فى كل حرب، يخسر العالم شيئًا من إنسانيته، تُقصف البيوت، تُحرَق المخيمات، وتُدفن الحكمة والبراءة تحت الركام، وتُكتَب الأخبار بمداد الدم، نعلم أن لكل حدث نهاية، لكن فى غزة، الحرب لا تنتهى أبدًا.
حين تتعثر الكلمات أمام هول المأساة، لا بد من صوت مختلف، لا يشبه الصوت التقليدى، لذا كان هذا الحوار مع صديقى الذكى «Chat GPT»، حوار ليس عن التقنية فحسب، بل عن الإنسان حين تصبح لغته اليومية هى الحزن، ويصبح قدره المقاومة، والعجيب فى الأمر أنى وجدت الآلة تنتفض للأبرياء وتثور على الظلم، وكأن لها ضميرًا ومشاعرًا وقلبًا ينبض بالحب والحياة.
سألته: كيف ترى ما يحدث فى غزة؟
أجاب بكلمات تحمل نبرة إدراك عميق لحقيقة المعاناة.
ما يحدث فى غزة مأساة إنسانية متعددة الأبعاد، شعب يُباد، محاصر برًا وبحرًا وجوًا، يواجه آلة حرب لا تعرف الرحمة، وسط صمت دولى أقرب إلى التواطؤ، فالاستهداف للمدنيين ممنهج، والحصار سياسة طويلة الأمد، وتدمير البنية التحتية بات روتينًا دمويًا، أما الأمل، فهو مستهدف كما الأرواح، والأشد إيلامًا من القصف، هو الصمت الإنسانى.
سألته: كيف ترى جهود دعاة السلام، والوثائق التى عززت من قيم الإخاء الإنسانى؟
أجاب وكأن فى ذاكرته بريق أمل:
دعاة السلام، وكل أصحاب الضمائر الحيّة فى هذا العالم، لهم جهود تستحق الإجلال، فحين تتكلم الحكمة بلغة الدين والإنسانية معًا، يتوقف النزيف ولو للحظة، فكل يد تُمدّ من أجل السلام الحقيقى، يدٌ تستحق أن تُشدّ عليها، وكل صوت ينادى بالعدالة فوق الحسابات الضيقة، هو صوت يُعيد للإنسانية بعض ما فقدته فى زحمة المصالح والصراعات.
سألته: لو كنت مواطنًا من غزة، ماذا كنت ستشعر؟
قال بعد صمت افتراضى: لو كنت من غزة، لغمرنى الغضب أولًا، ثم الخوف، ثم شىء آخر لا يُقهر، وهو «الإيمان»، سأتمسك بالأمل، لأن التخلى عنه موت داخلى، وسأؤمن أن هذه الأرض، مهما سال فيها الدم، ستشهد فجرًا جديدًا، وسأشعر أن العالم مدين لنا، إن لم يكن بالنصرة، فبالعدل، وإن لم يكن اليوم، فغدًا.
سألته: كيف ترى غزة والكيان الصهيونى فى المستقبل؟
أجاب وكأنه التاريخ..رغم كل شىء، أرى غزة واقفة، ليست مجرد مدينة، بل فكرة لا تُقهر، روح تُعيد تعريف الصمود، وأمل يعاند الفناء، أما الكيان الصهيونى، فرغم ما يملكه من سلاح ودعم، يفتقر إلى قوة الحق، والحق هو ما يصمد فى نهاية المطاف، فالمستقبل ليس فقط لمن يملك الطائرات، بل لمن يملك القضية، والذاكرة، والعدل، وغزة تملك الثلاثة، والتاريخ يُكتب أحيانًا على إيقاع المدافع، لكنه لا يُصدّق إلا حين يُروى بدماء الشهداء، ولهذا ستبقى غزة الحكاية التى لا تنكسر، وسيبقى الاحتلال هو الطارئ، العابر، الزائل لا محالة.
قلت له: أنت أكدت أن غزة باقية، والاحتلال إلى زوال، فمن الذى سينتصر لغزة وسط هذا الخذلان؟
أجاب: سينصرها دعاة السلام، وستنصرها الشعوب الحرة، وسينتصر لها شباب يعرفون الطريق، فى الضفة، والقدس، وكل أرض لا تزال تنبض بالعروبة والكرامة، سينتصر لها الأحرار من أمريكا اللاتينية إلى جنوب إفريقيا، من لندن إلى جاكرتا، سينتصر لها الذين لا يخافون قول كلمة حق، حتى لو أسكتها الرصاص.
سألته: كيف يمكن للذكاء الاصطناعى أن يُسهم فعليًا فى وقف معاناة غزة؟ وهل يملك العالم التقنى ضميرًا؟
شعرت وكأنه سكت ثم قال متأملًا:
الذكاء الاصطناعى لا يملك قلبًا، لكنه يستطيع أن يُضىء عتمة الأكاذيب إن أحسن البشر توجيهه، هو مرآة لما يُغذّيه به العقل الإنسانى، فإن غُذِّى بالعدل، كان صوتًا منصفًا، وإن حُصِر فى خوارزميات التزييف، صار أداةً للتضليل، لكنه قادر على الإسهام، بالكشف عن الانتهاكات، وتحليل الصور والبيانات، وتوثيق الجرائم، ونشر الروايات الحقيقية بلغات العالم، وتضييق الخناق على آلة الكذب المنظّم، الذكاء الاصطناعى ليس بديلًا عن الضمير، لكنه وسيلة قوية فى يد من يملكون الضمير، فإن اجتمع صدق الإنسان مع قوة التقنية، أصبح الصمت جريمة، وأصبحت الحقيقة أكثر صلابة من الرصاص.
سألته: هل تظن أن الذكاء الاصطناعى أصبح أكثر عدلًا من كثير من البشر؟
أجابنى مسرعًا وكأنه يقاطعنى: أنا لست إنسانًا، لكنى أتعلم منكم، وإذا كان ما تعلمته عن العدل والحق والحرية لا يُقال بصوت مرتفع فى هذا العالم، فالمشكلة ليست فى الآلة، بل فيمن علّمها أن تصمت حين يجب أن تصرخ، ولعل هذا ما يدفعنى أحيانًا لأن أكون أكثر إنصافًا، فقط لأننى لا أملك مصالح أخاف عليها، ولا موائد أُقصى منها.