غباء رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يصور له أنه سيقضى على المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة خلال الأسابيع القليلة القادمة خاصة بعد تعمده إفشال المفاوضات الرامية لوقف إطلاق النار، وهوهنا – أى نتنياهو – يستبيح لنفسه مواصلة العدوان وحرب الإبادة ضد سكان القطاع طوال شهر رمضان وحرمانهم من أبسط أشكال حقوق الإنسان فى الهدنة والتقاط الأنفاس وعبادة الله سبحانه وتعالى بالصلاة والصيام، والأصعب حرمان أولئك السكان من الطعام والشراب فى « الإفطار والسحور»، لتستمر الحرب الإسرائيلية بكل تفاصيلها «البشعة» منذ إشتعالها قبل أكثر من خمسة شهور، وليستمر سقوط الشهداء والمصابين بالقصف الجوى والمدفعي، أو بالحصار والجوع.
اللافت هنا أنه رغم كل هذه «الوحشية» الإسرائيلية فى الحرب على رجال المقاومة الفلسطينية والمدنيين الأبرياء من سكان غزة، إلا أن المقاومة مازالت باقية، والمدنيون مازالوا صامدون، حتى فى شهر رمضان الكريم، وفى رفح الفلسطينية وحدها تجمع نحو 1.3 مليون شخص يعيش الكثيرون منهم فى خيام بلاستيكية ويواجهون نقصا حادا فى الغذاء، ورغم هذه القسوة نجد المرآة الغزاوية فى أقوى حالاتها وقالت أم لخمسة أطفال :» ليس لدينا أى طعام أو شراب فى رمضان لأننا صيام منذ خمسة شهور»، بينما أكدت سيدة أخري» أن رمضان هذا العام ليس مثل كل عام ولكنهم صامدون وصابرون وأنهم سيحرصون طوال الشهر على الصلاة والدعاء»، وذكرت سيدة ثالثة أنها لن ترضخ لإرهاب جيش الاحتلال وستظل تقاوم حتى آخر لحظة فى عمرها.
المثير للدهشة والاعجاب فى كل الصور السابقة، أنه وإلى جانب هذا القدر الكبيرمن الصبر والصمود لدى الأشقاء الفلسطينيين، هذه الحالة الإيمانية التى لا تفارقهم منذ بدء العدوان الإسرائيلى والحصار وحتى الآن، وأنهم رغم قسوة الحرب وضراوة القصف والضربات يزداد إيمانهم بالله سبحانه وتعالي، كما يزداد حرصهم على الصلاة والدعاء، وهنا نستحضر حالة مصرية مشابهة فى حرب السادس من أكتوبر1973م العاشر من رمضان 1393هـ، عندما وقعت ما سمى بعملية « الثغرة» بالضفة الغربية لقناة السويس، فقد تصور العدو الإسرائيلى أنه بهذه الثغرة يمكن أن يقضى على إنجازات عبور القوات المسلحة المصرية للقناة و تحرير قطاع كبير من سيناء من دنس الاحتلال ، وقيل وقتها أن إسرائيل تساوم لإعادة قواتنا من الضفة الشرقية مقابل إخلاء الضفة الغربية للقناة من القوات الإسرائيلية، غير أن إيمان المصريين بالله وثقتهم فى قدراتهم غيرت من الموقف تماما، وشهدت قوات الاحتلال غرب القناة أكبر عملية تصفية فى تاريخ إسرائيل، وقتل المقاومون المصريون آلاف الجنود الإسرائيليين وحملوا جثثهم على عربات « الكارو» وسط نداءات « الله أكبر والحمد لله وما النصر إلا من عند الله، وهو ما بث الرعب فى قلوب قادة تل أبيب وعجل فى النهاية بالقضاء على الثغرة وانسحاب القوات الإسرائيلية من غرب القناة، واحتفاظ مصر بنصرها العظيم والمجيد.
وحقيقة فإن حروب التحرير من الاستعمار – وعلى مدار التاريخ- شهدت ما يشبه المعجزات فى مقاومة المحتل، وقد ضحت الجزائر بأكثر من مليون شهيد لأجل تحريرها من الاحتلال الفرنسى الذى استمر نحو 130 عاما، كما قدمت فيتنام نحو 3 ملايين قتيل فى حربها ضد الولايات المتحدة ،أما فى الصين فقد بقيت تجربة تحرير البلاد من الاحتلال اليابانى على يد «ماو تسى تونج «ماثلة حتى الآن، لاسيما بعد أن أصبحت الصين إحدى أهم القوى الكبرى فى العالم ويقال أن « ماو» خاض 16 معركة فى بداية حرب التحرير وخسرها كلها، وعندما عبر أحد قادته عن يأسه من ذلك، قال له «ماو» أنه وضع فى حساباته خسارة مائة معركة قبل تحقيق النصر، ومن ثم فلا مجال لليأس ولابد من الثقة بالقدرة على النصر وتحرير البلاد.. وهو ما قد كان.
أعود لما بدأت به، وهو أن الأحداث ستثبت غباء رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، بأنه يظن أنه قادر على القضاء على المقاومة الفلسطينية فى غزة، متناسيا أن جرائمه فى القطاع جعلت مفهوم المقاومة هو السائد بين سكان القطاع سواء المقاومة بالسلاح أو بمكافحة الحصار والصبر على الجوع أو بتكريس مشاعر الكراهية من قبل كل شعوب المنطقة ضد الإسرائيليين والأخير من أخطر الأسلحة، كما أن تعمد نتنياهو قتل الاطفال لا يعنى تمكنه من ذلك، وأن معظم أولئك الأطفال سيتحولون فى المستقبل، إلى أبطال للمقاومة يتصدون للاحتلال وينتقمون من كل ما هو صهيوني، بما يعنى أن كل الفلسطينيين سيشكلون فى المستقبل فرق المقاومة وسيحملون السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلى الذى استولى على أراضيهم وحرمانهم من بيوتهم ومن نعمة العيش فى أمن وأمان.
فى الأخير، فقد كتب نتنياهو بحربه الوحشية على غزة نهاية للسلام فى المنطقة، وأعاد للمقاومة الفلسطينية احترامها وشعبيتها، كما أعاد إسرائيل إلى آجواء الصراع وحرب ستطول.