دمار 14 شهرًا يحتاج سنوات من العمل.. ومليارات الدولارات
قبل اندلاع الحرب الاسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة فى السابع من اكتوبر عام 2023 عقب عملية «طوفان الأقصي»» التى شنتها حركة حماس على مناطق غلاف غزة، كان القطاع واحدا من أكثر المناطق كثافة سكانية فى العالم اذ بلغ عدد السكان 2.4 مليون نسمة، يتوزعون على مساحة 365 كلم، لكن اليوم وبعد مرور أكثر من 14 شهرا من الدمار والخراب فى كل شبر أصبح القطاع واحدا من أكثر المناطق تضررًا من حيث الدمار المادى والإنساني..تقرير للأمم المتحدة والبنك الدولى ذكر أن الأضرار التى لحقت بالبنية التحتية تقدر بأكثر من 18.5 مليار دولار، وأثرت على المبانى السكنية، وأماكن التجارة، والصناعة، والخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والطاقة، بالإضافة الى عملية نزوح الفلسطينيين حيث وصل الأمر ببعض المدنيين الى النزوح حوالى 10 مرات.. هذا الدمار الذى وقع فى أشهر معدودة يحتاج لسنوات ــ تتجاوز العقود ــ لإعادته إلى سابق عهده، ورغم التحديات والصعاب فى تحقيق ذلك، يظل الحلم الوحيد والأمل المتبقى لسكان القطاع فى عام 2025 هو وقف حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل عليهم.
أحصى تقرير صادر عن مكتب الإعلام الحكومى فى غزة الأضرار التى لحقت بالمرافق العامة، إذ أدى الصراع إلى تدمير 240 ألف وحدة سكنية و200 منشأة حكومية، و122 مدرسة وجامعة، و610 مساجد و3 كنائس. كما سلط مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية الضوء على مدى الدمار على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة. فحتى مايو 2024، كان أكثر من 90 ٪ من المبانى فى هذه المنطقة، بما فى ذلك أكثر من 3 آلاف و500 مبني، إما مدمرة أو تعرضت لأضرار شديدة.
منظمة «أوكسفام» وهى اتحاد دولى لـلمنظمات الخيرية التى تركز على تخفيف حدة الفقر فى العالم ذكرت أيضا فى تقرير، إن مدينة غزة فقدت تقريباً كل قدرتها على إنتاج المياه، إذ تعرض 88 ٪ من آبار المياه بها، و100 ٪ من محطات تحلية المياه لأضرار أو تدمير.. على صعيد الرقعة الزراعية، أظهرت صور الأقمار الصناعية التى حللتها الأمم المتحدة، أن أكثر من نصف الأراضى الزراعية فى غزة، والتى تعد حيوية لإطعام السكان الجوعى فى القطاع الذى مزقته الحرب، تدهورت بسبب الصراع. وتكشف البيانات زيادة فى تدمير البساتين والمحاصيل الحقلية والخضروات فى القطاع الفلسطيني، حيث ينتشر الجوع على نطاق واسع بعد 11 شهراً من القصف الإسرائيلي.
هذا الكم الهائل من الدمار يحتاج الى سنوات من العمل، فقد أظهر تقرير للأمم المتحدة، أن إعادة بناء المنازل المدمرة فى قطاع غزة قد يستمر حتى عام 2040 على الأقل، وقد يطول الأمر لعدة عقود. ويتطلب الاعمار تمويلًا ضخمًا، ولكن هناك تحديات اقتصادية على المستوى الدولى والمحلي.
فى كل مرة يتم الإعلان عن خطط لإعادة الإعمار، يواجه الفلسطينيون مصاعب فى تأمين تمويل مستدام. فعلى الرغم من التعهدات الدولية بالمساعدة، فإن المانحين الدوليين غالبًا ما يترددون فى تقديم الدعم الكامل بسبب المخاوف المتعلقة بالفساد أو عدم استقرار الوضع الأمني.
