد المشركين، وزيادة لهم فى السكينة والاطمئنان كان يحدد مكان قتلى كل واحد منهم، وقد أثرت هذه التعبئة المعنوية فى نفوس أصحابه رضوان الله عليهم والذين جاءوا من بعدهم بإحسان. . لما نظّم صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه، وأخذ بكل الأسباب المُتَاحة، رجع إلى عريشه ومعه صاحبه أبو بكر، وسعد بن معاذ على باب العريش لحراسته، واتجه صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء إظهار لافتقَاره إلى المولى سبحانه وتعالي، والتبرُّؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذِّلةِ البشرية، وفيه معنى الثناء على الله تعالي، وإضافة الجود، والكرم إليه؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»، وكم أقام الدعاء ممالك وأزال ممالك! فشأنه عظيم، وأمره جسيم .. وكان النبى صلى الله عليه وسلم يَحثُّ شعراء المسلمين القيام بواجبهم فى الدفاع عن المسلمين وإخافة الأعداء بقصائدهم الشعرية؛ ولا شك أن للإعلام دور فى إحداث النكاية فى الأعداء.
د. محمد الوردانى
الأستاذ بإعلام الأزهر