>> عودة شركة النصر للسيارات إلى الإنتاج وتسليم أول دفعة من أتوبيسات «نصر سكاي» إلى شركات وزارة النقل.. لم يسعد العاملين بالشركة التى توقفت منذ 15 عاماً عن التشغيل والإنتاج فقط ولكنها خطوة أسعدت كل المصريين.
أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة حرص مصر على بذل كافة الجهود لتحفيز القطاع الصناعى بهدف توطين العديد من الصناعات ونقل التكنولوجيا.. ومن بينها صناعة السيارات وتوفير المناخ الداعم للصناعات الثقيلة خاصة الحديد والصلب والأسمنت لدورها المهم فى النهوض بالاقتصاد القومي.. وباعتبارها من المكونات الأساسية لعملية التنمية.. وخلال افتتاحه للملتقى والمعرض الدولى للصناعات منذ أيام أكد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء ان الصناعة قاطرة التنمية الاقتصادية المستدامة.. مما يعنى اهتمام الدولة بهذا القطاع الحيوى وتشجيع الاستثمار المحلى والأجنبي.. تبذل الحكومة جهودا كبيرة لدعم مصانع القطاع الخاص المتعثرة وإعادتها للإنتاج مرة أخري.. ومن الطبيعى أن تبدأ الاهتمام برعاية المصانع التابعة لقطاع الأعمال العام الخاسرة والمهددة بالافلاس والاغلاق حتى لا يكون «باب النجار مخلع».. فلا يمكن أن نفرط فى قلاعنا الصناعية بسهولة بحجة تزايد ديونها وخسائرها دون أن نوفر لها أولاً أسباب النجاح قبل أن نحكم عليها بالفشل.. وأول طريق النجاح اختيار إدارة محترفة وتحديث المعدات والماكينات والآلات والاهتمام بتأهيل العمال وتدريبهم واتباع التكنولوجيا المتقدمة فى كل صناعة.. وعندها ستتحول الخسائر إلى أرباح كما حدث مع شركة النصر للسيارات!!
دخلت مصر عالم إنتاج السيارات أو لنقل تجميع السيارات عام 1960 وكانت السيارة «رمسيس» باكورة الإنتاج بنسبة مكون محلى 30٪ وذلك بالتعاون مع شركة ألمانية وكانت تباع بنحو 200 جنيه فقط وظلت فى الأسواق حتى توقف انتاجها عام 1972 حينما وصل المكون المحلى لأكثر من 40 ٪.. ثم تعاقدت شركة النصر مع «فيات» الإيطالية وانتجت موديلاتها ابتداء من النصر 1100 1300 و2300 ثم بعد ذلك 128 و127 و131 ووصلت نسبة المكون المحلى إلى 45 ٪ خاصة فى السيارة 128 التى أصبحت شعبية ويفضلها المصريون.. وكانت «دوجان وشاهين» من أواخر الطرازات التى أنتجتها الشركة وهى معدلة فى تركيا.
توقفت النصر للسيارات عن الإنتاج تماما عام 2009 بحجة وصول الخسائر إلى أرقام مرتفعة ثم عادت جزئيا عام 2013 بعد تقليص 90٪ من العمالة ثم توقفت مرة أخرى حتى صدر قرار إعادتها للعمل وشهد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء الأسبوع الماضى تسليم أول دفعة من إنتاج الشركة الجديد أتوبيسات «نصر سكاي» إلى شركات وزارة النقل حيث سيتم إنتاج 300 أتوبيس منها سنوياً بنسبة مكون محلى 50٪.. كما ستبدأ الشركة إنتاج السيارات الركوب الملاكى وتصنيع «المينى باص» خلال الفترة القادمة.. مطلوب الحفاظ على قلاع مصر الصناعية وعدم التفريط فيها حتى لا نندم بعد فوات الأوان ونبكى على اللبن المسكوب ونحاول استعادة ما فقدناه مثلما حدث مع شركات المراجل التجارية و«قها» للصناعات الغذائية وعمر أفندى التى اضطررنا لإعادة شرائها لأهميتها!!
عندما بدأت مصر إنتاج السيارات منذ حوالى 64 عاماً كانت فى نفس الوقت تقريبا تضع كوريا الجنوبية أولى خطواتها فى تصنيع السيارات.. وتعثرت شركة «النصر» واستمرت كوريا وأصبحت شركاتها من أهم مصدرى السيارات فى العالم وتجنى مليارات الدولارات سنويا من هذه الصناعة.. وللأسف هذا حال الكثير من الصناعات المصرية والعديد من المجالات التى كان لمصر فيها الريادة ثم انهارت الصناعة أو تدهورت.. والسر دائماً كان فى «الإدارة» وليس فقط فى نقص الامكانيات كما يدعى البعض!!. يؤمن المصريون إنه لو استمرت شركة «النصر» فى إنتاج السيارات طوال السنوات الماضية ما كنا سنشهد الارتفاعات الجنونية فى أسعار السيارات بالسوق كما يحدث هذه الأيام.. وكانت نسبة المكون المحلى قد تخطت 60 أو 70 ٪ وربما وصلنا إلى سيارة مصرية 100 ٪ مثل كوريا.. والأهم ما كانت دولة أخرى مثل «المغرب» أخذت مكاننا فى المنطقة وتصدر الآن إلى أفريقيا السيارات التى تقوم بتجميعها مع شركات فرنسية قدمت لمصر عرضها أولاً وعندما تم التباطؤ فى الرد وظهر الروتين والبيروقراطية طارت الصفقة.. وحان الوقت لاستعادة ما فقدناه!!
