بقلم: اللواء الدكتور علاء الدين عبدالمجيد
أبناء مصر توارثوا جينات الشهامة والتضحية جيلاً بعد جيل
يحتفل الشعب المصرى العظيم بمناسبة عظيمة وملحمة عزيزة علينا وهى موقعة العزة والكرامة والتضحية لرجال هانت عليهم أرواحهم حفاظاً على تراب أوطانهم.
نحتفل بعيد الشرطة الثالث والسبعين الذى يعيد إلى الأذهان ملحمة عظيمة نفتخر بها جميعاً فى الخامس والعشرين من يناير عام 1952 عندما تصدى ابطال الشرطة المصرية للمحتل الإنجليزى ورفضوا تسليم وطنهم المتمثل فى مبنى محافظة الإسماعيلية ومواجهة المدفعية والدبابات وجنود الاستعمار البريطانى بقيادة الجنرال الإنجليزى الشهير «إكسهام» متسلحين بأسلحة بدائية «لى أنفلد» وبعد الصمود امام نيران المدفعية سقط أكثر من خمسين شهيداً واصابة أكثر من ثمانين لاً من أعظم الرجال وأوفاهم وبعد أن نفذت ذخيرتهم وألحقوا بالعدو الغاشم بمدفعيته ودبابابة أكثر من ثلاثة عشر قتيلاً والعديد من الإصابات مما اصاب القائد الإنجليزى بالأهول من هذا الصمود لدرجة انه أمر جنوده بالاصطفاف وتأدية التحية العسكرية لجثث الشهداء الخالدين فى جنة النعيم لدى خروجهم من مبنى المحافظة اعترافاً وتقديراً لشجاعتهم وبسالتهم فى الدفاع عن وطنهم.
وهذا الصمود وكل التضحيات هى تضحيات لأبناء مصر والذين توارثوا جينات الشهامة والأمانة والتضحية جيلاً بعد جيل وعاشوا وتربوا عيها منذ نعومة اظافرهم من بيوتهم وتربية ابائهم لأنهم هم من نسيج هذا الوطن الذى يعيشون فيه ويعلمون تماماً معنى الوطن وما زال رجال الشرطة يسطرون ملاحم الوفاء والانتماء والتضحية يوماً تلو الاخر و ينسون فى سبيل تحقيق رسالتهم كل شيء من اجل وطن وهبوا أنفسهم وحياتهم فداءً لأمنه وأمانة.
وسط هذه التحديات والاضطرابات والصراعات الإقليمية والدولية وتداعياتها الصعبة فى خلق ظروف أمنية شديدة الدقة تصبح نعمة الأمن والأمان والاستقرار هى التحدى الوجودي.. ويعكس أيضاً قوة واحترافية جهاز الشرطة المصرى الوطنى العريق وما يتمتع به من جاهزية وقدرات الكوادر البشرية المؤهلة بشكل عصرى واحترافى قادر على ترسيخ الأمن والأمان والاستقرار فى زمن الفوضى فى كافة الاتجاهات الإستراتيجية والتحديات والتهديدات الداخلية والخارجية ورغم ان مصر هى الهدف إلا أن مصر تقف على أرض صلبة من الأمن والأمان فى ظل تنامى الجريمة وتطورها فى ظل التكنولوجيا الحديثة والجرائم العابرة للقارات وتمدد الإرهاب والحروب بالوكالة والجريمة الإلكترونية إلا أن جهاز الأمن المصرى يقف شامخا صلباً قوياً أمام هذه التحديات يحقق الكثير من النجاحات والضربات الأمنية واصطياد خفافيش الظلام وإجهاض محاولات العبث باستقرار الوطن وامن وأمان المواطن.
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه عندما يواجهون النار ويقتحمون البؤر الإرهابية ويتصدون لخفافيش الظلام الذين يحاولون النيل من الوطن وعندما يداهمون أوكار الإجرام ويقتحمون النيران وقاتلى الأرواح والهاربين من العدالة تناسوا أولادهم واهليهم وحياتهم كلها ويسطروا فى سبيل ذلك ملاحم جديدة ويقدمون أرواحهم فداء لشعب مصر وهم يفككون المتفجرات والعبوات الناسفة وهم يعلمون جيداً ان الخطأ الأول هو الخطز الأخير وان الموت قريب لا محالة لكنها هى الشهادة والكل يتمنى ان ينعم بنيلها.
هم فى كل وقت وحين يقدمون لنا ملحمة جديدة من ملاحم التضحية عندما يواجهون ألسنة النيران والحرائق وانهيار العقارات وانقاضها وينقذون العالقين فى المصاعد ويقدمون العون لشعبهم بكبيرهم وصغيرهم وشعارهم الشرطة فى خدمة الشعب.
