أعادتنى مبادرة «عودة الكتاتيب» التى أطلقها د.أسامة الأزهرى وزير الأوقاف إلى ذكريات زمن عزيز وجميل جداً على نفسى وهو زمن الطفولة بمعناها الأصيل.. فقد تربى جيلى وما قبله على «الكتاب» بضم الكاف.. وكان يختلف من حيث مكان تحفيظ القرآن.. ففى القرية كانت تقام حلقة التحفيظ إما فى المسجد أو فى أى مكان مفتوح وواسع مثل الحقول.. بينما فى المدينة كانت تقام على هيئة فصول داخل أحد المبانى ولكنهما كانا يتشابهان فى أن الأطفال كانوا يجلسون على الأرض ويجلس الشيخ على مصطبة أو دكه.. وكانوا يطلقون عليه «سيدنا»..
ألحقنى أبى وأمى ربنا يرحمهما وعمرى ثلاث سنوات بكتاب «الشيخ سيد» وكان تحفيظ القرآن وتعليم الحروف الأبجدية يبدأ فى السابعة صباحاً وحتى الثانية ظهراً.. وكنت أحمل سندوتشات الجبنة والطعمية والفول فى حقيبة قماش مصنوعة من تيل نادية.. وكانت الفسحة فى الحادية عشرة.. وكان أمام الكتاب محل ألبان وزبادى وقشطة تملكه جارتنا فى المنزل وكنت أناديها «خالتى أم سلامة» الله يرحمها وكانت أمى تحضر وتشترى من عندها زجاجة لبن مبستر ربع كيلو وسلطانية زبادى وتعطيهم لى فى الفسحة لأنى جعت.. ثم تنتظر أمى لحين انتهاء اليوم الدراسى وتعيدنى للمنزل ليبدأ والدى مهمته بعد عودته من العمل ويراجع معى ما حفظته.. ومن هنا تعلمت اللغة العربية والحساب وحفظت ما تيسر من القرآن وهو ما كان له أبلغ الأثر الإيجابى على تشكيل شخصيتى وشخصية جيل بأكمله من حيث الثقافة والأخلاقيات ومعرفة ما يدور حولنا من خلال قراءة الصحف والمجلات..
أما الآن والكتاتيب ستعود.. فبالتأكيد ستكون مواكبة لمعطيات العصر من حيث الأدوات والمفردات.. كما ستكون أحد مصادر المعرفة الصحيحة لكل ما يحتاجه الطفل بعيداً عما سببه النت والسوشيال «هباب» من خراب وتدمير متعمدين لعقول النشء.. وإذا نجحت هذه المبادرة الرائدة فى انطلاقها كما نتمنى فإن مردودها سيعود بالنفع على المجتمع كله من حيث التعليم والثقافة وغرس قيم الولاء تجاه البلد والتعريف بمعنى الإنسانية.. وساعتها سيحفر التاريخ اسم «الأزهري» بحروف من نور.