عيد الحب المصرى الموافق 4 نوفمبر، ليس عيداً للعشاق كيوم الفالنتين.. لكنه عيد المودة والرحمة ومشاعر الحب بين الآباء والابناء والاصدقاء والود بين الناس.
هذا العيد الذى كتب عنهم الكاتب الصحفى مصطفى أمين فى عموده الشهير «فكرة»، الذى نشر فى الرابع من نوفمبر عام 1988 تحت اسم «يوم عيد الحب المصري».
يقول الراحل مصطفى أمين: هذا يوم الاستحمام العام لقلوبنا وأرواحنا، نغسلها من الحقد والكراهية والانانية والحسد والغيرة العمياء، تحمل أيدينا الزهور وأغصان الزيتون، ولا تحمل الخناجر والسكاكين.
لاحظ مصطفى أمين أن العلاقات بين الناس اصبحت سيئة للغاية، ما بين ابن عاق لوالديه، وبنت شديدة القسوة مع امها، وانتشر الحقد والحسد واستفحل بين البشر.. فقرر أن يذكر الناس فى الرابع من نوفمبر من كل عام بمعان جميلة وسط انشغال الناس بهموم الحياة.. فلقد استرعى انتباه مصطفى أمين عندما وجد جنازة تسير دون حضور الناس كما كان متبعاً، مما جعله يتساءل عن مدى مشاعر الحب والود بين الناس وكيف اختلف الامر عن الماضي، عندما كان الناس يحرصون على المشاركة فى الجنازة وتقديم واجب العزاء والمواساة.
تلك كانت رؤية الكاتب مصطفى أمين للحب وعيده هو يوم لاستعادة اجمل صفات المروءة والشهامة والفروسية والصداقة والتضحية والصبر والقدرة على الصمود.
فى هذا العيد الذى نستقبله بالتراحم والمشاركة فى المناسبات لتحقيق التواصل والود المفقود احياناً داخل الاسرة الواحدة، بل بين الاصدقاء والجيران والعطف على الصغير واحترام الكبير، والتأهب فى هذا اليوم بالورود والتوجه إلى الشباب والاجيال الحالية التى استبدل فيها البعض معانى الحب بالمادية والوصول حتى ان بعض الشباب راح إلى تقليد المجتمعات الغربية فى الملبس والمأكل، ويبحث عن شخصيات جديدة من خلال تقليد الغرب.
بعد سنوات من رحيل مصطفى أمين، لم يعد يتذكر هذا اليوم إلا الذين يحرصون على الروابط الاسرية والوفاء بين الاصدقاء وحب الجار للآخرين والتعاون معهم.
ولكن فى كثير من الاحيان ما يصاحب عيد الحب اقتناء بعض الزهور وتقديمها عند زيارة المريض أو للمشاركة فى اعياد الميلاد والتهنئة فى المناسبات السعيدة.
ومن الزهور والورود التى زادت شهرتها فى مناسبات التهنئة، اختلفت نوعياتها واهميتها من عصر إلى آخر، فلقد كان القدماء المصريون يقدسون بعض الزهور فكان «ايزوريس» ينصح زوجته «ايزيس» بأن تحمل هى والجميع فى المناسبات السعيدة عناقيد زهرة «البشتين» المنسوبة إلى «رع» إله الشمس ويبللونها بالماء ويمسحون بها على جباههم وصدورهم لتظل رائحتهم طيبة طوال السنة، وتتصدر وردتا «الستاتيس والجرس» باقات الورد وتتراوح أطوال أعمار الورود ما بين 15 يوماً لزهرة «الكريزتيم» التى يتم استيرادها من الخارج ويومين للقرنفل البلدي، وفى الاعياد يسجل القدماء المصريون اسماء الملوك على شجرة «البرساء».
ومن أشهر الزهور زهرة «اللوتس» التى كانت رمزاً لمصر وكان المصرى القديم يبدأ صباحه فى الاعياد بإهدائها لزوجته.. كما كان يصنع منها القلائد التى يضعونها على أعناق زائريهم وكانت النساء تتزين بها.. فالزوج يقدم وردة حمراء رمزاً للحب لزوجته والام تقدمها لابنائها دليل الحب فى عيد الحب.. ومن غرائب الزهور ما يظهر فى اندونيسيا، حيث زهرة «الكاراكاس» النادرة فى جاكرتا ويصل طولها إلى 3 أمتار، وقد تخطت فى الطول الزهرة المسجلة فى موسوعة «جينيس» للارقام القياسية، التى وصل طـولها إلى 285 سنتيمتراً فقط كما تمكن مركز الابحاث الزراعية بجامعة بون من زراعة زهرة تشبه دوار الشمس ويبلغ طولها 230 سنتيمتراً وتشبه عباد الشمس، وفى عمان توصل علماء النبات الى استنباط نوع من الزهور اطلقوا عليه زهرة «السلطان قابوس»، تمتاز بالجمال والرائحة الزكية، وذلك فى عام 1990، ولقد اهتم المصريون بانتشار الورود والزهور سواء فى الحدائق العامة أو الحديقة والمنزل، التى كانت تضم تكعيبة أو كشكاً ظليلاً لجلوس رب البيت واسرته، ومن أشهر هذه الحدائق حديقة قصر «اخناتون» وكانت تفصل القصر عن نهر النيل ويشقها طريق يصل القصر بمرسى السفينة الملكية أمام حديقة المعبد، فتزرع بوسطها شجرة لتربية النحل، وكانت توجد ايضا حديقة القبر لإزالة وحشة القبور.
هكذا ارتبط عيد الحب بالزهور، فيقدمه الانسان لمن يحبه وتزين أركان المنزل بالورد، وارتبط ايضا بأواصل المودة وتبادل الهدايا بين أفراد الاسرة، بل اهالى المنطقة الواحدة والمشاركة فى السراء والضراء.. وهذا ما أكد عليه عيد الحب المصرى حتى تسوده العلاقات الطيبة بين افراد المجتمع ليتحقق السلام الاجتماعى وتتوقف أساليب التعدى على حقوق الغير وحتى لا يعوق الابناء ولا تسيء الام لاولادها.. بل يسود الحب والاخلاص والمودة فى جنبات الاسرة والمجتمع.