تتأثر عملية إعادة الإعمار أيضًا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على حماس، والتى تحد من قدرتها على الحصول على التمويل أو التعاون مع شركات دولية. فمعظم الدول الغربية تتعامل مع الحركة كـ «منظمة إرهابية»، مما يصعب عليها الحصول على التمويل الدولى أو التعاون مع المنظمات الدولية التى تدير مشاريع الإعمار.
يعتبر الحصار الاسرائيلى أحد أكبر العوائق أمام إعادة إعمار غزة حيث يقيد تدفق المواد الأساسية اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية. الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007 بعد تولى حركة حماس ادارة القطاع يمنع أو يحد بشكل كبير من دخول مواد البناء الأساسية مثل الأسمنت والحديد، وكذلك المعدات الثقيلة، مما يجعل عملية الإعمار صعبة ومكلفة. كما أن إسرائيل تفرض قيودًا على دخول العديد من المواد بزعم انه يمكن استخدامها فى الأنفاق أو التصنيع العسكري.
إغلاق الاحتلال للمعابر امام إدخال المساعدات والمواد إلى غزة عقبة أخري، حيث تتعمد السلطات الاسرائيلية إغلاقهما بشكل متكرر بحجة عدم استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية.
حركة حماس تسيطر على غزة، بينما السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية تظل هى الجهة المعترف بها دوليًا. هذا الانقسام يعقد التنسيق بين الأطراف المختلفة ويؤدى إلى خلافات حول توزيع المساعدات وإعادة الإعمار، مما يؤخر تنفيذ المشاريع ويسبب تباينًا فى الأولويات. بالإضافة الى ذلك فان غياب التنسيق الفعّال بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس يؤدى إلى نقص فى الخطط المشتركة لإعادة الإعمار، مما يعطل عملية البناء والتطوير.
الأوضاع الاقتصادية الداخلية الفلسطينية عامل مؤثر أيضا فى قضية الاعمار، فالاقتصاد الفلسطينى هش ويعتمد على المساعدات بشكل كبير كما انه يعانى من الركود بسبب الحصار الإسرائيلى والقيود المفروضة على التجارة. فحتى لو تم توفير الأموال لإعادة الإعمار، لا يوجد أساس اقتصادى قوى لدعم هذه العملية. كما ان نسبة البطالة فى غزة مرتفعة للغاية (تصل إلى نحو 50 ٪)، مما يجعل من الصعب على السكان الحصول على دخل ثابت للمساهمة فى عمليات الإعمار أو حتى فى تحسين أوضاعهم المعيشية.
من المتوقع أن تستمر الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الدولية فى تقديم الدعم لإعادة الإعمار، ولكن التحديات الأمنية والسياسية فى غزة قد تؤثر على فعالية هذه المساعدات. بعض المنظمات الدولية قد تجد صعوبة فى العمل فى بيئة غير مستقرة، وقد تكون هناك ضغوطا سياسية من قبل القوى الكبرى (مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية لخلق بيئة ملائمة لإعادة الإعمار. كما أن بعض الدول ترفض التعامل مع حكومة حماس وتصر على أن أى عملية إعمار يجب أن تكون تحت إشراف السلطة الفلسطينية، وهو ما يزيد من تعقيد الأمر فى غزة.
من المحتمل أن تكون مشاريع الإعمار فى غزة محدودة التأثير فى المستقبل القريب، بحيث تركز على إعادة بناء بعض المنشآت الحيوية مثل المدارس والمستشفيات والمنازل، ولكن فى ظل القيود الأمنية واللوجستية، فإن إعادة الإعمار على نطاق واسع قد تكون غير ممكنة. قد تظل بعض المناطق فى غزة غير قابلة للسكن بسبب تدميرها الكامل أو بسبب استمرار القصف والاشتباكات العسكرية.
إعادة بناء البنية التحتية المستدامة، مثل شبكات المياه والكهرباء، ستكون صعبة للغاية فى ظل القيود الإسرائيلية على دخول المواد الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن أى مشروع فى غزة سيحتاج إلى ضمانات أمنية طويلة الأمد من أجل أن يظل قائما. وفى حال استمرت الحروب والتصعيد العسكري، فإن إعادة بناء هذه البنية التحتية قد تصبح غير مجدية.