فى سبتمبر من كل عام نحتفل بعيد الفلاح وعيد الشرقية القومي.. هو عيد واحد لأن الفلاح والشرقية كيان واحد لا ينفصل ولا يتجزأ وزعيم ثورة الأحرار ضد الاحتلال الإنجليزى هو فى الأصل فلاح.. أخلاق أحمد عرابى الفلاح قبل الضابط والثائر هى التى حركته لقيادة الانتفاضة ضد الإنجليز دفاعًا عن الأرض والعرض.. والفلاح هو أصل مصر وقلبها النابض.. وإذا كان على الحجار غنى فى بوابة الحلوانى «اللى بنى مصر كان فى الأصل حلواني».. فإن البانى الحقيقى لمصر هو الفلاح.. وبيد الفلاح وفأسه وزرعه وقلعه وحصاده قامت أقدم حضارة فى التاريخ حول نهر النيل الخالد.. وبالزراعة انطلقت مصر إلى انحاء العالم وظل الفلاح المصرى يضرب به المثل فى اخلاصه وتفانيه وعشقه لطين أرضه.. وظلت مصر قرونًا طويلة سلة غذاء العالم ومازال الفلاح المصرى وسيظل حتى آخر الزمن أسطورة فى حبه لبلده وأرضه وعطائه الفياض وكرمه الطائى وقلبه الأبيض النقى الطاهر.. ولكن كيف يعيش الفلاح الآن.. ما هى مشاكله وتحدياته.. وكيف نساعده جميعًا فى التغلب على هذه التحديات.. نعم الفلاح «الحقيقي».. الذى يتشبث بمهنته المقدسة وعمله العظيم يواجه تحديات ومشكلات كثيرة مثل نقص المياه وارتفاع أسعار التقاوى والأسمدة وتآكل دور الجمعيات الزراعية فى دعم الفلاح ومساندته طوال الموسم الزراعي.. فضلاً عن انصراف الأجيال الجديدة عن العمل فى الفلاحة وزراعة الأرض.. فلم يعد ابن الفلاح فلاحًا وتغيرت ملامح أسرة الفلاح بل وتغيرت ملامح القرية المصرية التى فقدت هويتها وتاهت فى عصر العولمة والإنترنت والسوشيال ميديا وهذه مأساة كبيرة لابد أن نواجهها جميعًا ولا نترك الفلاح وحيدًا فى مرمى نيرانها.
ونعود للشرقية وناسها الطيبين.. وليس تحيزًا منى لاننى شرقاوى الهوى والهوية.. أقول: إذا كنا قد اتفقنا بأن اللى بنى مصر كان فى الأصل «فلاح».. وبما أن أصل الفلاحة ومجدها وعزها وتاريخها تعود لأصول شرقاوية.. فإننى أقول «وبالفم المليان».. «اللى بنى مصر كان فى الأصل فلاح شرقاوي» وإذا ذكرت الشرقية.. ذكرت أخلاق القرية الأصيلة.. النبل والرقى والنقاء.. الطيبة والكرم والشهامة.. وحب الوطن.. والتدين الفطرى الذى لا غلو فيه ولا تطرف.. وإذا كنا تحدثنا عن مشاكل وتحديات الفلاح المصرى وهى كثيرة ومتعددة وممتدة.. فالإنسان الشرقاوى أيضا ليس أفضل حالاً.. والشرقية كواحدة من أعرق وأكبر اقاليم مصر تعانى من مشكلات كثيرة ليست وليدة اليوم ولكنها تراكمات الماضى السحيق.. عشرات المحافظين تولوا قيادة السلطة التنفيذية فى الشرقية.. أشهرهم عبدالعزيز على وعبدالسلام خفاجى وفؤاد محيى الدين وعبدالمنعم واصل لكن قليلين جدا هم الذين نجحوا فى ترك بصمات قوية وحفروا اسماءهم فى اذهان المواطن الشرقاوى البسيط.. من هؤلاء الراحل الدكتور محمود شريف الذى رشحه نجاحه فى الشرقية لمنصب محافظ القاهرة ثم وزير التنمية المحلية.. والراحل العظيم الدكتور حسين رمزى كاظم الذى جاء للزقازيق من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء ونجح فى توظيف خبراته العميقة فى تحقيق انجازات حقيقية مازال الناس فى الشرقية يتذكرونها بكل خير حتى بعد مرور ما يزيد على ربع قرن مثل مشروعات البنية الاساسية من شبكات طرق وكبارى وتحسين مرافق مياه الشرب والصرف الصحى والكهرباء.. ولا ننسى أكبر مسابقة لتوظيف آلاف الشباب دون أن يكلف ميزانية الدولة جنيهًا واحدًا.. وحاول الدكتور رضا عبدالسلام تقديم شيئًا لكن الوقت لم يسعفه ثم جاء الدكتور ممدوح غراب ليحيى الآمال فى نفوس الشراقوة من جديد فى غد افضل.. وتميز بالنشاط والحماس والمتابعة الميدانية والرقابة المشددة على مسئولى الجهاز التنفيذى فى كل وحدات العمل المحلى فى الشرقية.. وظهر فى زيارات مفاجئة بين يوم وآخر.. وكان متابعًا جيدًا لشكاوى المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي.. وفاجأت ردوده السريعة والايجابية والصادقة المواطن الشرقاوى فى أبوحماد وأبوكبير والحسينية وبلبيس وكفرصقر والقنايات وديرب نجم وغيرها من أحياء ومدن وقرى الشرقية.. وقدم غراب أول خريطة معلوماتية للشرقية وهى بمثابة كنز لكل محافظ يأتى من بعده.. ورحل الدكتور غراب فى حركة المحافظين الأخيرة وجاء المهندس حازم الأشموني.. ولا أعرف هل هو من أشمون منوفية أم انه مجرد تشابه فى الاسماء.. ورغم مرور شهرين ونصف على توليه المسئولية تقريبًا.. فمازال المواطن الشرقاوى ينتظر منه أعمالاً وقرارات ومواقف واجراءات جادة وجريئة لتحسين حياته اليومية.. ولعل حادث تصادم القطارين الذى وقع مؤخرًا فى قلب مدينة الزقازيق يكون جرس انذار خطير ينبه الجميع إلى واقع المواطنين فى المحافظة ويلفت الانظار إلى الشرقية من جديد.. الحادث بشع.. وتفاصيله وملابساته كارثية.. وضحاياه عاشوا لحظات من الجحيم المستعر.. والمشاهد كانت مأساوية خارج نطاق أى تصور بل خارقة فى بشاعتها ودمويتها.. وهنا ندعو جميع المسئولين فى الحكومة المركزية قبل محافظ الإقليم ومعاونيه لبذل قصارى الجهود لتطوير وتحسين حياة المواطن الشرقاوى واضفاء بعض من رفاهية الجمهورية الجديدة على تفاصيل حياته اليومية.
وختامًا: كل عام والفلاح المصرى اكثر قوة وصمودًا واخلاصًا فى مواجهة تحديات العصر.. كل عام والإنسان الشرقاوى أكثر كرمًا وشهامة وحبًا لوطنه وناسه.. كل عام ومصرنا بخير وفى وحدة واتحاد وترابط إلى يوم الدين.