يقول الحق سبحانه فى كتابه العزيز: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّى لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ»، ويقول سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، ويقول سبحانه : «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُبِينٍ»، ويقول سبحانه: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا».
والساعة غيب بلا شك، فعلمها وأمرها عند الله « لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ»، ولما سئل سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» متى الساعة أجاب «صلى الله عليه وسلم» بقوله: «مَا الْمَسْئولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ»، وبهذا حسم نبينا «صلى الله عليه وسلم» قضية الإفتاء أو الفتوى أو الفتيا فى هذا الأمر، فإذا كان رسولنا الكريم «صلى الله عليه وسلم» يقول: «مَا الْمَسْئولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ بِهَا مِنَ السَّائِلِ»، فمن ذا الذى يتجرأ على الله «عز وجل» بالخوض فى أمرٍ توقَّفَ سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عن الحديث فيه.
أما ما ورد من نصوص عن قرب موعد الساعة أو ظهور علاماتها فليس وليد اليوم، إنما هو ما ورد فى كتاب الله «عز وجل» وسنة رسوله «صلى الله عليه وسلم» منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة عام، حيث يقول الحق سبحانه: « وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا» «الأحزاب: 63»، ولكن مقياس ومقدار هذا القرب وموعده وعلمه عند الله «عز وجل» وحده.
غير أن بعض الباحثين عن حب الظهور ولو على حساب الأمن المجتمعى أو مشاعر العامة أو غيرهم يقومون بإسقاط النصوص على غير مناطها أو مظانها وواقع تطبيقها، ويلوون عنق الحقائق باحثين عن أى شيء يلفت النظر ويزيد عدد المتابعين «اللايك والشير»، ولو على حساب دينهم أو وطنهم أو مجتمعهم، لا يألون على خلق ولا دين ولا ضمير إنسانى حي، إضافة إلى أن بعضهم قد يلبسون الباطل ثوب الحق، فيذكرون بعض الحقائق فى غير موضعها ولا سياقها، قصد لفت الانتباه أو إثارة الجدل، وأصعب ما فى الأمر أن ذلك «للأسف الشديد» يتم باسم الدين، والدين منه براء، وينشر باسم من يحسبون أنفسهم على الدين أو العلم زورا وبهتانا، لأن العلم الحقيقى يرفع صاحبه إلى مقام أمين مكين، لا يُتاجر فيه بدين الله «عز وجل».
ويلفت نبينا الكريم «صلى الله عليه وسلم» نظرنا إلى ما يجب أن نفكر فيه من أمر الساعة، عندما سأله أحد الصحابة الكرام رضوان الله «عز وجل» عليهم أجمعين: مَتَى السَّاعَةُ ؟ فقال له النبى «صلى الله عليه وسلم»: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: حُبُّ اللَّهِ ورسولِهِ، قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» .
وساعة كل إنسان هى ذلك الوقت الذى يحين فيه أجله، لا يتقدم عنه ولا يتأخر، «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»، فالعاقل من يشتغل بالعمل لا بالجدل .