منذ صباحنا وفى مواجهة البرد القارس أو أشعة الشمس الحارقة يسطر رجال الشرطة ملاحم الوجود والحفاظ على أمن واستقرار الوطن فى تنظيم حركة المرور وتأمين المواطنين وتحركهم اليومى طوال اليوم حتى عودتهم إلى منازلهم بسلام آمنين.
ولم تتوقف تضحيات وملاحم أبنائكم من رجال الشرطة عند ذلك بل طوروا من خدماتهم الجماهيرية فى جميع المواقع الشرطية ومساعدة ذوى الاعاقة وكبار السن واستخراج جميع الأوراق الثبوتية ووثائق السفر وتصاريحها وتنظيم المؤتمرات والمسابقات الدولية وتأمينها.
يأتى عيد الشرطة الثالث والسبعون 25 يناير 2025 بعد قرابة أكثر من عام لم يهدأ فيها جفن لرجال الأمن فى ظل حرب طاحنة اجتازت رحاها الاقتصادية بلاد العالم اجمع وعلى الرغم من ذلك فنجد نسور الشرطة ينتشرون فى الشوارع والمواقع الشرطية الأمنية والخدمية ليلاً ونهاراً دون اكتراث بتلك التحديات وتأثيرها عليهم وعلى أهاليهم حفظهم الله ورعاهم انه سميع مجيب.
وكما قال فخامة الرئيس السيسى فى الاحتفال الاسبق بعيد العزة والكرامة إن التاريخ سيتوقف طويلاً بإعجاب أمام التجربة المصرية النابعة من قوة الإرادة وصلابة وعزيمة شعب مصر الأبى الذى أدرك بحسه الوطنى أن مستقبله لن يبنيه أحد غيره فما زال نسور الشرطة المصرية يحققون النجاحات تتويجاًً لسنوات من الإنجازات الأمنية الملموسة على أرض الواقع فنجده فى المواجهات الحاسمة للجريمة الإرهابية والعمليات الاستباقية لتحقيق الأمن الوقائى واجهاض المخططات الإرهابية والمواجهات الأمنية للجريمة الجنائية وملاحقة البؤر الإجرامية وضبط عناصرها الإجرامية وشهد العالم أجمع كيف تحولت مصر فى اعوام قليلة إلى واحة من الأمن والاستقرار بفضل تضحيات رجال الشرطة مع اقرانهم من ر جال القوات المسلحة فى مواجهتهم الإرهاب الاسود.
تحية لكل الشعب المصرى لكل اساتذتنا وزملائنا وتلاميذنا من رجال الشرطة وتحية لشهدائنا الابرار الذين تطوف أرواحهم وتزهو حولنا بعزة وكرامة فى الدنيا وفى جنة النعيم كل عام ومصرنا الغالية بخير وأمن وأمان ورخاء… حفظ الله مصر من كل سوء ورحم الله شهداء الوطن.
نضال الشرطة على مر العصور
بقلم : اللواء هانى عبداللطيف
من واقع التاريخ المصرى يتأكد أن الحس الأمنى واضح الحضور.. حيث أدرك المصريون منذ أن بدأوا يخطون خطواتهم الأولى أن الأمن ببعديه الداخلى والخارجى يُشكِّل القاعدة الأساسية لبناء أى تقدم والحماية لاستقرار ومقومات التحضر وأن توفير الأمن وحمايته إنما يشكلان شرطاً ضرورياً للاستقرار ودفع التقدم وبقاء الحضارة.
وقد ظل رجال الشرطة عبر التاريخ منحازين إلى مصالح وحقوق وطنهم بقدر انحيازهم إليه أرضاً وشعباً منخرطين فى كل موجة وطنية تناضل من أجل سيادة الوطن.
وظلت الشرطة المصرية بذلك جزءاً من نسيج هذا الشعب العظيم ولم تتخلف يوماً عن معركة خاضها عبر تاريخ نضاله الوطني.
وفى كل عصر من أزمنة الاحتلال كانت ثورات المصريين طابعاً مميزاً ومتصلاً وكان موقف رجال الشرطة داعماً ومسانداً للثوار المصريين ومنذ البدايات حيث اندلعت ثورة المصريين فى حامية الإسكندر ضد الملك بطليموس الخامس وانضم رجال الشرطة المصرية إلى الثوار وساعدتهم وعندما قُدر لهذه الثورة أن تفشل كان جزاؤهم حكم الإعدام فيهم جنباً إلى جنب مع الثوار المصريين.
وكان رجال الشرطة فى طليعة المؤيدين للثورة العرابية منذ بدايتها عام 1882م إذ تبين لهم أن هذه الثورة إنما تعبِّر عن آمال الشعب وتستهدف تحرير البلاد من التدخل الأجنبي.. وعندما تمكنت قوات الاحتلال من السيطرة على البلاد كان أول عمل قامت به هو محاكمة الوطنيين الموالين للثورة العرابية وكان فى مقدمتهم رجال الشرطة الذين حوكموا وتعرضوا للنفى والاعتقال وصدرت ضدهم أحكام جائرة تتراوح بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة.
