منذ صباح أمس الباكر تدفق المصريون عن بكرة أبيهم إلى الحدائق والمتنزهات وشواطئ النيل فى شتى المحافظات والحدائق تلفهم جميعا ستائر الأمان ولفائف السلام الاجتماعى الذى يعيشون دائما تحت لوائه.. وهو السلام الذى حافظوا على قواعده ثابتة ودافعوا عنه ضد قوى الشر والطغيان ..
ويحسب للمصريين أنهم بحق شعب يتحلى بالشجاعة ويرفض الاستسلام تحت ضغوط الإرهاب والترهيب دون أن يبدى اهتمامًا لما يمكن أن تسفر عنه هذه المواقف إذ يكفى أن تعيش مصر فى أمن وأمان .
ولعلنا نذكر جميعا أيام حكم الإخوان البغيض الذين منعوا الناس من دخول الحدائق ومن الصعود إلى مراكب الترفيه وسط النيل ومن الفرجة على الحيوانات باعتبارها كائنات حية ينبغى احترام مشاعرها.
وطبعا كانت النتيجة أن هذا المجتمع ذاته انتابه التفكك الذى هدد أركان أمنه واستقراره.. بينما أبناء الشعب طالما ضحوا ومازالوا يضحون من أجل أن تظل مصر فى منأى من الصراعات المدمرة وحوادث الاغتيال التى كانوا يختارون الأعياد والمناسبات الدينية والاجتماعية لإعطاء التعليمات لمنفذيها دون مناقشة.
الآن.. الحمد لله عادت لمصر بسمتها وعمت مشاعر الأمل والتفاؤل كل بقاع الوطن فكانت هذه المواكب المزدانة بالورد والزهور التى احتلت مواقعها الثابتة والمتحركة فى يوم واحد.
> > >
المصريون تمكنوا -والحمد لله- من التخلص من بقايا أحاسيس الخوف والفزع التى تركت بعض آثارها عصابة الإجرام والتكفير وذلك منذ أن تقدم ابن بار من أبناء مصر وأقدم بشجاعة منقطعة النظير لإنقاذ هذا الشعب من براثن القردة والخنازير وأمثالهم.
> > >
المهم من يمعن التأمل قليلا فى وجوه المصريين أثناء أول أيام العيد »مصر« يتأكد أنهم جاءوا وتجمعوا مع بعضهم البعض فى مشاهد زاهية ومبشرة بالخير.
الأصدقاء القدماء ونظراؤهم الذين لم تنشأ أية علاقة مشتركة بينهم يؤكدون أنهم اتخذوا من شهر رمضان بروفة للاحتفال بالعيد فشهر رمضان مرت أيامه ولياليه بسلام لم تحدث والحمد لله حادثة إرهابية واحدة بينما المصلون يعكفون فى المساجد التى لم تغلق أبوابها أبدا طوال الشهر الكريم كما يؤدون صلاة التراويح بكل خشوع واطمئنان .. نفس الحال بالنسبة لصلاة التهجد وبعدها صلاة الفجر.
هذه الصور المضيئة المتكاملة أغرت الرجال والسيدات لكى يحتفلوا بالعيد وهم موقنون أنه لن يحدث شيء يمكن أن يعكر صفو يومهم أو أيامهم.
> > >
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فلماذا لا نسأل أنفسنا بأنفسنا عن توارى ظاهرة اختطاف الرجال والنساء التى طالما أرقت راحتنا جميعا وبثت فى قلوبنا الرعب والخوف؟!!
الإجابة باختصار أن الدولة حينما استردت عافيتها بعد التخلص من الحكم البغيض حرصت على أن تقيم قواعد متينة وثابتة لمنظومة الأمن بصفة عامة.. متحررة من أى ضغوطات سابقة كما راعت أن ترسخ معانى سيادة القانون فى نفوس كل أبناء المجتمع حتى تختفى أية شبهة من شبهات الانحياز لفرد على حساب فرد أو لمجموعة ضد مجموعة.
يقينا هذه الدولة القوية هى التى راعت سرعة إصدار الأحكام لاسيما بالنسبة للجرائم التى يرتكبها أفراد فاقدو القيم والضمائر مما ساعد على سريان تيار فى المجتمع يؤكد لكل فرد فيه أن بطء إجراءات التقاضى تعد من أسوأ العوامل التى قد تؤثر فى سير العدالة بصفة عامة.
