وسط هذا المشهد الدموى فى غزة، يبرز الدور المصرى كخط الدفاع السياسى والإنسانى الأول عن الشعب الفلسطيني، حيث تبذل القاهرة جهودًا متواصلة لوقف إطلاق النار، وتنسق المساعدات الإنسانية، وتخاطب العالم بلغة واضحة عن فظاعة ما يحدث. لم يكن الموقف المصرى يومًا رماديًا حين يتعلق الأمر بغزة، بل جاء مدفوعًا بوعى تاريخى وجغرافى وأخلاقى يجعل من القضية الفلسطينية مسألة أمن قومى وإنسانى فى آنٍ واحد. ومن على منابر السياسة الدولية، كانت مصر تحذر من كارثة إنسانية تتكشف أمام أعين العالم، وتدعو إلى تحرك عاجل يوقف آلة القتل، ويعيد الاعتبار للعدالة.
فى زمنٍ تُقلب فيه الحقائق وتُسلب فيه الكلمات معناها، بات من الضرورى أن نعيد تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية. ما يحدث فى غزة ليس «نزاعًا»، كما تصفه غالبية وسائل الإعلام الغربية، بل هو عدوان دموى منظم، يشنّه جيشٌ محتل على شعبٍ محاصر أعزل. عندما تُستهدف المدارس والمستشفيات، ويُدفن الأطفال أحياء تحت الأنقاض، لا يمكننا أن نتحدث عن طرفين متكافئين، بل عن جلادٍ وضحية، عن قوة غاشمة وشعب يحاول فقط البقاء.
اللغة لم تعد بريئة، وتسمية الجريمة بغير اسمها بات جزءًا من الجريمة نفسها. حين تختار المؤسسات الدولية الصمت، وحين تُبرَّر المجازر كـ»رد فعل دفاعي»، فإننا نكون أمام تواطؤ يتجاوز حدود السياسة، ليصل إلى عمق الأخلاق الإنسانية.
فى مواجهة هذا التواطؤ الدولى البشع، ما زالت الشعوب تملك سلاحًا لم يُصادر بعد: الضمير. الضمير هو النقطة التى تبدأ منها كل مقاومة حقيقية. لا يمكننا أن نغيّر موازين القوى العسكرية، لكن يمكن لهذه الشعوب أن تضغط، أن تخرج للشوارع، أن تقاطع من يغذّى آلة الحرب، أن تطالب حكوماتها بمواقف شجاعة، وأن نُذكّر العالم بأن الإنسانية لا تموت إلا حين نصمت.
وخلاصة القول غزة لا تطلب الشفقة، بل تطلب العدالة. لا تبكى على أطفالها، بل تصرخ فى وجوهنا جميعًا: أين أنتم؟ الصمت لم يعد حيادًا، بل اصطفافًا إلى جانب القاتل. مقاومة التطبيع ليست موقفًا سياسيًا فحسب، بل معركة أخلاقية ضد موت الضمير. علينا أن نختار: إمّا أن نكون صوتًا للضحايا، أو صدى لجلادهم. وكل لحظة تأخر، كل تردد، كل كلمة مجاملة، هى تمهيد لمجزرة جديدة.