ويستمر النضال والعطاء على مر التاريخ وفى 13 يناير 1952م تمكن الفدائيون ورجال الشرطة فى التل الكبير من نسف قطار قادم من الإسماعيلية يحمل جنوداً بريطانيين لضرب الفدائيين فى التل الكبير والذين يهاجمون معسكرات الإنجليز هناك حيث توجهت قوة بريطانية تعززها الدبابات والمصفحات والطائرات وحاصرت منطقة الانفجار وعندما أرادت القوة البريطانية عبور الكوبرى القائم على ترعة الإسماعيلية هبط أحد رجال الشرطة أسفل الكوبرى وتمكن من فتحه فمنع الإنجليز من العبور ولكن تمكن الإنجليز من العبور فى قوارب من المطاط ووقع صدام شديد اشتركت فيه بلوكات النظام حتى انسحب الإنجليز فى مساء اليوم.
ولما ضاقت القيادة البريطانية فى منطقة القناة ذرعاً بنشاط الفدائيين ووقوف رجال الشرطة ودعمهم للفدائيين لم تجد وسيلة لإيقاف كل العمليات ضد الإنجليز إلا احتلال مدينة الإسماعيلية.. فتحركت الدبابات الإنجليزية فى الساعة الثالثة فجر يوم الجمعة 25 يناير 1952 إلى وسط المدينة واحتلت قوات المظلات جميع الطرق والشوارع ووضعت الحواجز الشائكة.. وآنذاك لم يكن بالمدينة إلا بعض جنود الشرطة فى مبنى المحافظة وقوات من بلوكات النظام داخل ثكناتها المجاورة لمبنى المحافظة ومع إشراقة الصباح استدعى الجنرال إكسهام قائد القوات البريطانية فى منطقة القنال اليوزباشى شريف العبد ضابط الاتصال المصرى وطلب منه خروج ضباط وجنود الشرطة من مبنى المحافظة وتسليم أنفسهم وأسلحتهم حيث رفض ضباط الشرطة ولم يستجيبوا للإنذارات البريطانية والتهديدات.. وكانت المواجهة وكانت البطولات والاستشهاد ولم يحدث الاستسلام الذى كان ينتظره قائد القوات البريطانية.. وكانت قوات الإنجليز تبلغ ٧ آلاف جندى مدججين بالدبابات والأسلحة الثقيلة واستمرت المعركة ساعتين حيث كانت مقاومة رجال الشرطة بشدة أذهلت الإنجليز الذين هددوا بنسف مبنى المحافظة إذا لم تستسلم القوة المصرية وقال اليوزباشى مصطفى رفعت قائد القوة رداً على التهديد «لن يستلم البريطانيون منا إلا جثثاً هامدة».. واستمرت المقاومة رغم إشعال النيران فى مبنى المحافظة وهدم أجزاء منها حتى نفذت ذخيرة رجال الشرطة.
وهنا أحنى القائد البريطانى رأسه احتراماً لهم وقال لضابط الاتصال إن رجال الشرطة المصرية جميعاً دافعوا بشرف فحق عليه احترامهم جميعاً ضباطاً وجنوداً.
وقد استشهد فى هذه المعركة 05 من رجال الشرطة وأصيب 08 آخرين وسقط من الإنجليز 31 قتيلاً 21 جريحاً.
ويأتى القدر لكى يسطِّر رجال الشرطة المصرية بطولة جديدة تضاف إلى سجل الشرف فى تاريخ الشرطة المصرية.. حيث واجهت الشرطة المصرية مخططاً دولياً فى أغسطس 3102م استخدم قوى الظلام من التنظيمات الإرهابية لإفشال ثورة الشعب المصرى فى 03 يونيو 3102م.. وقامت قوى الظلام بصناعة الفوضى والقتل فى الشارع المصري.. وفى 41 أغسطس 3012م قام رجال الشرطة المصرية بمواجهة هذا المخطط وإحباطه لحماية الشعب المصرى وإرادته واستشهد فى هذا اليوم 41 أغسطس 3102م 46 رجل شرطة وأصيب العشرات وخلال معركة استمرت 81 يوماً ضد قوى الشر والظلام استشهد 811 رجل شرطة وأصيب المئات.
الشرطة المصرية من نسيج هذا الوطن.. ورجالها هم أبناء الشعب المصرى الذى وهبه الله سبحانه وتعالى القدرات البشرية الفائقة وروح الفداء والتضحية فى سبيل الله والوطن.. حفظ الله مصر.