كثيرون من الأجيال الحالية لا يعرفون سبباً للاحتفال بالعمال، واتخاذ الأول من مايو عيداً لهم، وهو التاريخ الذى يأتى تخليداً لقصة كفاح بدأت بمطالبات مجموعة من العمال فى ولاية شيكاغو الامريكية عام 1886 بخفض ساعات العمل إلى ثمــانى ســاعات وهو ما كان سبباً فى تسميتهم «حركة الـ8 ساعات»، إلا أن الأمر تحول وقتها إلى فوضى انتهت بمقتل عدد من رجال الشرطة ليتم اعتقال بعضهم وصدور حكم بحق أربعة منهم بالإعدام، لتمر السنوات ويأتى عام 1889 ويتم إحياء هذه الذكرى واتخاذ هذا اليوم عيداً للعمال ويمتد الأمر لباقى دول العالم ليصبح الأول من مايو عيداً عالمياً للعمال.
العمال الأشهر فى مصر هم عمال المصانع الذين نجحوا فى تحقيق نهضة اقتصادية للبلاد فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، وتحولوا إلى تروس فى العديد من المصانع التى قدمت وقتها منتجات مازالت حتى يومنا هذا فخراً للصناعة المصرية عبر قرابة 700 مصنع منتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية.
وبينما كانت الشمس تستعد للشروق صباح كل يوم جديد، كانت حافلات تلك المصانع تتحرك على الطرق لنقل العمال من منازلهم إلى هذه المصانع، لتدور الماكينات فى مشهد يرسم الخير للجميع، وهو ما خلق حالة من الارتباط بين الجيل الذى عاصر هذا المشهد وأيقن أهمية الصناعة فى حياة الشعوب، والدور الذى يلعبه عمال مصر فى نهضتها.
فى سنواتى الدراسية قبل الجامعة كانت المدرسة تنظم لنا رحلات إلى مصنعى الغزل والنسيج والألبان أشهر مصانع محافظة دمياط، حيث كنت أقيم.. مازالت فى ذاكرتى تفاصيلها، ومدى الانبهار الذى ارتسم على وجوهنا جميعاً ونحن نتابع دخول الخامات إلى الماكينة وخروجها من الناحية الأخرى منتجات قمة فى الإبداع، ولا مجال للمنافسة معها من حيث الجودة والإتقان بفضل أنامل هؤلاء الذين ارتصوا حول الماكينات كخلايا نحل فى منظومة لا تعرف إلا العمل.
وبينما كنت أجلس فى المنزل منذ أيام بصحبة أبنائى حيث حصلنا جميعاً على اجازة رسمية بمناسبة عيد العمال، جلس أحدهم يشاهد بعض المقاطع على تطبيق «تيك توك» ليلفت انتباهى بث مباشر لواحد من صنايعية الفخار فى مصر أثناء جلوسه على الدولاب وقيامه بتشكيل الطين إلى قطع فخارية، فظننت فى البداية أن الهدف تعريف الناس بهذه الصناعة التراثية، لكن كانت المفاجأة أنه يطالب المشاهدين بـ «التكبيس» وإرسال الهدايا التى تعنى مبالغ مالية.. تابعت لبعض الدقائق، فوجدته يدعو قائلاً: «يارب أسد»، سألت ابنى عن معنى هذا الدعاء، فعلمت أنه هدية يتراوح ثمنها 30 ألف جنيه.. لوهلة ظننت أنه ليس مصرياً، خاصة أن لهجته بها لكنة غريبة، فجاء رده أنه من سوهاج وصدمت وأنا اكتشف أن هذا هو حال جدعان مصر.
سرحت بخيالى ورجعت للوراء إلى جهود رجال المباحث، عندما ألقوا القبض على متسول جمع مليون جنيه من الشحاذة وتساءلت أليس ما شاهدته نوعاً من التسول الالكترونى يجب التصدى له؟!
نتحدث عن أهمية عودة الصناعة، لكن نسينا أن نبحث عن كيفية إعادة العمال لصناعات لم تعد مجدية بالنسبة لكثير يفضل أن يتسول بهذه الطريقة أو يعمل سائقاً على «تيك توك» والمفارقة أن كليهما يحمل نفس الاسم وأدرك أنها ليست صدفة فالأمر خطة مدبرة لتسطيح العقول.