فى الأوقات الضبابية يختلط الحابل بالنابل ويختلط الحق بالباطل وتزداد المتشابهات ويفضل الناس سكنى الأحياء الرمادية، ربما يفقد الناس البوصلة التى يهتدون بها إلى طريق الحق الذى يقودهم إلى تحقيق غاياتهم، بعد تفكير وتمحيص وضعت يدى على الحل الناجع وهو التجرد، والتجرد ليس له من طريق إلا عصيان الهوى الذى يعد من أصعب الأمور التى ينشدها الإنسان، فالحق مر والدفاع عنه أمر وعلى أهل الحق التسلح بالصبر دونما شكوى وهو ما يطلق عليه الصبر الجميل.
>>>
فالباطل لا يسود ويقوى إلا بانصراف أهل الحق عن مواجهة أهل الباطل، بيد أن البعض من الفئات الرمادية الذين لا يحبون المواجهات ولا يخوضون المعارك ولا يجيدون الدفاع عن معتقداتهم وآرائهم تحت لافتات متنوعة تبدأ بـ «للبيت رب يحميه» وتنتهى بـ»كبر مخك»، ورغم صعوبة التمييز بين أهل الباطل وأهل الحق فوسط الضباب لا تعرف ابن سلول من ابن أبى طالب ولا تعرف جمال عبدالناصر من حسن البنا ويختلط عليك الأمر وبعد انقشاع الضباب سترى من كان معك ومن كان ضدك، من كان يصلى ومن كان يكفر، حينها ستتفاجأ وتصيبك الصدمات عندما ترى الناس على حقيقتهم وتشتم رائحة سواد قلوبهم، لذلك انتظر دوما لحظات يصفو فيها الجو ويرحل الضباب وينقشع عن دورنا وتذوب الثلوج وتبين المروج.
>>>
«بكره يذوب الثلج ويبان المرج» هذا المثل العربى الذى يعبر بدقة بليغة عن حتمية ظهور الحقائق بعد زوال أغطية الزيف وسقوط الأقنعة التى يختبئ وراءها المدلسون، ويمكن أيضًا استخدامه فى التعبير عن حالة الترقب لاكتشاف الحقيقة الغائبة، وفى كل الاحوال راق لى استدعاء واستخدام هذا المثل فيما هو جار من أحداث وصراعات، فما يُقال عن الأوضاع والمواقف من خلال الاعلام وأشباه الموصلات الاعلامية يختلف كثيراً عن الحقيقة المجردة.
>>>
فهناك من يكذبون بصدق ومن يتاجرون فى كل شيء حتى فى ضمائرهم وشرفهم وهناك من يخونون لا إرادياً، وعلى الطرف الآخر من النهر نجد الشرفاء والاوفياء والنبلاء والمخلصين الذين يتعاملون مع القضايا والأزمات بمنطق الفرسان فلا يناورون ولا يكذبون ولا يقولون ما لا يفعلون، يتحمل هؤلاء عنتا وظلما متواصلا جراء وضوح مواقفهم، على كل غدا ستذوب الثلوج وتبين المروج، ستغادرنا الثلوج بألوانها. الخادعة وحالتها المزيفة المؤقتة وتختفى المياه الناتجة من عملية الذوبان إلى قاع التربة.
>>>
هنا ستفضى الأرض بكل أسرارها، ستزهر الارض الطيبة نبتا طيبا أما تلك الارض الخبيثة ستسرق المياه إلى باطنها وتبخل علينا بزهر أو ثمر أو شجر، ستفصح كل أرض بما لديها وكل وعاء ينضح ما بداخله، ونحن الآن نواجه حزماً من الأزمات والمشاكل والصراعات نواجه معها حزماً مماثلة من الأكاذيب والشائعات فى كل الاتجاهات، وكل قراراتك وسلوكياتك لن تحظى برضى هؤلاء فى يوم ما، فهم يضعون السيناريوهات ويرسمون التوقعات لقرار ما فى مسألة ما تخص الإدارة المصرية.
>>>
فإذا قررت مصر قرارًا فيجب المسارعة بنقده والهجوم عليه وتحميله ما لا يحتمل، فقبول مصر أمرًا ما يستوى عندهم برفضها لنفس الأمر، فالقصة ليست أين تقف مصر بقدر ما هى ضرورة الهجوم على مصر اينما وجدت.