ولعلنا تابعنا خلال الشهور والأيام الماضية عددا من الأحكام الرادعة التى تم تنفيذها خلال فترة قصيرة من صدورها.
كل تلك العوامل ساعدت وتساعد على تراجع معدلات الجريمة بصفة عامة وعلى رأسها جرائم خطف الرجال قبل النساء مقابل فدية تصل إلى عدة ملايين من الجنيهات لكن الله سبحانه وتعالى فى معظم هذه الجرائم انتصر للمخطوفين أو المخطوفات ليدرك الجانى أن الإفلات من العقاب يعد ضربا من ضروب الخيال.
> > >
والآن اسمحوا لى أن أنتقل بكم من خلال هذا التقرير إلى «قضية العصر» والتى عاهدنا أنفسنا على أن نظل ندافع عنها وعن أهلها المقهورين حتى نهاية المدى وأعنى بها القضية الفلسطينية..!
ها هو عيد الفطر يدخل على البشرية والمفروض أن الدنيا كلها كانت تتوقع أن يتوقف الإسرائيليون خلال العيد عن أعمال القتل والنسف والتدمير وانتهاك الحرمات ضد أهالى غزة.. لكن ها هو فى صبيحة أمس أول أيام العيد قام سفاح القرن وقواته بقصف مخيمات اللاجئين مما أسفر عن مصرع ما يقرب من 20 شخصًا لقوا حتفهم قبل أن ينتهى المصلون من أداء صلاة العيد.
إذن.. هل هؤلاء يمكن أن يكونوا رجالا بأى مقياس من المقاييس..؟!
على الجانب المقابل فقد أحدث المقال الذى حرره كل من الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون والملك عبد الله الثانى ملك الأردن صدى واسعا فى مناطق شتى من العالم حيث اعتبره الكثيرون أنه يعبر عن الواقع القائم ويشرح أبعاد وخلفيات القضية وجميع أطرافها شرحا مستفيضًا ومحايدًا مما جعل قوى كثيرة سياسية واجتماعية واقتصادية تطالب بضرورة العمل على تحويل محتويات هذا الكتاب إلى واقع ملموس لاسيما وأن الرؤساء آثروا أن يضعوا الحلول ولم يتركوا الأمور على عواهنها.
من هنا أعود لأكرر ما قلته أمس بأن الزعماء الثلاثة قد عايشوا القضية من زمن طويل كما استطاعوا أن ينفذوا من خلال كلماتهم المؤثرة إلى قلوب الناس وبالتالى فسوف يحمل هذا الخطاب من بين ما يحمل أحاسيس الأمل والتفاؤل.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن مصر رفضت الخضوع للدعاوى التى كانت قد انتشرت على مدى يومين أو ثلاثة والتى طالب مطلقوها بوقف إلقاء المساعدات عن طريق الجو لأنها تتسبب فى مقتل منتظريها فوق الأرض.
لقد أدركت مصر عندئذ أن ما تردد ليس سوى نوع من الحرب النفسية التى يشنها الإسرائيليون أنفسهم إمعانا فى إحكام الحصار على غزة أكثر وأكثر.. فيموت منهم من يموت أضعافا مضاعفة.
وها هى المساعدات مستمرة حتى اليوم ومنها ما يسقط من الجو فالناس يا سادة يموتون جوعًا وعطشًا وكل شيء.
وعيب وألف عيب على كل من يملك فى يده نوعا من أنواع المساعدة ويبخل به على أكثر الشعوب تضررًا فى حياتهم.
> > >
وأخيرًا.. أحدثكم عن هذه الظاهرة الكونية الغريبة ولكن بأسلوب مختلف..!
أنا أتساءل: لماذا يبقى كل من الشمس والقمر يضيئان السماء ويزينانها دون أى صراع أو تدخل سافر فى شئون أى منهما..بينما الدنيا تحتهما فى الأرض مليئة بالنزاعات والمشاجرات؟!
دعونى أنا نفسى أرد على السؤال وأقول: عندما ضاق الاثنان ذرعا قرر القمر أن يتحدى الشمس واستطاع أن يقف فى مواجهتها ليجبرها على أن تكون سببا فى إظلام مساحة شاسعة من الكرة الأرضية بينما هذه الشمس للأسف لا تستطيع الاعتراض أو حتى إصدار بيانات الشجب والرفض.
>>>
و..و.. شكرًا