الاكتتاب الشعبى
>> لا يمكن انكار ما نشهده من نهضة عمرانية فى البناء والتشييد وتعدد المشروعات القومية لإقامة المدن الجديدة وشق الطرق وإنشاء الكبارى والأنفاق وتحديث البنية التحتية.. مما يستدعى أن يرافق ذلك نهضة صناعية فى مختلف القطاعات أولاً لتوفير السلع والمنتجات التى يحتاجها الشعب بدلاً من استيرادها وضياع المليارات من العملة الصعبة والضغط على الجنيه المصري.. إلى جانب ضمان وجود مستلزمات الإنتاج وأيضا توفير المواد اللازمة للبناء والتعمير مثل الحديد والصلب والأسمنت وفلنكات السكة الحديد!!
تعتبر «النصر للسيارات» التى أنشئت فى الخمسينيات من القرن الماضى واحدة من أهم 3 قلاع صناعية يمتلكها الشعب مع شركة «الغزل والنسيج» بالمحلة الكبرى التى تعثرت طويلا حتى تم تحديثها لمواصلة الإنتاج.. وكانت ثالثها شركة «الحديد والصلب» بحلوان التى كانت أول شركة فى مجالها بالشرق الأوسط التى تمت تصفيتها وتوقفت عن الإنتاج عام 2021 بعد أكثر من 65 عاما من تأسيسها.
دعونا من العواطف والرومانسية والشعارات وان شركة الحديد والصلب لها فى قلوب المصريين مكانة خاصة وتمثل فى الوجدان الشعبى رمزاً للاستقلالية وعدم الاعتماد على الغير.. وتعالوا نتحدث بلغة العقل والمنطق والمصالح.. والسؤال هل كان هناك ما يستدعى بقاء الشركة واستمرارها فى الإنتاج.. ولماذا كانت الخسائر إذا كانت كل شركات الحديد التى نشأت بعدها تجنى الأرباح بالمليارات.. والسؤال الأهم: هل يمكن التفكير فى إعادة تشغيل شركة الحديد والصلب بحلوان؟!
من الناحية الإستراتيجية أثبتت الأزمات الدولية التى مر بها العالم والمنطقة خلال السنوات الأخيرة ابتداء من وباء كورونا إلى الحرب فى أوكرانيا إلى ما يحدث فى السودان واليمن وليبيا وسوريا وأخيراً حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على الفلسطينيين وعلى اللبنانيين.. أهمية ان تهتم كل دولة بالصناعة والزراعة لتوفير احتياجات شعوبها لأن الأزمات تؤدى إلى ركود الاقتصاد العالمى وتوقف حركة التجارة والتصدير والاستيراد وسلاسل الامداد مما يستدعى أن تكون مصانع الدولة قادرة على تحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتى من السلع والمنتجات التى تحتاجها أسواقها المحلية.. خاصة المنتجات الثقيلة الحيوية المهمة كالصلب والأكسجين وفلنكات السكك الحديدية التى كانت أهم منتجات شركة الحديد والصلب المصرية بحلوان وللأسف فقدناها!!
إذا بحثنا عن أهمية استعادة شركة الحديد والصلب اقتصاديا واجتماعيا فالفوائد متعددة وأهمها إنها تستوعب آلاف العاملين مما يقلل من نسبة البطالة.. الشركة كان لديها كنوز لم يتم استغلالها مثل الأراضى التى كان يمكن بيع جزء منها والاستفادة بالثمن فى التحديث والتطوير.. كما كان يمكن بيع جزء من خام المناجم التابعة بدلاً من فصل قطاع المناجم عن الشركة الأم قبل تصفيتها.. وكان هناك العديد من البدائل مثل البحث عن شركاء من المستثمرين أصحاب الخبرة والتخصص.. بدلا من اختيار الطريق الأسهل وهو اغلاق الشركة وتسريح عمالها!!
لماذا لم يتم التفكير فى عمل اكتتاب شعبى لتطوير الشركة وتحديث معداتها.. والشعب لن يتأخر عن ذلك خاصة ان الشركة مسجلة فى البورصة ولها أسهم.. ولقد جربنا الاكتتاب الشعبى فى قناة السويس الجديدة وتم جمع المبلغ فى وقت قياسى ويمكن اتخاذ هذا النموذج للابقاء على الشركات العامة الكبيرة الحيوية المتعثرة بدلاً من خصخصتها مثل شركات الأسمنت ثم التفكير فى إنشاء غيرها!!