تحت عنوان «صلاة على الركام وأمل يقاوم الموت» أرسل لى صديقى الفلسطينى هذه الرسالة يكشف فيها كيف حلّ عيد الأضحى على قطاع غزة هذا العام قال فيها، عيدٌ غابت عنه مظاهر الفرحة والاحتفال التقليدية، وحلّت محلها مشاعر ممزوجة بالحزن العميق، ومرارة الفقد، وإصرارٌ على التمسك بالحياة وشعائر الدين رغم الموت والدمار المحيط بكل مكان.
لم يكن عيدًا بالمعنى المألوف، بل كان يومًا آخر من أيام الحرب، لكنه حمل رمزية خاصة للصمود والبقاء.
ثم لخص المشهد فقال: أدى آلاف الفلسطينيين صلاة العيد ليس فى الساحات والمساجد المزينة كما جرت العادة، بل فى العراء، على ركام المنازل والمساجد التى دمرها القصف، وفى الساحات الموحلة لمراكز الإيواء والخيام. كانت خطب العيد قصيرة وموجعة، تركزت على الدعاء بالصبر والرحمة للشهداء والشفاء للجرحى، وتثبيت قلوب الأحياء. كانت الصلاة نفسها رسالة تحدٍ وصمود، بأن هوية القطاع الإسلامية وتقاليده الراسخة لا تزال حية رغم محاولات محوها.
ثم تحدث عن غياب طقسٌ منعته الحرب.. فقال تُعد الأضحية الركن الأساسى فى عيد الأضحى، لكنها كانت الغائب الأكبر فى غزة. حال الحصار شبه الكامل دون دخول المواشى، وإن توفر القليل منها، فقد وصل سعره إلى أرقام فلكية تتجاوز قدرة معظم السكان بأضعاف مضاعفة، الذين يكافحون أصلا لتوفير وجبة تسد رمقهم. لأول مرة منذ عقود، لم يسمع فى شوارع غزة أصوات تكبيرات الجزارين ولم توزع لحوم الأضاحى على الفقراء والأقارب، فقد أصبح الجميع تقريبًا فى دائرة الفقر والحاجة.
واستكمل رسم الواقع الأليم.. بدت الأسواق، إن وُجدت، حزينة وفارغة. غابت عنها بهجة التحضير للعيد، فلا ملابس جديدة للأطفال، ولا كعك العيد والحلويات، ولا ألعاب. ارتدى الأطفال ملابسهم القديمة أو ما حصلوا عليه من مساعدات، وكانت فرحتهم، إن ظهرت، منقوصة. تحولت أولوية كل أسرة من شراء مستلزمات العيد إلى البحث عن الماء الصالح للشرب، أو علبة بقوليات، أو كيس من الطحين.
وتبادل الناس التهانى ببرود وحزن فى ممرات مخيمات النزوح المكتظة.. لم تكن هناك «عيدية» تُعطى للأطفال، ولا زيارات عائلية للمعايدة فى المنازل العامرة. بدلًا من ذلك، كانت الوجهة الأولى للكثيرين هى المقابر «التى استُحدث الكثير منها فى أفنية المستشفيات والمدارس» لزيارة قبور آلاف الأحبة الذين فقدوهم خلال الحرب.. هناك، اختلطت تهانى العيد بدموع الفراق والدعاء.
ثم ينقل فى رسالته بوادر الأمل فقال..على الرغم من قتامة المشهد، برزت مبادرات إنسانية وبطولية صغيرة حاولت زرع ابتسامة باهتة على وجوه الأطفال. نظم بعض المتطوعين المحليين فعاليات بسيطة فى الخيام، مثل الألعاب البدائية أو توزيع عدد قليل من الحلوى أو البالونات التى تمكنوا من الحصول عليها. كانت هذه المحاولات بمثابة تحدٍ لليأس، ورسالة بأن الطفولة فى غزة تستحق الحياة والفرح مهما كانت الظروف.
بعدما فرغت من قراءة ما أرسله تحجرت الدموع وأبت أن تريحنى وكأنها تقول لم تعد تكفى أن تزرفها حتى ترتاح نفسيًا وتشعر بانه لم يعد بيدك شىء.
توقفت قليلا قبل أن أشعر برعشة فى الجسد وضيق فى التنفس وقبضة فى القلب ثم رعب لم أشهده أو أشعر به من قبل ..وقد شاهدت نفسى اقف امام الحكم العدل يوم يُسأل الجميع بلا استثناء،: «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (سورة الحجر: 92-93) خاصة ان المسئولية عن نصرة المظلوم مبدأ أساسى، نابع من حديث النبى صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يُسْلِمُهُ» (متفق عليه) ومعنى «لا يُسْلِمُهُ» أى لا يتركه للعَدو والهلاك.
ثم سرحت وحالى يقول السؤال الحقيقى ليس فقط «ماذا سنقول؟»، بل «ماذا نفعل اليوم ليكون لنا جوابٌ يرضى الله غدًا؟».